الأزمة المرورية وقضاء حوائج الناس
من حق كل مواطن/ة أن يصف الأزمة المرورية التي يمر بها أيام الأسبوع وخصوصاً يوم الخميس بما امتلك من مفردات، ولا يحق لأي مسؤول كائناً من كان أن يرصد للمواطن مفرداته ليقول له (أنا مهندس ولدي طاقم مهندسين وأنت لست خبيراً)، قد يستغرب القارئ هذه المقدمة ظناً منه أنها من نسج الخيال، ولكنها قيلت في اجتماعات عامة وفي اجتماعات متخصصة، حيث يعتقد المسؤول أن إبطال رأي المواطن بشؤون حياته تعني أمرين؛ الأول، مفاجأته بمعلومة لم تعلن مسبقاً، وغالباً تكون اختراع لحظتها، بحيث يهز مرافقو المسؤول رؤوسهم بأنك أعلنتها في وقتها المناسب، وعندما يعودون إلى مكاتبهم يكون لسان حالهم: كيف ستنفذ هذه!!! الثاني، التشكيك بمعلومة المواطن، ليس هكذا تعرف الأزمة المرورية بل تعرف أن دولاب السيارة لا يدور لمدة تزيد على 20 – 30 دقيقة في ذات المكان!!!
لكن واقع الحال بعيد كل البعد عن هذا الواقع. الناس تواجه اختناقاً مرورياً قد يقود الى مشاكل اجتماعية أساسها عدم اتباع قواعد السير من قبل بعض السائقين، ما يعطل ويفاقم الاختناق، وشعور المواطن بكلماته ومفرداته أن الشرطة يجب ان تلعب دوراً محورياً في تنظيم السير، خصوصاً ساعات الذروة وأيام الخميس، ويناقش المواطن جدوى تحويلات حركة السير في داخل المدن لجعل كل الطرق باتجاه واحد ونقل الأزمة من منطقة الى منطقة أخرى، ويناقش بعض المواطنين بنقل تجاربهم في بلاد الغربة وكيف تعالج الازمات، وهذا حقهم ايضا، لا نحجبه سواء بالمشي سيراً على الاقدام، الدراجات الهوائية، السماح اياماً للمركبات الرقم الزوجي وأياماً أخرى للسيارات الرقم الفردي، وحل مشكلة من لا يحق له التحرك بالتشاركية بين الجيران والأقارب.
جوهر المشكلة بالأساس أننا نمتلك دراسات واقتراحات للقضايا كافة على مستوى البلد وعلى مستوى كل محافظة، ومطبوعة وموثقة وقامت عليها فرق فنية وخبراء، وتزينها كلمة لوزير الحكم المحلي وكلمة لمحافظ كل محافظة، والمصيبة انك تطالعها فتجدها أنها لا تختلف كثيراً عن رأي وتقييم المواطن، وأبعد ما تكون عن تبريرات المسؤولين بالمستويات المختلفة، سواء المعينين في مواقع حكومية أو المنتخبين في البلديات والمجالس القروية، ترى من سيختلف مع ضعف قدرة شبكة الطرق لمواكبة حركة وحجم المرور المتزايدة، وضعف قطاع النقل العام، بحيث يتم توسيع وتطوير الطرق والنهوض بنظام النقل العام وتلبية احتياجاته، وكلٌ يريد ان يحمل كل المسؤولية، وكلٌ يريد ان يلقي المسؤولية من يده ككرة ملتهبة وقعت بيده.
تُرى من سيتابع حلولاً خلاقة لمدن تتشارك الجوار وتتداخل فيه؟ ولا يمكن حل أزمة مرورية دون التعاون الإجباري والإلزامي بين هذه المدن، ليس ضمن أطر هيكلية لا تقوم بدورها بشكل فعال، بل من خلال تصور مشترك لأهمية وحتمية التعاون، إذ ليس من العبقرية بمكان ان ننجز طريقاً نتغنى به ومقاطع أخرى مؤدية اليه في مدينة مجاورة لا يطالها إعادة التأهيل، فتناكف تلك المدينة فلا تعبّد مقطعاً من طريق لها لأنه سيفضي الى المدينة المجاورة التي يعتبرونها متفردة بذاتها.
وذهب المواطنون في بعض المدن الى الخروج بتشكيلات بعيدة عن مواقع التواصل الاجتماعي صوب نموذج لجان الأحياء التي تتواصل مع البلديات للخروج بحل للازمة المرورية، ورغم ذلك يظل التعامل ضمن قوالب جاهزة تحتكم للواقع القائم في مسارات الطرق وتحويلاتها ووضع اليد على الخد "طب شو نعمل"، وهذا هو النموذج السائد في البلد، الاحتكام للأمر الواقع وعدم إيجاد حلول خلاقة للحل بحكم الاختصاص.
والأدهى والامرّ أن يرفض المواطنون تعديل المخطط الهيكلي لمدينتهم ويرفضون التقدم باعتراضات فردية، بل يصرون على موقف جماعي بإسقاط التعديل، ومواطنون في مدينة يرفضون تحويل طريق رئيسي الى داخل المدينة دون تبرير، والمواطنون لا يريدون الارتداد في البناء، ويحتالون على الأمر بطرق عدة، وفي نهاية الأمر يعلقون ويبحثون عن حل مالي للمخالفة، بينما تُفاخر البلديات أنها فرضت ارتداد سبعة أمتار بدلاً من خمسة أمتار لتوسعة الطرق المتاحة، وعندما تمر من هذه الشوارع تجدها وكأن الارتداد بات ثلاثة أمتار وليس سبعة أمتار للاصطفاف المزدوج وحتى ثلاثي الاصطفاف، وعندما تكثف الشرطة تواجدها ومتابعتها يقال: ليش مركزين على هالحي وهذا الطريق (احترنا يا قرعة من وين نبوسك) إن كثفت الشرطة تواجدها وتابعت تصبح مستهدفة حياً بعينه، وإن غابت نطالب بحضورها!!!.
ودعوني أكون صادقاً مع نفسي أولاً. 90% من الدراسات والخطط تكون شاعرية غير ملامسة للواقع، وغالبيتها مكررة من ذات المستشارين وتستعرض الأرقام من الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وتقسم العمل بين جهات الاختصاص، وتعود الأمور لتتكرر في دراسات واستشارات أُخرى بتغيير الأرقام والحفاظ على المضمون، وتبقى الأزمة والاختناق المروري قائمَين دون حلول خلاقة ولا إرادة للحل.