الأزمة الاجتماعية في فرنسا هل تقوض صورة البلد بنظر المستثمرين؟
مال وأعمال

الأزمة الاجتماعية في فرنسا هل تقوض صورة البلد بنظر المستثمرين؟

صدى نيوز -(أ ف ب) -هل تبقى فرنسا قبلة للمستثمرين الأجانب أم تصبح بنظرهم مجرد بؤرة انفجار اجتماعي؟ تضررت صورة فرنسا كمقصد للأعمال جراء العرقلة المحيطة بخطة إصلاح نظام التقاعد، التي أيقظت مخاوف ماضية حول بلد غير مستقر اقتصاديا.
وقال مارك ليرميت الشريك في شركة الاستشارات "إرنست ويونغ" التي تنشر مقياسا أوروبيا سنويا لجاذبية الدول في مجال استقطاب المشاريع الاستثمارية الدولية "ما نسمعه من زبائننا ومن مختلف مجموعات صانعي القرار التي نشارك فيها، أن ليس هناك ذعر بل مخاوف".
وأوضح لوكالة فرانس برس أن هذه المخاوف تتركز بين قادة فروع الشركات في فرنسا "الذين يسعون للفوز بصفقات داخل مجموعاتهم وينظرون إلى المسألة بكثير من الجدية"، ذاكرا بصورة خاصة تساؤلات على المدى المتوسط ولا سيما حول قدرة الحكومة على مواصلة إصلاحاتها.
غير أن ليرميت لفت إلى أنه "من منظار بعيد، من نيويورك أو كنساس سيتي أو لندن، لا تظهر مشكلات فرنسا في الصدارة".
لكن حتى في ظل الأحداث الكبرى على الساحة الدولية وفي طليعتها الحرب في أوكرانيا والتضخم في كل أنحاء العالم، تابع العالم بأسره صور إحراق حاويات النفايات في باريس ومشاهد الشغب والتكسير في العاصمة الفرنسية، ما أيقظ لدى أوساط الأعمال ذكريات أزمة "السترات الصفراء" والإضرابات التي شلت فرنسا في ذلك الحين.
بمعزل عن الصور التي تصدرت الإعلام في العالم، فإن الصحافة الاقتصادية التي تشكل واجهة الجاذبية الفرنسيّة لم توفر الحكومة في انتقاداتها. وأكدت وكالة بلومبرغ الأميركية أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "ربما أصبح بطة عرجاء"، ملمحة بذلك إلى أنه قد يكون عاجزا عن الاستمرار في ممارسة الحكم، فيما دعت صحيفة فاينانشل تايمز إلى "بدء جمهورية سادسة أقل سلطوية".
من جانبها أعربت وكالة موديز للتصنيف الائتماني عن مخاوفها من أن يؤدي لجوء الحكومة إلى آلية موضع جدل قضت باستخدام البند 49-3 من الدستور لتمرير إصلاح نظام التقاعد، إلى "تعقيد" إقرار أي إصلاحات بنيوية في المستقبل، وهي إصلاحات أشادت بها الحكومة باعتبارها أساسية لاستقبال الشركات الأجنبية مثل إصلاح النظام الضريبي وإصلاح سوق العمل.
وإن كانت المحامية المتخصصة في عمليات الانصهار والاستحواذ الدولية ناتالي يونان لاحظت زيادة في اهتمام المستثمرين الأجانب بفرنسا في الأشهر الأخيرة، إلى أنها قالت لوكالة فرانس برس إنه "في مستهل كل اجتماع، السؤال الأول الذي يطرح هو: كيف هو الوضع في باريس؟"
وتابعت القانونية المشاركة في مكتب "إف تي بي آ" للمحاماة أن "بالنسبة لبعض (المستثمرين)، هذه أول مرة يضعون أقدامهم في فرنسا، وبالتالي يشعرون بمزيد من القلق" ويتساءلون "إن كان هذا التوقيت المناسب للقيام بخطوتهم الأولى" في البلد.
وقالت "بالنسبة لمستثمرين آخرين لديهم أعمال (في فرنسا) ويريدون التوسع، فهم ينظرون أحيانا إلى فرنسا بطرافة أو سخرية"، مشيرة إلى أن الأحداث بصورة عامة ليست من النوع الذي يجعل الشركات تتردد في الاستثمار.
حققت فرنسا حتى الآن نتائج متينة على صعيد الاستثمارات الأجنبية، وتصنفها شركة إرنست ويونغ منذ ثلاث سنوات في طليعة قبلات الأعمال في أوروبا من حيث عدد المشاريع، على أن تصدر تصنيفها المقبل في منتصف أيار/مايو.
وقال وزير التجارة الخارجية أوليفييه بيشت ردا على أسئلة فرانس برس أن "التظاهرات ليست مريحة، لكنني لا أتلقى اليوم اتصالات من شركات تسألني عما يجري في فرنسا".
وأضاف "المستثمرون اعتادوا على أن يظهر الفرنسيون أحيانا هذا النوع من التعبير العنيف بعض الشيء في الشارع، هذا من ضمن تاريخنا. لا يحكمون علينا على ضوء الظروف لبضعة أسابيع أو بضعة أشهر. حين نستثمر في بلد، يكون الاستثمار لخمس سنوات أو عشر سنوات أو عشرين سنة"، موضحا أن المخاوف تتركز بالأحرى حول سعر الطاقة وإمكانية الحصول على اليد العاملة.
وأكد مصدر قريب من قطاع صناعة الأدوية الدولي هذه النظرة إلى فرنسا على أنها بلد متمرد. وقال المصدر "هناك نوع من التسليم بالأمر الواقع يقول إن فرنسا تبقى فرنسا" معتبرا أن "الشركات الدولية اعتادت هذه الثقافة الأقرب إلى الانفجار الاجتماعي كوسيلة لتسوية خلاف".
وقالت المحامية ناتالي يونان إن "الحماسة التي واكبت ولاية إيمانويل ماكرون الأولى تبددت منذ وقت طويل ... في البداية لم يكن هناك سوى إطراء وابتسامات حيال رئيس سيهتم بالاقتصاد والمالية، وحين لاحظ الناس الصعوبات، باتوا أكثر واقعية حيال قدرة (فرنسا) على إصلاح نفسها".
وأحيانا تتخذ المخاوف منحى سياسيا، في وقت يحقق اليمين المتطرف الفرنسي تقدما متزايدا على مر الانتخابات.