الصين تشن حملة عنيفة ضد الفساد في البنوك.. هل هذا هو الوقت المناسب؟
صدى نيوز - الصين تحقق مع كبار المسؤولين التنفيذيين في أهم المؤسسات المالية في البلاد. ( الصورة من رويترز)
رغم مرور الاقتصاد العالمي بفترة عصيبة ومحفوفة بالمخاطر، إلّا أن الصين اختارت أن تبدأ حملة تطهير واسعة لمكافحة الفساد في مؤسساتها المالية.
وأصبحت البنوك وشركات التأمين في الصين مؤخراً محور التركيز ضمن هذه الحملة واسعة النطاق لمكافحة الفساد، والتي تؤرق كبار المسؤولين وتمثل عبئاً على نفسية المستثمرين ورجال الأعمال المضغوطين جراء واقع الاقتصاد العالمي.
وبالفعل بدأت أكبر وكالة لمكافحة الكسب غير المشروع في الحزب الشيوعي (وهي اللجنة المركزية لفحص الانضباط) التحقيق مع أكثر من عشرة من كبار المسؤولين التنفيذيين في أهم المؤسسات المالية في البلاد حتى الآن هذا العام، وفقاً لتحليل CNN للبيانات المنشورة على الموقع الإلكتروني لهيئة مكافحة الفساد والكسب غير المشروع.
ووفقاً للجنة، فقد أجريت التحقيقات مع ثلاثة أسماء كبيرة على رأس النظام المالي الصيني مع توجيه اتهامات إليهم، بمن في ذلك لي زيابينغ، الرئيس السابق لمجموعة «إيفربرايت الصينية»، واحدة من أقدم وأكبر التكتلات المالية المملوكة للدولة في البلاد.
وقالت اللجنة -يوم الأربعاء في بيان مقتضب- إن لي يُشتبه في ارتكابه «انتهاكات خطيرة للقانون والانضباط» ويخضع للتحقيق.
وقالت شركة «إيفربرايت» في بيان إنها «تدعم بالكامل» قرار الحزب و«ستتعاون بشكل كامل» مع التحقيق مع لي، الذي ترأّس البنك لمدة أربع سنوات حتى استقالته في مارس آذار 2022.
فتحت السلطات تحقيقاً مماثلاً مع ليو ليانج يوم الجمعة الماضي، وهو الرئيس السابق لبنك الصين المملوك للدولة، رابع أكبر بنك في البلاد.. استقال ليو الشهر الماضي بسبب «تعديلات العمل»، وفقاً لبيان من البنك.
وفي يناير كانون الثاني واجه وانغ بن، الذي ترأس شركة التأمين الصينية المملوكة للدولة من 2018 إلى أوائل 2022، اتهامات بتلقي رشى وإخفاء مدخرات خارجية.
وإثر هذا استُجوب وانغ لأول مرة من قبل اللجنة المركزية لفحص الانضباط في يناير كانون الثاني 2022.
يقول المحللون إن الشكوك ربما طالت أيضاً باو فان، وهو مصرفي استثماري بارز واسم مشهور في قطاع التكنولوجيا، والذي اختفى في فبراير شباط، متوقعين أن تكون الحملة التفتيشية أكثر ضراوة.
أعلنت لجنة التحقيق في الأسبوع الماضي أنها ستفتش أكثر من 30 شركة مملوكة للدولة، وتشمل تلك الكيانات الشركات المالية العملاقة، مثل، مؤسسة الاستثمار الصينية، وهي صندوق الثروة السيادي للبلاد، وبنك التنمية الصيني، الذي يوفر التمويل للمشاريع الحكومية الرئيسية، والبنك الزراعي الصيني، وهو بنك إقراض كبير آخر تسيطر عليه الدولة.
يأتي ذلك بعد أشهر فقط من حصول شي جين بينغ على فترة رئاسية ثالثة في أكتوبر تشرين الأول، زعيماً للصين، وذلك بعد فترة وجيزة من سيطرة الحزب على اقتصاد البلاد.
قال تشونجي فنغ، الأستاذ المشارك في الدراسات الصينية بجامعة سيدني للتكنولوجيا، «الحملة المالية المقامة حالياً، هي موجة جديدة من حملة شي جين بينغ لمكافحة الفساد ضد القطاع المالي من أجل تعزيز سلطته».
حملة مكافحة الفساد هي حملة شي المميزة، وخضع لها الحزب الشيوعي الحاكم والحكومة والجيش والشركات المملوكة للدولة في موجات منذ عام 2012، عندما تولى شي منصبه، وعوقب الكثير من المسؤولين.
فرض السيطرة التامة
ركزت الحملة العنيفة على مختلف القطاعات المالية في أنحاء الصين، وقال فنغ إنه قد يكون هناك سببان لهذا «التصعيد».
وقال فنغ «يعد القطاع المالي المحطة الأخيرة ضمن المجالات الثلاثة الرئيسية التي يود شي أن يُحكم سيطرته الكاملة عليها بعد الجيش وجهاز الأمن الداخلي»، واصفاً إياه بـ«أكياس النقود» للحزب.
وأضاف أن شي يحتاج أيضاً إلى السيطرة المركزية على القطاع من أجل التعامل مع «الأزمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة في الصين» والاستعداد لـ«حرب مالية» مع الولايات المتحدة.
تواجه بكين مجموعة من التحديات المحلية والعالمية، وتعاني سوق الإسكان أسوأ تراجع لها على الإطلاق، ولا تزال معدلات بطالة الشباب مرتفعة، وتكافح الحكومات المحلية مع أعباء الديون الضخمة وتقليص الدعم المقدم.
أيضاً العلاقات بين الولايات المتحدة والصين في أدنى مستوياتها منذ عقود، ما أدى إلى تصاعد التوترات في قطاعات التكنولوجيا والاستثمار.
أصبح الاستثمار في الصين محفوفاً بالمخاطر بشكل متزايد مع تدهور مناخ الأعمال الخاصة، ووقوع الشركات الأجنبية في فخ التوترات الجيوسياسية.
على صعيد آخر قد تؤدي الحملة المتصاعدة على القطاع المالي الواسع إلى إثارة قلق المستثمرين، إذ تمتلك البنوك وشركات التأمين في الصين أصولاً تبلغ قيمتها 60 تريليون دولار، أي ما يعادل 340% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للبلاد، وفقاً لأحدث الإحصاءات الصادرة عن بنك الشعب الصيني.
أهداف متضاربة؟
أدى اختفاء باو، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «رينيسانس الصينية» إلى انخفاض قيمة أسهم البنك، فقد خسر 27 في المئة منذ فبراير شباط.
في حين لا يزال قطاع التكنولوجيا في الصين يعالج الجروح التي أصابته في مواجهته الحزب الشيوعي الحاكم بزعامة شي، الذي قضى على مئات المليارات من الدولارات من القيمة السوقية للقطاع.
ولا تزال أسهم علي بابا منخفضة بنسبة 70 في المئة تقريباً عن ذروتها في أواخر أكتوبر تشرين الأول 2020.
أجريت حملة تفتيش مماثلة من قبل الحزب في عام 2017، وكانت حملة شاملة على الإقراض المحفوف بالمخاطر من قبل البنوك ومؤسسات إقراض الظل بسبب مخاوف بشأن الأطر النظامية.
حاولت السلطات كبح جماح أكبر التكتلات الخاصة في البلاد آنذاك، مثل «آنبانغ»، و«إتش إن إيه»، و«واندا»، و«فوسن غروب»، التي اقترضت بكثافة لتغذية توسع عالمي مهول.
أمّا الحملة الأخيرة على البنوك والشركات المالية فقد شُنت في فبراير شباط من قِبل هيئة مراقبة مكافحة الكسب غير المشروع.
وقالت اللجنة المركزية لفحص الانضباط في تعليق شديد اللهجة عبر موقعها الرسمي، «من الضروري معاقبة الفساد الذي يعد أكثر انتشارا في مجالات مثل التمويل، والمؤسسات المملوكة للدولة، وشراء وبيع الحبوب، حيث تتركز القوة، ورأس المال الكثيف، والموارد الغنية».
وأضافت اللجنة في بيانها أنه يتعين على المصرفيين التخلي عن ادعاءاتهم بأنهم «النخبة المالية» والتوقف عن تقليد «الأساليب الغربية»، على حد وصف البيان.
وأضاف توماس «من المحتمل أن يرى شي استهداف شخصيات رفيعة المستوى في القطاع مثل باو فان كاستراتيجية فعّالاً لصدمة القطاع المالي بأكمله ودفعه إلى امتثال أقوى وأكثر استباقية للإملاءات السياسية».
اختفى قطب العقارات رين تشيتشيانغ لعدة أشهر في عام 2020، بعد أن أدلى بآراء ضد تعامل شي مع جائحة فيروس كورونا، وسُجن في النهاية لمدة 18 عاماً بتهم الفساد.
وفي عام 2017، حذر عملاق التأمين «آنبانغ» المساهمين من أن رئيسها وو شياوهوي، لن يكون قادراً على القيام بواجباته بعد أن ورد أنه احتجز من قبل السلطات كجزء من تحقيق حكومي.
وذكرت شركة «آنبانغ» في ذلك الوقت أن «أسباباً شخصية» لغيابه، ولكنه سُجن في النهاية لمدة 18 عاماً.
المصدر: موقع سي ان ان