المستثمرون يتأرجحون بين النفط والذهب على وقع أخبار الصين والاحتياطي الفيدرالي
صدى نيوز - تجري اللعبة الكلاسيكية لانكماش السلع، والمتمثلة في التحول من النفط إلى الذهب، على قدم وساق، لكنها تظل بعيدة كل البعد عن التقدم السلس، إذ إن المستثمرين يوفقون ما بين إشارات الاحتياطي الفيدرالي والتعافي المتعثر لاقتصاد الصين ما بعد الجائحة.
تُعتبر نسبة النفط إلى الذهب -السعر الفوري للسبائك مقسوماً على العقود الآجلة لنفط خام غرب تكساس الوسيط- مقياساً لحالة الاقتصاد العالمي، إذ تشير القراءات الأعلى إلى استعداد المستثمرين لمواجهة الركود. وقد ارتفعت هذه النسبة منذ منتصف عام 2022، كما ارتفعت في أواخر مارس، إذ عززت أزمة المصارف جاذبية الذهب بوصفه ملاذاً آمناً.
المرة الأخيرة التي حدث فيها تحرك دراماتيكي في هذه النسبة كانت في عام 2020، عندما اجتاح فيروس كورونا الاقتصاد العالمي، ما دفع أسعار الذهب إلى الارتفاع مقابل حالة من الفوضى في أسواق النفط. أما الآن فالوضع يُعتبر أقل وضوحاً.
عندما يتوقف بنك الاحتياطي الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة على وجه التحديد، يثير ذلك سؤالاً كبيراً بالنسبة إلى السلعتين الرئيسيتين. أدت محاولة توقع توقيت تشديد السياسة النقدية إلى بعض التحركات غير المتوقعة في الآونة الأخيرة، إذ ارتفعت أسعار النفط، وهو أصل محفوف بالمخاطر في كثير من الأحيان بسبب البيانات الاقتصادية الأميركية الضعيفة، فيما تراجع الذهب الذي يعتبر ملاذاً آمناً.
قال وارن باترسون، رئيس استراتيجية السلع في "آي إن جي غروب" (ING Groep NV): "ارتفعت قيمة الأصول المحفوفة بالمخاطر بشكل عام على خلفية بيانات الاقتصاد الكلي السلبية، نظراً إلى أنها قد تشير إلى اقتراب نهاية رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة". وأضاف: "ما يجعل من هذه الظروف بيئة صعبة هو معرفة متى تصبح الأخبار السيئة أخباراً غير جيدة".
تُعقّد الصين هذه المعادلة، فلم يصل تعافي الاقتصاد الصيني بعد الفيروس إلى مستوى التوقعات، لكن مع ذلك لا يزال معظم المحللين يتوقعون ارتفاع الطلب من أكبر دولة مستوردة للنفط في مرحلة ما.
يبقى ما يسمى "حدود تدخل أوبك" -أي متى تتدخل المنظمة لدعم أسعار النفط- من أكثر الأمور الأخرى التي يجهلها مستثمرو النفط، وهذا ما جعل نسبة النفط إلى الذهب تتراجع مع إعلان تحالف "أوبك+" في بداية أبريل عن خفض الإنتاج. كذلك فإن التقدّم الذي أحرزه تعافي اقتصاد الصين مع عودة حركة السفر الجوي خلال الأسبوع الذهبي في أوائل مايو يُعتبر علامة رئيسية أيضاً في هذا المجال.
لا يزال بعض المحللين يرى أن الأسعار ترتفع من مستوياتها الراهنة، على أمل أن تؤدي زيادة مشتريات المصافي الصينية إلى التعويض عن الوضع الاقتصادي المتدهور في الولايات المتحدة. لكن هذا التفاؤل تراجع في الأسابيع الأخيرة، إذ سجلت مجموعة من أكبر أربعة صناديق متداولة في البورصة خمسة أسابيع متتالية من التدفقات الخارجة.
ما من إجماع في الآراء حول الاتجاه الذي ستسلكه أسعار النفط. لا تزال توقعات مجموعة "غولدمان ساكس" متفائلة بشكل مميز، إذ ترى أن سعر خام برنت سيرتفع إلى 95 دولاراً للبرميل بحلول ديسمبر من نحو 81 دولاراً في الوقت الحالي. ومع ذلك ترى "سيتي غروب" أن سعر برنت سيتراجع إلى ما دون 80 دولاراً للبرميل.
توجد "فجوة كبيرة بشكل خاص بين المتفائلين والمتشائمين" في أسواق النفط، حسبما قال محللو "ستاندرد تشارترد"، بمن فيهم إميلي أشفورد وبول هورسنيل في مذكرة صدرت في منتصف أبريل.
توقعات بأن يزداد الذهب بريقاً
عادةً ما تُعتبر أخبار النفط السيئة أخباراً جيدة للذهب، وقد بدا ذلك جلياً لدى أكبر صندوق للذهب في العالم، وهو صندوق "إس بي دي آر " (SPDR Gold Shares ETF)، الذي شهد تدفقات هائلة منذ منتصف مارس.
ارتفعت أسعار الذهب الفورية من نحو 1630 دولاراً للأونصة في أوائل نوفمبر، إلى نحو 2000 دولار، أي قرب مستوياتها القياسية، إذ راهن المستثمرون على اقتراب بنك الاحتياطي الفيدرالي من إنهاء دورة رفع أسعار الفائدة. عادةً ما يفيد تراجع عائدات السندات الأصول التي لا تحمل فائدة.
كما أن تعافي الصين المُخيّب للآمال، واحتمال نشوب معركة مزعزعة للاستقرار حول سقف الدين في الولايات المتحدة، يدعمان المعدن الثمين أيضاً.
توقعت "سيتي غروب" أن تصل أسعار الذهب إلى 2,300 دولار للأونصة في غضون 6 إلى 12 شهراً، وذلك في مذكرة أصدرتها الشهر الجاري، إذ أشارت إلى الاضطرابات المصرفية الأخيرة في الولايات المتحدة، واندفاع البنوك المركزية لشراء سبائك الذهب في الأسواق الناشئة في الصين وغيرها.
كما تسهم المخاطر الجيوسياسية المتزايدة، خصوصاً تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب معدلات التضخم المرتفعة، في ارتفاع قيمة الذهب، وفق ما قاله كلفن وونغ، كبير محللي السوق في "أوندا آسيا باسيفك"(Oanda Asia Pacific Pte).
أضاف وونغ: "في السياق الاقتصادي الحالي، سيميل الذهب نحو تحقيق أداء جيد في ظل بيئة الركود التضخمي.. ومع ذلك فإننا نواجه الآن تدفقات متضاربة من البيانات والأخبار المتعلقة بالاقتصاد الكلي".