خسائر الصراع في السودان تمتد إلى الدول العربية وخبراء يتوقعون مزيدًا من الضغوط التضخمية
صدى نيوز - يحظى السودان بأهمية استراتيجية للمنطقة العربية، وذلك على الرغم من صغر حجم اقتصاده، إذ قدر صندوق النقد الدولي حجم الناتج المحلي الإجمالي السوداني بأقل من 50 مليار دولار بالأسعار الجارية خلال العام الماضي، ليأتي في المرتبة العاشرة بين أكبر الاقتصادات العربية،
ويمتلك السودان موارد كبيرة منها الذهب والفضة ومعادن أخرى مثل الزنك والحديد.
قامت الإمارات باستيراد 1.9 مليار دولار من الذهب السوداني في 2022، وهو ما يمثل 94.7% من إجمالي صادرات الخرطوم من المعدن الأصفر، وتعد السعودية ومصر أكبر مستوردي منتجات اللحوم والمواشي السودانية، إذ استوردتا معًا 88.5% من إجمالي صادرات السودان من اللحوم والماشية والبالغة 550.6 مليون دولار العام الماضي.
ومنذ اندلاع الصراع على السلطة في السودان في منتصف أبريل/نيسان الجاري، بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، كانت التطورات المرتبطة به في صدارة الأخبار بسبب أهمية السودان للمنطقة..
السلع والتضخم
أكد الخبير المالي السوداني والشريك المؤسس في Market Trader Academy عمرو زكريا عبدو، أن تزامن انخفاض إنتاج الغذاء في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بشكل كبير هذا العام مع نشوب الصراع في السودان يعزز تداعيات الأزمة، مع اعتبار الخرطوم سلة غذاء للعالم العربي وأصل مهم تصعب خسارته، مضيفًا "كان من المحتمل أن يكون السودان عاملًا كبيرًا في زيادة الأمن الغذائي للعالم العربي بأكمله".
ويقدّر عبدو في تصريحات لموقع فوربس الشرق الأوسط الخسائر الفورية للصراع في السودان هذا العام بنحو مليار دولار من التحويلات السنوية ومثلها من صادرات الذهب، وتوقع أن ينخفض الجنيه السوداني بشكل كبير، إذ ستحتاج الحكومة إلى تمويل عجزها الكبير بالفعل عن طريق طباعة النقود، ما يؤدي إلى زيادة التضخم.
وبرأي عبدو فإنّ "مصر هي الخاسر الأكبر عندما يتعلق الأمر بتجارة السلع، خصوصا اللحوم والماشية، إذ إن السودان أقرب مورد وربما الأرخص". وأشار إلى أن الصراع الحالي يؤثر سلبًا في الأمن المائي لمصر في ضوء قرب الانتهاء من سد النهضة الإثيوبي، الذي قد يعوق المفاوضات ويؤثر سلبًا في إمدادات مصر من المياه.
وفي الإطار ذاته، توقع رئيس قسم أبحاث السوق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في XS.com، أحمد نجم، في تصريحات لفوربس الشرق الأوسط أن تشهد بعض الدول العربية ضغوطًا تشمل صعود الأسعار إذا استمر الصراع، ومنها مصر التي تشهد بالفعل زيادة في معدلات التضخم.
إلا أن نجم أكد أن التأثير الاقتصادي للصراع في السودان في الدول العربية يمكن أن يكون سلبيًا لكنه محدود نسبيًا، نظرًا إلى حجم الصادرات إلى جيرانه العرب في معظم الحالات، مشيرًا إلى أنه بينما تحافظ معظم الدول العربية على درجة معينة من العلاقات التجارية مع السودان، تظل مستويات الواردات صغيرة نسبيًا مقارنة بحجم تجارتها الإجمالية، كما أن غالبية شركائه التجاريين العرب غالبًا ما تكون لديهم مصادر متنوعة نسبيًا لمعظم وارداتهم.
أكبر المستوردين
شكّلت الإمارات عام 2022، أكبر مستورد عربي من السودان بقيمة 2.1 مليار دولار، و92.5% منها واردات ذهب بحسب البيانات الصادرة عن البنك المركزي السوداني، وتعد مصر ثاني أكبر مستورد من السودان بقيمة 635.4 مليون دولار، و34.3% من الواردات كانت من منتجات اللحوم وماشية.
احتلت السعودية المركز الثالث بين أكبر المستوردين من السودان في المنطقة بقيمة 317.3 مليون دولار العام الماضي، في حين شكلت منتجات اللحوم والماشية نحو 85% من إجمالي الواردات السعودية من الخرطوم.
استثمارات في مهب الريح
شهدت الفترة الماضية إعلان عدد من الدول العربية - خصوصا الإمارات والسعودية- تعهدات لضخ استثمارات ضخمة في السودان، لكنها لم تتحقق، كما أن الصراع الأخير يضع هذه الاستثمارات في مهب الريح، فالمستثمرون المحتملون يعيدون التفكير في تلك التعهدات.
وقعت الحكومة السودانية وتحالفا يضم موانئ أبوظبي الإماراتية و Invictus Investment اتفاقية مبدئية لتطوير وإدارة وتشغيل ميناء أبو عمامة والمنطقة الاقتصادية على البحر الأحمر، باستثمارات تبلغ 6 مليارات دولار، خلال العام الماضي.
وكان صندوق الاستثمارات العامة السعودي قد تعهد بضخ استثمارات بقيمة 24 مليار دولار في السودان وخمس دول عربية أخرى هي البحرين والعراق والأردن وعمان ومصر، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكن الصراع بالتأكيد يخرج السودان من المنافسة على هذه الحزمة الاستثمارية.
وأكد نجم أن الصراع يعرض الاستثمارات الأجنبية للخطر بعد أن انخرطت بعض الدول العربية في برامج استثمارية لتطوير البنية التحتية والاقتصاد في البلاد، مشيرًا إلى أن التطورات الأخيرة يمكن أن توقف أي مشاريع مخطط لها، لا سيما من قبل دول مجلس التعاون الخليجي.
وتوقع أن عدم تأثر اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بالصراع السوداني بسبب الحجم الهائل لها مقارنة بالاستثمارات التي تقوم بها في السودان، وتابع "ومع ذلك، قد تتأثر بعض البنوك الخليجية المنكشفة على السودان إلى حد ما بسبب الحصص التي تمتلكها في البنوك المحلية."
آفاق مظلمة
أعرب الخبير المالي ومستشار الاستثمار في شركة Gulf Elite Consultants وضاح الطه عن اعتقاده بأن تزيد عمليات الإجلاء من السودان التي تتم خلال الفترة الحالية، من القلق بشأن تطور الصراع في البلاد، وأضاف لفوربس الشرق الأوسط "لا يبدو أن الصراع سيحسم قريبًا.. خاصة أن شخصية الرجلين (رئيس مجلس السيادة الانتقالى في السودان القائد العام للقوات المسلحة عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي) صعبة ولا تؤشر إلى أنه يمكن التوسط بينهما والتزام الهدنة لمصلحة السلام".
وذكر أنه كلما طالت الأزمة تشعبت آثارها السلبية في السودان بشكل رئيسي وفي المنطقة أيضًا، متوقعًا تأثر الاستثمارات الأجنبية بشكل كبير وتوقف الاستثمارات الجديدة بالطبع، مشيرًا إلى أن السودان سيعاني تراجع التحويلات المالية بشكل كبير، إلى جانب تأثير النزاع على شح المواد الاستهلاكية والزراعة وحركة المواني ومن ثم التجارة.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن اقتصاد السودان قد تراجع 2.5% العام الماضي بسبب الأزمة الاقتصادية التي مر بها، لكن الصراع الحالي يجعل آفاق النمو أكثر قتامة.
المصدر: فوربس الشرق الأوسط