توقعات بتكبد شركات عالمية 20 مليار دولار بعد المقاطعة بمصر.. وتسريح للعمالة بعد تراجع قياسي للمبيعات
صدى نيوز -طبقاً لخبراء اقتصاد تحدث إليهم "عربي بوست"، يتوقع أن تصل حجم الخسائر التي تعرضت لها الشركات الأجنبية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي بسبب المقاطعة إلى أكثر من 20 مليار دولار خلال ما يقرب من شهرين منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. كما تشير التوقعات أيضاً إلى إمكانية تراجع نمو هذه العلامات التجارية الدولية مستقبلاً جراء تأثير حملات المقاطعة، التي ساهمت – في المقابل – في رواج تصل نسبته إلى 30% للمنتجات المحلية.
المقاطعة .. تراجع كبير في الطلب
وكشف أحد الموزعين المعتمدين لشركة "بيبسي"، أن معدلات التوزيع داخل السوق المصري انخفضت بشكل كبير جدا خلال الـ50 يوماً الماضية.
وأوضح أن الخسائر تأتي على نحو أكبر في العاصمة القاهرة التي تشهد معدلات توزيع تضاهي نصف المحافظات المصرية الأخرى، إلى جانب تراجع معدلات الاستهلاك بشكل كبير داخل القرى والمراكز التي يهرب منها الموزعون باتجاه عواصم المحافظات للبحث عن منافذ للشراء.
وأضاف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ"عربي بوست"، أن الشركة لم تتخذ قرارات معينة بشأن تقليص الإنتاج، لكنها تؤخر إرسال الشحنات الجديدة إلى الموزعين لحين استكمال توزيع الكميات التي بحوزتهم، وتعمل على إعادة توزيع الكميات الموجودة بما يساعد على توزيعها لدراسة السوق بشكل أكثر دقة وبناء قراراتها المستقبلية.
ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن موظف بإدارة شركة "ماكدونالدز" في مصر دون أن تشير إلى اسمه، تصريحاً أكد خلاله أن مبيعات الامتياز المصري في شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني انخفضت بـ 70%على الأقل مقارنة بنفس الشهرين من العام الماضي.
العروض والتخفيضات بلا نتيجة
بحسب مدير أحد فروع الشركات العالمية في القاهرة، فإن نسبة المبيعات في فرعه الذي يتواجد في منطقة حيوية في العاصمة انخفض بنسبة 80% عند مقارنة الشهرين الماضيين بباقي أشهر العام.
وأوضح في تصريحه لـ"عربي بوست" أن مجموعة من العروض التي قدمتها الشركة لم تستطع جذب المواطنين إليها، ومن الممكن أن تتزايد معدلات الإقبال بشكل طفيف في أيام الإجازة الأسبوعية، وهو توقيت تقديم عروض تصل قيمتها إلى 50% أو 60%، وفي الأوقات الطبيعية، كان ذلك يضاعف عملية البيع لضعفين أو ثلاثة.
وأشار إلى أن واردات اللحوم من الشركة الأم في مصر انخفضت كذلك، وهناك مخاوف لدى الموظفين من أن يتأثروا سلباً بالمقاطعة، مشيراً إلى أن المقاطعة التي تعرضت لها الشركة في مرات سابقة لم تكن تتجاوز مدتها أسبوعين إلى ثلاثة أو شهراً على الأكثر لكن مع دخول الشهر الثاني تبقى الأوضاع صعبة.
وسارع وكلاء الشركة في عدد من البلدان العربية إلى النأي بأنفسهم عن هذا التصرف، قائلين إنهم ليس لهم أي علاقة بهذا القرار، بل إن بعضهم أعلن عن تقديم تبرعات لصالح أهالي غزة، وهو ما أقدمت عليه وكيل الشركة في مصر، إذ أعلنت شركة "مانفودز مصر" التي تمتلك سلسلة محلات "ماكدونالدز" في البلاد، تبرعها بمبلغ 20 مليون جنيه لإغاثة قطاع غزة.
وأعربت الشركة، في بيان نشرته على فيسبوك، عن تعاطفها الإنساني مع أوضاع الأُسر الفلسطينية المتضررة. وأعلنت تبرعها بـ20 مليون جنيه مصري للمشاركة في مبادرات الإغاثة، تماشياً مع جهود الحكومة المصرية، لتخفيف الأعباء عنهم، حسب البيان.
وفي وقت سابق من الشهر الماضي قالت ماكدونالدز مصر، إن شركة "مانفودز مصر" مصرية 100% يمتلكها رجل الأعمال ياسين منصور، وإنها توفر أكثر من 40 ألف فرصة عمل بشكل مباشر وغير مباشر لمواطنين مصريين وعائلاتهم، بالإضافة إلى حرصهم على مدار 30 عاماً على إطلاق مبادرات تنموية رائدة لخدمة المجتمع المصري، حسب ما جاء في البيان.
وتشير المعلومات إلى خسائر كبيرة لحقت بالشركة، وتمثل أبرزها في تراجع سعر السهم الخاص بها بنسبة (1.89%) عند الإغلاق في بورصة نيويورك، الأسبوع الماضي.
وجود فائض بسبب تراجع المبيعات
لم يختلف الوضع كثيراً بالنسبة لشركة "ستاربكس" والتي تشهد فروعها في القاهرة وعدد من المحافظات الأخرى حالة من الخواء.
أقدمت الشركة خلال الأسابيع الماضية على تقديم عروض وتخفيضات وصلت نسبتها إلى 80% على المشروبات والعصائر الجاهزة التي تقدمها، غير أنها لم تستطِع أن تحقق اختراقاً يذكر طيلة فترة المقاطعة، بحسب ما أكده أيضاً مدير أحد الفروع الذي تواصلت معه "عربي بوست" بالعاصمة القاهرة.
وأضاف المتحدث ذاته رافضاً الإفصاح عن هويته، أن الشركات التي تتعاقد معها "ستاربكس" لتوريد البضائع توقفت خلال الأسبوع الماضي، جراء وجود فائض لدى غالبية الأفرع التي تراجعت فيها معدلات البيع بنسبة قد تصل إلى 80% مقارنة بباقي أشهر العام قبل العدوان على غزة.
وأشار إلى أنه لم يكن من المتوقع أن يكون التأثير واضحاً لهذه الدرجة، غير أن قناعة المواطنين في مصر بأن الشركة ليس لديها عدد عمالة كبير وتتبع مشاركة الشركة الأم جعل المقاطعة قوية.
وبحسب المصدر ذاته، فإن الشركة المالكة بدأت تفكر جدياً في الاستغناء عن عدد من العمال من المتوقع أن تصل نسبتهم إلى 10% من إجمالي العاملين، وهو ما أحدث حالة من التذمر في العديد من الأفرع، وسط تهديدات باللجوء إلى مكاتب العمل لحفظ حقوق العاملين.
ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن سامح السادات، وهو سياسي مصري وشريك مؤسس في شركة تي.بي.إس هولدينغ، أحد موردي ستاربكس وماكدونالدز، أنه لاحظ انخفاضاً أو تباطؤاً بنحو 50% في طلبات الشركتين.
إجراءات تعسفية وغير قانونية
استنكر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأنباء المتداولة بشأن تسريح سلسلة "ستاربكس" عدداً من موظفيها العاملين في فروعها المنتشرة في مصر، بدعوى تأثيرات حملة المقاطعة الأخيرة على مبيعاتها، بسبب موقف الشركة الأم من دعم الاحتلال الإسرائيلي وجرائم الإبادة الجماعية المرتكبة في غزة.
وأبلغت إدارة "ستاربكس" عدداً من الموظفين بالاستغناء عنهم بدعوى التراجع الكبير في حجم مبيعاتها بفعل المقاطعة، حيث باتت تواجه أزمة في الوقت الحالي، فيما يتعلق بتوفير النفقات، في الوقت الذي شهدت مبيعاتها ومبيعات عدد من العلامات التجارية الأخرى الداعمة للاحتلال تراجعاً هائلاً.
وأكد المركز المصري أن تسريح "ستاربكس مصر" عدداً من عمالها يمثل جريمة إضافية، تضاف إلى جريمة "تقديم الشركة الأم الدعم للاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على غزة بشكل خاصة، والشعب الفلسطيني بشكل عام، ما يستدعي ضرورة التحقيق العاجل في هذه الوقائع، فضلاً عن تشديد إجراءات حماية حقوق العمال ضد هذه الممارسات، في ظل وضعهم المتأزم واللا إنساني، خاصة مع سوء الأحوال الاقتصادية".
وأعلن المركز، استعداده لتقديم الدعم القانوني المجاني للعمالة المصرية في "ستاربكس" للحصول على حقوقهم كاملة، مشدداً على ضرورة وقف الإجراءات التعسفية غير القانونية ضدهم، إذ إن قانون العمل يلزم صاحبه حال رغبته في تقليص حجم العمالة لدواعٍ اقتصادية، أن يتقدم بطلب إغلاق المنشأة أو تقليص حجمها أو نشاطها إلى لجنة تشكل لهذا الغرض.
مزيد من الخسائر إذا استمرت إسرائيل بحربها
وأمام حالة الغضب ضد الشركات الداعمة للكيان الصهيوني، أوقفت شركات "ماكدونالدز" و"كنتاكي" و"ستاربكس" التفاعل عبر صفحاتها على"فيسبوك" منذ الشهر الماضي، وتعرض العديد من منها لخروج مئات الآلاف من المتابعين وتركزت غالبية التعليقات على منشوراتها بمقاطعتها ومنحها تقييمات سلبية للمنتجات التي تقدمها.
وقال خبير اقتصادي مصري تابع لوزارة المالية، إن الخسائر التي تعرضت لها الشركات الداعمة للاحتلال في السوق المصري بلغت ما يقرب من 20 مليار دولار ومن المتوقع أن تأخذ في التصاعد خلال الأيام المقبلة، خاصة إذا استأنفت إسرائيل عدوانها ضد القطاع، وهو ما بدأ بالفعل يوم الجمعة 1 ديسمبر/ كانون الأول.
وأوضح أن النسبة الأكبر من المقاطعة تبقى من نصيب الشركات الغذائية وشركات المشروبات الغازية الشهيرة، وبشكل عام تطال كل ما هو لديه بديل مصري متوفر، وهو ما يجعل المقاطعة في مصر ناجحة إلى حد كبير.
وأكد لـ"عربي بوست" أن المواطنين لم يهبأوا بالتحذيرات التي وجهتها جهات شبه حكومية تحدثت عن أضرار المقاطعة على العمالة المصرية، إذ هناك قناعة من المواطنين بضرورة أن يكون هناك رسالة سياسية يمكن تقديمها، عبر هذا التوجه، الأمر الذي يزعج العديد من الشركات الأجنبية في مصر والتي كثفت اتصالاتها خلال الأيام الماضية مع جهات مصرية لتقديم تسهيلات لها تمكّنها من استمرار استثماراتها وبما يضمن عدم تسريح أي عمالة.
ولفت إلى أن القواعد الحرة التي تعمل وفقها الأسواق المصرية تجعل هناك مساحات مناورة من جانب جهات رسمية ترى أنها تترك المجال على مصراعيه للمنافسة دون تضييق أو احتكار.
لكنه في الوقت ذاته شدد على أن ذلك لن يكون كافياً ما لم تتدخل الحكومة على نحو أكبر لتوفير بدائل مشابهة للشركات المقاطعة، وأن ما يعرقلها المخاوف من هروب المستثمرين في وقت تسعى فيه الحصول على أكبر قدر من العملة الصعبة وتخشى على سمعة الاستثمار لديها، إلى جانب مخاوفها من تراجع المقاطعة حال توقفت الحرب.
المقاطعة تنعش سوق المنتجات المحلية
وبحسب دراسة نشرها مؤخراً المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، فإن المقاطعة الأخيرة في مصر شهدت تراجع الطلب 30% على العلامات الأجنبية، وتشجيع الطلب على العديد من المنتجات محلية الصنع، كما ارتفعت مبيعات الشركات المحلية وخاصة الأغذية والمشروبات، إذ مثلت دعاية لتلك الشركات الموجودة بالسوق المصري منذ عشرات السنين ولا تقوى على منافسة الماركات العالمية.
وأشارت الدراسة إلى أن "حملات المقاطعة ساهمت في سطوع نجم عدد من الشركات المحلية، والتي اتجهت لزيادة المبيعات وطرح منتجات جديدة وتأسيس خطوط إنتاج لتلبية الطلب المتزايد. ويمكن لنا المناداة بإعادة تجديد مبادرة "صنع في مصر" لدعم المنتج الوطني واستغلال هذا الزخم في الترويج للمنتجات المحلية".
ويشير مصدر مطلع باتحاد الغرف التجارية في مصر إلى أن المقاطعة خدمت المنتجات المحلية التي زاد الإقبال عليها بنسبة تراوحت ما بين 20 إلى 30% خلال الشهرين الماضيين، وأن الأزمة تكمن في أن المنتجات المحلية غير قادرة على تلبية الطلب المتزايد عليها، وأن كثيراً من المقاطعين قد يضطرون لشراء السلع المتوفرة أمامهم مع عدم توفر البديل.
ويلفت إلى أن المصانع المصرية بحاجة إلى آليات أسرع وأكثر إيجابية لتحسين جودتها وتلبية طلبات المواطنين المتزايدة، وأن المقاطعة كان من الممكن أن تبقى سلوكاً عاماً ومستمراً في حال كان المنتج المحلي مستعداً بشكل كافٍ لتعويض الأجنبي، وأن المشكلات التي تواجهها الشركات والمصانع المصرية تنعكس على أدائها الحالي في الأسواق.
ويعتبر أن تأكيدات كثير من أصحاب المحال الذين رصدوا تغييراً في سلوكيات المواطنين بينها تحميلهم تطبيقات على هواتفهم المحمولة للتعرف على المنشأ الأصلى للمنتج وما إذا كان مصرياً أو داعماً للاحتلال، كما أن العديد من تجار التجزئة يشكون من عدم قدرتهم بيع المنتجات المقاطعة وحاجتهم إلى فترات طويلة للتخلص منها، هو أمر لم يكن معهوداً من قبل.
المصدر: عربي بوست