"ماس": "إشكالية هوية الاقتصاد الوطني الفلسطيني والتحول الهيكلي المطلوب للتنمية المستدامة
مال وأعمال

"ماس": "إشكالية هوية الاقتصاد الوطني الفلسطيني والتحول الهيكلي المطلوب للتنمية المستدامة

صدى نيوز - أصدر معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني ماس ورقة بحثية جديدة أعدها مدير عام المعهد رجا الخالدي بعنوان "إشكالية هوية الاقتصاد الوطني الفلسطيني والتحول الهيكلي المطلوب للتنمية المستدامة". يستخلص البحث بأن هناك حقيقة أساسية يجب الإقرار بها وهي أن "إعادة النظر في الاستراتيجية الاقتصادية والاجتماعية لفلسطين ومفهوم الدولة الفلسطينية في ظل الاحتلال، يجب أن تنتج نموذج اقتصادي-اجتماعي مناسب للقرن الـ 21 وعالم عربي متحول ومشهد دولي متوتر". يستند مثل هذا النموذج الى توجهين أساسيين، الأول، ما يمكن عمله في إطار ترتيب البيت الاقتصادي الفلسطيني الداخلي من خلال تبني نهج إداري لا مركزي وحوكمة اقتصادية سليمة تختلف تماما عن السابق، وبخاصة في مجال السياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية. أما المسار الثاني يكمن في الاستراتيجية الاقتصادية التي تخدم العلاقات الاقتصادية الخارجية من خلال تبني علاقات اقتصادية جديدة تراعي المصالح الوطنية (بأوسع تعريف للوطن). 

يغطي البحث عدد من الإشكاليات حول هوية الاقتصاد الوطني بعد 35 سنة على إعلان استقلال دولة فلسطين، التي لا بد من معالجتها وحسم الجدل بخصوصها، وهي: الإطار الناظم للاقتصاد الوطني الفلسطيني– من الحكم الذاتي إلى السيادة؛ الاقتصاد دون الوطني؛ العلاقة الاقتصادية مع دولة الاحتلال؛ الاقتصاد الحر، القطاع الخاص ودور الدولة؛ حوكمة التنمية الاقتصادية الفلسطينية بين المواطن والدولة وبين المركزي والمحلي؛ بنية الاقتصاد الوطني الجديد والسياسات اللازمة للتحول الهيكلي التنموي؛ نحو مفهوم للأمن القومي الاقتصادي؛ وختاماً أي اقتصاد فلسطيني لأي شعب فلسطيني؟، بالإضافة إلى استراتيجيات متوسطة المدى كفيلة بتعزيز الأمن القومي الاقتصادي. 

وعود الأمس، حقائق اليوم، والمستقبل الاقتصادي الاجتماعي لشعب فلسطين

يؤكد الخالدي أن الهدف من هذا البحث لم يكن لطرح الأجوبة والحلول الأمثل، بقدر ما سعت لطرح الأسئلة الصعبة التي بقيت عالقة في الحوار الاقتصادي، بينما التاريخ يسير إلى الأمام، يؤسس لحقائق اقتصادية واجتماعية وسياسية يبدو أنه لا رجعة عنها. وهي الإشكاليات المتداخلة ببعضها والمؤثرات التي حالت دون التنمية ودون اقتصاد وطني ودون الحوكمة المثالية، التي حملتها "وعود عاصفة" الثورة الفلسطينية منذ نصف قرن، على الانتقال غير المحقق منها للدولة خلال السنوات الثلاثين الأخيرة. "في اعتقادنا، فإن تجنب حسمها، أو التعامل مع الأمور الفلسطينية الاقتصادية على أساس "الأعمال كالمعتاد" في سياق التمسك بالوضع الراهن بصفته أفضل الخيارات السيئة، إنما ينذر بالقضاء أخيرا على أي اقتصاد فلسطيني متكامل، وطني أو دون وطني، ويضع مصير الشعب الاقتصادي والاجتماعي تحت رحمة أسواق غير منظمة، بل مظلمة، ومصالح استعمارية علنية وخفية، ومصلحة الأرباح قبل المجتمع. هذا ليس ما وعدنا به، ولا ما عملنا لأجله".

يشير الخالدي بأنه في الوقت الحالي، تحتاج السياسة الاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية لاستهداف "السيادة"، لكي تتمكن بالكامل من الصمود في وجه الأزمة والخروج منها من خلال تثبيت مكانتها المشروعة بين دول العالم. عندما تستطيع دولة فلسطين أن تعمل بشكل مترابط على أنها جملة واحدة من النظم والمؤسسات القائمة حالياً – المدنية والحكومية، والمؤسسات الناظمة والسوقية، والقانونية وغير النظامية، والديمقراطية والتعددية، والاجتماعية والاقتصادية، والأسرية والشركات، والريفية والحضرية، والإقليمية والمحلية – عندها يصبح واقع الدولة وحتميتها هدفا أقرب. 

عليه، يعتقد الخالدي أنه يجب أن تركز حوكمة التنمية في إطار الاستراتيجية الاقتصادية الجديدة، قبل كل شيء، على تعبئة الموارد البشرية وتنظيمها وتأطيرها، وتعزيز التضامن والتنسيق الاجتماعي. بهذه الطريقة، لا تحتاج الحلول إلى أن تكون معتمدة على توافر الموارد المالية بقدر ما تتطلب الاعتماد على "الآخر" بدلاً من استبعاده، والاستفادة من أية ميزات يمكن تحقيقها من خلال العلاقات الاقتصادية الخارجية، حتى لو كانت مع دولة المحتل، إذ يمكن الاستفادة من علاقات التقارب بما يخدم المصالح الفلسطينية ويعزز الانفكاك، والاهتمام بأكثر الناس تهميشاً وفقراً، والتشاور والتخطيط لتوجيه الفعل، بدلاً من رد الفعل.

تؤكد الورقة على أنه لا يمكن الاستمرار في التمعن بسوء الحال السابق بسبب السياسات الإسرائيلية المعطلة والمقيدة للتنمية، والتمعن في رصد الأرقام والمؤشرات التي تعبر عن ذلك، والانتظار حتى زوال الاحتلال لتغيير الوضع القائم. فلا بد من إعادة التفكير باقتصاد جديد، وعلاقات مختلفة عن السابق، لتحديد ماهية الاقتصاد الوطني الفلسطيني في القرن الـ21 الذي يستحقه الشعب الفلسطيني، حتى وإن كان أجيال القرن الـ 20 (الرعيل الأول) قد لا يشهدوه في حياتهم.