بيانات الوظائف الضعيفة تعصف بمؤشرات الأسهم الأميركية
مال وأعمال

بيانات الوظائف الضعيفة تعصف بمؤشرات الأسهم الأميركية

اقتصاد صدى - اشتدت عمليات البيع على الأسهم الأميركية وتراجعت عائدات السندات بعدما أثار تقرير الوظائف الضعيف المخاوف من أن قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي بإبقاء أسعار الفائدة عند أعلى مستوياتها منذ عقدين يهدد بحدوث تباطؤ اقتصادي أعمق.

أدت هذه المخاوف إلى تعكير صفو التداولات في جميع أنحاء العالم، لتحدث زيادة هائلة في التقلبات بينما عززت عمليات هروب المستثمرين بعيداً عن القطاعات الأكثر خطورة في السوق. تكبد مؤشر "إس آند بي 500" (S&P 500) أكبر انخفاض له على مدار يومين منذ مارس 2023.  أدى انخفاض أسعار أسهم شركات التكنولوجيا الرئيسية إلى هبوط مؤشر "ناسداك 100" بنسبة 10% من ذروته، وهو ما يتوافق مع تعريف "التصحيح". امتد الارتفاع في سندات الخزانة لليوم السابع على التوالي، حيث توقع المتداولون أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار نقطة مئوية كاملة في 2024.

تراجع مؤشرات الأسهم يأتي في أعقاب تقدم حاد مدفوع جزئياً بالرهانات على "هبوط اقتصادي سلس" من شأنه أن يستمر في دفع الشركات الأميركية. وفي حين تمكن الاحتياطي الفيدرالي من خفض التضخم بنجاح، فإن أحدث أرقام الوظائف قد تعطي المسؤولين بعض الأسباب للاعتقاد بأن سياساتهم النقدية تعمل على تهدئة سوق العمل أكثر مما ينبغي.

الضغوط تتصاعد على الاحتياطي الفيدرالي

قال جون لينش من شركة "كوميركا ويلث مانجمنت" (Comerica Wealth Management): "الأنباء السيئة لم تعد أخباراً جيدة للأسهم"، و"بالطبع، نحن في فترة ضعف موسمي، لكن المعنويات هشة بالنظر إلى التطورات الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية. سوف تتصاعد الضغوط على الاحتياطي الفيدرالي".

تتوقع الآن بنوك وول ستريت العملاقة، مثل "سيتي غروب" و"جيه بي مورغان"، اتخاذ الاحتياطي الفيدرالي إجراءات أكثر صرامة. وفي حديثه على تلفزيون بلومبرغ، قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، أوستان غولسبي، إن المسؤولين عن السياسة النقدية لن يبالغوا في رد فعلهم تجاه إصدار واحد من البيانات، مردداً تعليقات جيروم باول يوم الأربعاء.

أمّا سكوت رين من معهد "ويلز فارغو إنفستمنت"، فيرى أن الأسواق حولت انتباهها من "متى وإلى أي مدى سيخفض الاحتياطي الفيدرالي (الفائدة)" إلى عقلية "يبدو أن النمو يتراجع وأن الاحتياطي الفيدرالي يتخلف عن منحنى العوائد".

وقال رين: "بعد الارتفاع الكبير للأسهم، يسحب المستثمرون السيولة من السوق، ويتجهون لجني الأرباح"، و"نتوقع أن تستمر التقلبات على المدى القريب".

تراجع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 1.8%، وهبط مؤشر "ناسداك 100" بنسبة 2.4%، انخفض مؤشر "راسل 2000" بنسبة 3.5%. ارتفع "مؤشر الخوف" في وول ستريت -"VIX"- نحو أعلى مستوياته منذ مارس 2023. تراجع سعر سهم "إنتل" بنسبة 26% بسبب توقعات النمو القاتمة. تراجع سعر سهم "أمازون" بحوالي 9% بسبب انخفاض الأرباح عن المتوقع. وهبطت عائدات سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بمقدار 18 نقطة أساس إلى 3.8%. وتراجعت قيمة الدولار 0.7%.

خفض الفائدة في سبتمبر

قالت سيما شاه من "برنسيبال أسيت مانجمنت" (Principal Asset Management): "يا عزيزي، هل ارتكب بنك الاحتياطي الفيدرالي خطأً بالسياسة النقدية؟ إن تباطؤ سوق العمل يتجسد الآن بمزيد من الوضوح. وأصبح خفض أسعار الفائدة في شهر سبتمبر أمراً في متناول اليد، ويأمل الاحتياطي الفيدرالي ألا يكون بطيئاً جداً في التصرف مرة أخرى".

ارتفعت كشوف الأجور غير الزراعية بمقدار 114 ألفاً –وهي واحدة من أضعف البيانات منذ الوباء – وتم تعديل نمو الوظائف بالخفض في الشهرين السابقين. ارتفع معدل البطالة بشكل غير متوقع للشهر الرابع إلى 4.3%، مما أدى إلى ظهور مؤشر ركود يتم مراقبته عن كثب.

قال جورج ماتيو من "كي ويلث" (Key Wealth): "يمثل هذا (خوفاً رسمياً على النمو) وهو أمر يتعين على  الاحتياطي الفيدرالي أن ينتبه إليه عن كثب. ولكي نكون صادقين، فإن الاقتصاد لا يزال ينمو ولا تزال الوظائف تُضاف، لذا فإن الدعوات بأن الركود قادم هي مبالغة في رأينا. ولكن البيئة الاقتصادية تتغير بسرعة، وينبغي لبنك الاحتياطي الفيدرالي أن ينتبه إلى المخاطر السلبية".

إلى أي مدى يجب أن يقلق المستثمرون بشأن التباطؤ؟

قال رايان ديتريك من "كارسون غروب": "السؤال المهم الآن هو هل ننزلق مباشرة إلى الركود؟ أم أن الاقتصاد ببساطة وصل إلى نقطة صعبة؟ نحن نرجح أننا سنظل نتجنب الركود- لكن المخاطر آخذة في الارتفاع".

كريشنا جوها من "إيفركور" لا يعتقد أن الأدلة بشكل عام تشير إلى أن سوق العمل آخذة في التصدع،  لكن من الواضح أنها تتراجع وقد تضعف أكثر، لذلك هناك سبب وجيه لبنك الاحتياطي الفيدرالي للمضي قدماً في خفض الفائدة.

نظرية الهبوط السلس

ترى لارا كاسلتون من شركة "جانوس هندرسون إنفستورز" (Janus Henderson Investors)، أن "نظرية الهبوط السلس" تتحول الآن إلى "مخاوف بشأن الهبوط الصعب". وبينما تتزايد المخاوف من حدوث خطأ بالسياسة النقدية، فإنها تعتقد أن خطأ سلبياً واحداً لا ينبغي أن يؤدي إلى رد فعل مبالغ فيه بالنظر إلى نقاط البيانات الأخرى التي لا تزال تظهر مرونة اقتصادية.

وقالت: "يجب أن يُنظر إلى عمليات بيع الأسهم على أنها رد فعل طبيعي، خاصة بالنظر إلى التقييمات المرتفعة في العديد من قطاعات السوق. إنه تذكير جيد للمستثمرين للتركيز على أرباح الشركات في المستقبل".

ومع بقاء ثلاثة اجتماعات (للسياسة النقدية) فقط، يُظهر تسعير عقود المبادلة توقعاً بأن يجري بنكالاحتياطي الفيدرالي تحركاً كبيراً غير عادي بمقدار نصف نقطة في أحد الاجتماعات، أو التحرك بين اجتماعاته المقررة، مما يشير إلى أن صناع السياسات النقدية سيبدأون في التحرك بسرعة لتعزيز النمو.

ومع ذلك، فإن التحركات الكبيرة (لأسعار الفائدة) لها تأثيرات تشير إلى استجابة طارئة أو جريئة. بالنسبة للعديد من الاقتصاديين الذين يراقبون بنك الاحتياطي الفيدرالي، لم ترتفع بيانات سوق العمل يوم الجمعة إلى مستوى التهديد الوشيك الذي دفع اللجنة إلى اتخاذ خطوات كبيرة (حيال الفائدة) في الماضي.

خفض كبير مرتقب

بالنسبة لكريس لو من "إف إتش إن فاينانشال" (FHN Financial)، فإن السوق "ربما على حق" في الاعتقاد بأن الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يخفض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، لكن علم النفس لا يقل أهمية عن البيانات عند نقاط التحول.

وقال: "من المرجح أن يأخذ المشاركون في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأمر ببطء، ليتم خفض الفائدة بمقدار ربع نقطة في البداية، إذا لم يكن هناك سبب آخر سوى إظهار الهدوء والسيطرة".

من جهته، قال تشارلي ريبلي من شركة "أليانز إنفستمنت مانجمنت" (Allianz Investment Management): "من وجهة نظر الاحتياطي الفيدرالي، فإن هذا لا يترجم إلى اتخاذ قرارات سياسة نقدية متسرعة، ولكن من المفترض أن يساعدهم على النظر على أرض الواقع عند تقييم قرارات السياسة النقدية في الاجتماع المقبل".

من المرجح أن تنخفض الأسهم عندما يخفض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة لأول مرة لأن التحول سيأتي في وقت تشير البيانات إلى هبوط حاد -وليس سلساً- للاقتصاد الأميركي، وفق مايكل هارتنت من "بنك أوف أميركا".

ومنذ بدء الاحتياطي الفيدرالي في تيسير السياسة النقدية منذ 1970، أثبتت عمليات الخفض استجابة للانكماش أنها سلبية على الأسهم وإيجابية بالنسبة للسندات، كما كتب الخبير الاستراتيجي في "بنك أوف أميركا" في مذكرة، مستشهداً بسبعة أمثلة أظهرت هذا النمط. وقال هارتنت: "أحد الاختلافات المهمة للغاية في 2024 هو الدرجة القصوى التي تسبق فيها الأصول الخطرة تخفيضات بنك الاحتياطي الفيدرالي".

المصدر: بلومبيرج