مضيق هرمز يدخل الحرب.. فهل يتجاوز النفط الـ100 دولار؟
اقتصاد صدى- يتصاعد الصراع بمنطقة الشرق الأوسط نتيجة لتفاقم التوترات العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران، فإطلاق طهران نحو 200 صاروخ باتجاه الأراضي الإسرائيلية، إلى جانب تهديد تل أبيب برد قاسٍ، ليدفع دول العالم لمتابعة تطورات هذا التصعيد واحتمال تأثيره سلباً على حركة السفن في مضيق هرمز، ليُجمع خبراء الطاقة على أن استخدام إيران المضيق كورقة ضغط من شأنه التأثير على أسواق الطاقة، ليتجاوز سعر برميل النفط حاجز الـ100 دولار.
يقول همايون فلكشاهي، محلل أول لأسواق النفط الخام لدى كبلر، إنه «في حين قد تفكر إيران في استخدام مضيق هرمز كوسيلة ضغط إذا تعرضت منشآتها النفطية للهجوم، فإن فرص حدوث ذلك تظل منخفضة، ومن المرجح أن تؤدي خطوة كهذه إلى إجهاد علاقاتها مع حليفها السياسي الرئيسي وعميل النفط الرئيسي الصين».
وأضاف فلكشاهي، في حالة لجوء إيران إلى إغلاق المضيق، «من المرجح أن ترتفع أسعار النفط، وإن كان من الصعب التنبؤ بالحجم الدقيق للزيادة، كما أنه من المرجح أن تكون الصدمة أكثر أهمية مما رأيناه في بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لكن ليس من المتوقع استمرار الاضطراب طويلاً، ربما بضع ساعات إلى بضعة أيام فقط، وعلى هذا، ليس من المتوقع حدوث أزمة طاقة كاملة».
موقع مضيق هرمز
هو مضيق يربط الخليج العربي بالمحيط الهندي، إذ يبلغ طول المضيق نحو 100 ميل (161 كيلومتراً) وعرضه 21 ميلاً في أضيق نقطة.
ويُعد العمق الضحل للمضيق سبباً لزيادة تعرض السفن للألغام البحرية، كما أن قربه من الساحل الإيراني يمكن أن يعرّض الناقلات للهجمات بالصواريخ أو الاعتراض بواسطة الزوارق والمروحيات الإيرانية.
ويقول محلل أول لأسواق النفط الخام لدى كبلر، إن مضيق هرمز بالغ الأهمية، حيث يمر عبره نحو 36 في المئة من تجارة النفط العالمية المنقولة بحراً يومياً، وهو ما يعادل 15 في المئة من الاستهلاك العالمي اليومي للنفط، «كما أن إيران نفسها تعتمد بشكل كبير على مضيق هرمز في صادراتها، ففي الشهر الماضي بلغ متوسط صادرات إيران 1.9 مليون برميل يومياً، وهو أعلى مستوى تشهده البلاد في ظل العقوبات الأميركية الحالية، مع توجه نحو 97 في المئة من هذه الصادرات إلى الصين، وهذا الاعتماد، إلى جانب التداعيات المحتملة مع الصين، يجعل من غير المرجح أن تتخذ إيران هذه الخطوة ما لم يكن لديها خيار آخر».
ويقول ديفيد جوربناز، المتخصص في أسواق النفط، ومحلل أسواق النفط في ICI، إذا استخدمت إيران مضيق هرمز كوسيلة ضغط في تصعيد مع إسرائيل، فإن ذلك من شأنه أن يخلف عواقب وخيمة وبعيدة المدى على التجارة العالمية، وأسعار النفط، وسوق الطاقة، «حيث إن أي تعطيل لهذا الطريق الحيوي من شأنه أن يؤدي إلى أزمة اقتصادية وطاقية عالمية خطيرة».
وأضاف جوربناز أنه حال هددت إيران أو قيدت المرور عبر المضيق، فإن ذلك من شأنه أن يخنق إمدادات النفط إلى الاقتصادات الكبرى، خاصة في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، «بالإضافة إلى رفع تكاليف التأمين على السفن التي تعبر المنطقة، ما يزيد من تكلفة نقل النفط والسلع، قد يتأخر المرور البحري أو يتم إعادة توجيهه، ما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف وإطالة أوقات التسليم للطاقة والسلع الأساسية الأخرى».
ويقول المتخصص في أسواق النفط ومحلل أسواق النفط في ICI، إنه من المرجح أن يؤدي أي تعطيل كبير لشحنات النفط عبر المضيق إلى ارتفاع فوري في أسعار النفط، حيث ستتفاعل الأسواق بسرعة مع أي علامات على الإغلاق المحتمل، كما رأينا في التوترات السابقة في المنطقة، قد ترتفع أسعار النفط بشكل حاد، وقد تصل إلى أكثر من 100 دولار للبرميل اعتماداً على مدى ومدة التعطيل.
أسعار النفط
تراجعت أسعار النفط قليلاً في التعاملات المبكرة اليوم الثلاثاء، مع قيام المتعاملين بجني الأرباح بعد بلوغ الأسعار أعلى مستوياتها في أكثر من شهر أمس الاثنين، وسط مخاوف من أن الشرق الأوسط ربما يكون على شفا حرب شاملة.
وهبطت العقود الآجلة لخام برنت 23 سنتاً أو 0.3 بالمئة إلى 80.70 دولار للبرميل، وهبطت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 20 سنتاً أو 0.3 بالمئة إلى 76.94 دولار للبرميل.
وارتفعت العقود الآجلة للنفط الخام بأكثر من ثلاثة بالمئة أمس الاثنين، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ أواخر أغسطس آب، ما عزز مسيرة الصعود الأسبوع الماضي التي شهدت ارتفاع العقود بأكثر من ثمانية بالمئة في أكبر مكاسب أسبوعية في أكثر من عام.
وبدأت الأسعار في الصعود بعد أن شنت إيران هجوماً صاروخياً على إسرائيل في الأول من أكتوبر تشرين الأول، وتوعدت إسرائيل بالرد وقالت إنها تدرس خياراتها وتعتبر المنشآت النفطية الإيرانية هدفاً محتملاً.
وحسب جوربناز، فإن عدم اليقين المحيط بحالة المضيق من شأنه أن يخلق تقلبات شديدة في أسواق النفط، ما يؤثر ليس فقط على النفط الخام ولكن أيضاً على المنتجات ذات الصلة مثل البنزين والديزل ووقود الطائرات، «كما أنه من المرجح أن يؤدي إغلاق المضيق أو تقييده لفترة طويلة إلى نقص في الطاقة، خاصة بالنسبة للدول التي تعتمد بشكل كبير على النفط في الشرق الأوسط، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند وأجزاء من أوروبا، وقد يؤدي هذا إلى أزمة طاقة أوسع نطاقاً مع تعطل سلاسل التوريد».
ويقول جورج ليون، النائب الأول للرئيس في فريق أسواق النفط بشركة «ريستاد إنيرجي» الاستشارية للطاقة، إن مضيق هرمز يعبر من خلاله نحو 15 مليون برميل يومياً من النفط، «إغلاقه من شأنه أن يرفع أسعار النفط إلى ما يقرب من 150 دولاراً للبرميل».
وأضاف ليون أنه من المتوقع أن يؤدي إغلاق مضيق هرمز إلى تصعيد كبير للصراع، وسوف يُنظَر إليه باعتباره هجوماً مباشراً على دول مجلس التعاون الخليجي، «فمثل هذه الصدمة للتجارة وأسعار النفط من شأنها أن تشعل التضخم مرة أخرى، ما يدفع البنوك المركزية إلى إبطاء أو حتى عكس الانخفاضات في أسعار الفائدة».
هل ستتضرر إيران من إغلاق المضيق؟
ويقول جوربناز إنه في حين قد تستغل إيران مضيق هرمز للضغط على خصومها، «فإنها تخاطر أيضاً بإلحاق الضرر باقتصادها، إذ تعتمد على المضيق لتصدير نفطها والحفاظ على استقرارها الاقتصادي، ومن شأن إغلاقه أو تقييده أن يؤثر على عائداتها النفطية بشكل كبير، وقد تواجه أيضاً ردود فعل دولية عنيفة أو عقوبات أو انتقاماً عسكرياً من البلدان المتضررة».
ويضيف أن إيران «قد تكتسب نفوذاً جيوسياسياً كبيراً من خلال تهديد استقرار إمدادات النفط العالمية، ما قد يجبر القوى العالمية الكبرى على الانخراط دبلوماسياً أو النظر في التنازلات لتجنب الاضطراب المطو، في حين أن الاستخدام المطول للمضيق كورقة ضغط قد يأتي بنتائج عكسية على إيران، وقد يؤدي ذلك إلى جهود من جانب القوى العالمية لإيجاد طرق بديلة أو مصادر للطاقة، ما يقلل من النفوذ الاستراتيجي لإيران بمرور الوقت، بالإضافة إلى ذلك، قد يزيد من عزلة إيران اقتصادياً وسياسياً، في حين يعزز التحالفات بين دول الخليج والدول الغربية».
بينما يرى الباحث في الجغرافيا السياسية للطاقة فرانسيسكو ساسي، أنه من الصعب أن تستخدم إيران مضيق هرمز بشكل مباشر كإجراء تصعيدي للضغط على الأسواق، «ستكون إيران أول من يعاني من عواقب التوقف الكامل لتدفقات التجارة، وهو ما من شأنه أن يؤدي حتماً إلى ارتفاع أسعار النفط في جميع أنحاء العالم نظراً لأهمية تدفقات النفط الصادرة من مضيق هرمز».
وأضاف ساسي «من المرجح أن يكون الضغط هناك تدريجياً ويتضمن أيضاً تصعيداً لفظياً يهدد الوضع الراهن، حيث يتعين على إيران أن توازن بعناية بين التهديدات ضد إسرائيل، والدبلوماسية النفطية مع دول الخليج، التي طلبت ضمانات من طهران بعدم تعطيل تجارة الطاقة».