سوريا.. وعود الحكومة المؤقتة المعيشية بعهدة "الانتقالية"

صدى نيوز - مع بداية شهر مارس، الذي تزامن مع بدء شهر رمضان الكريم، تتجه أنظار السوريين نحو تشكيل حكومة جديدة، تخلف الحكومة المؤقتة التي أدارت البلاد بعد انهيار نظام آل الأسد، وسط تطلعاتٍ لأن تتمكن الحكومة الانتقالية من تنفيذ حزمة الوعود التي قطعتها سابقتها، ولم يسعفها الوقت لتحقيقها، لاسيما ما يتعلق منها بتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين.

أين زيادة الأجور؟

بدأت هذه الوعود في يناير، عبر الإعلان عن زيادة أجور القطاع العام أربع مرات. لم تحدد الحكومة بشكل واضح كيفية هذه الزيادة، التي ستتطلب تمويلاً بنحو 127 مليون دولار شهرياً، وفق تصريحات سابقة لوزير المالية محمد أبازيد. 

ورغم مرور أكثر من شهر على هذا القرار، إلاّ أن الزيادة لم تقر بعد، ومن غير المتوقع إقرارها خلال الشهر الجاري، ليس فقط بسبب نقص السيولة، وإنما أيضاً بسبب انتظار عملية إحصاء الموظفين. بل إن هناك تأخيراً في موعد صرف الرواتب. قد يصل في بعض الأحيان إلى منتصف الشهر .

كانت السلطة الجديدة في سوريا أشارت إلى أنها أطلقت حملة لحصر الموظفين في القطاع العام، بعدما وجدت أن عدد الموظفين الواردة أسماؤهم في كشوفات الرواتب بلغ نحو 1.25 مليون شخص، في حين "أظهر التدقيق وجود نحو 700 ألف موظف حقيقي أكثرهم غير فعالين بشكل كامل، قيمة راتب الغالبية منهم لا تتعدى 25 دولاراً شهرياً"، وفقاً لما أوضحه في وقت سابق شخص مطلع بوزارة المالية لـ"الشرق".

حتى الساعة، لم تعلن السلطات السورية عن اكتمال هذه العملية بشكل رسمي، وهو ما قد يكون سبباً في تأخر تنفيذ هذه الزيادة. 

المعيشة تحسنت لكنها لا تزال صعبة

حتى مع هذه الزيادة المنتظرة، فإن الرواتب الحكومية لن تكفي لسد احتياجات أي أسرة. حيث يتراوح متوسط أجور العاملين لدى الدولة بين 350 ألفاً و700 ألف ليرة سورية (26 و52 دولاراً وفق سعر الصرف الرسمي).

تشير ناهد عمر، وهي موظفة في إحدى الدوائر الحكومية، إلى أن سعر 10 أرغفة من الخبز يصل في سوريا اليوم إلى 4 آلاف ليرة، في حين أن الكيلوغرام من لحم العجل يصل إلى 100 ألف ليرة. أما الكيلوغرام من الدجاج فيصل إلى 38 ألف ليرة، ويتراوح سعر كيلوغرام الأرز بين 10 آلاف و20 ألف ليرة، حسب نوعه. 

هذا يعني أن الحد الأقصى للراتب الحكومي يمكن أن يشتري 1.75 كيلوغرام من اللحم أسبوعياً، من دون إمكانية للإنفاق على أي أمر آخر. 

أما محمد عبد القادر، وهو تاجر في دمشق، فيستذكر المثل الشامي القائل: "الجمل بقرش وما معنا قرش" للدلالة على الوضع المعيشي في سوريا خلال هذه الفترة. منوّهاً بأن غالبية المنتجات أصبحت متوفرة في السوق السورية، لكن أسعارها تفوق القدرة الشرائية لمعظم الواطنين، لاسيما بعد تسريح العديد من الموظفين في الحكومة وإغلاق شركات خاصة وهروب أصحابها بسبب ارتباطهم بالنظام السابق.

تواصلت "الشرق" مع مسؤولين في رئاسة الحكومة ووزارة المالية السورية للتعليق بشأن الوعود المعيشية والتأخر في تنفيذها، لكنها لم تحصل على رد.

توحيد سعر صرف الليرة

شهدت الليرة السورية تحسناً ملحوظاً منذ سقوط نظام الأسد. وفي حين ثبّت مصرف سورية المركزي سعر الصرف، شهدت السوق الموازية تقلبات عدة خلال الفترة الماضية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع وتفاقم التضخم.

وكانت الحكومة الانتقالية وعدت بتوحيد سعر الصرف في أقرب وقت، إلا أن هذا التعهد يواجه تحديات بسبب غياب احتياطيات النقد الأجنبي الكافية لدى البنك المركزي للتدخل في السوق.

في الشهر الأخير من حكم النظام السابق، بلغ سعر صرف الدولار نحو 14650 ليرة سورية. ورغم التحسن الحالي إلى حدود 13 لف ليرة، فإنه لا يزال بعيداً عن مستوياته ما قبل الحرب، حين كان الدولار يعادل حوالي 50 ليرة.

ويعتبر الخبير الاقتصادي مازن إرشيد أن الاقتصاد السوري يواجه تحديات بسبب التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة؛ "ما يعكس الصعوبات التي تواجهها الحكومة في السيطرة على الأسواق وضبط التضخم". مضيفاً في تصريح لـ"الشرق" أن ذلك يتزامن مع "اقتصاد يعاني من نقص حاد في الموارد، ودمار ضخم في البنية التحتية".

معضلة تأمين الكهرباء

يمثل تأمين الكهرباء أحد أصعب التحديات التي تواجه الحكومة، إذ يوضح عبد القادر أن ساعات التقنين وصلت إلى 21 ساعة يومياً في بعض المناطق، ما زاد من معاناة المواطنين، خاصةً خلال موجة الصقيع الأخيرة.

بينما نوّه بأن التيار الكهربائي بدأ بالتحسن التدريجي الأسبوع الماضي، لتصل ساعات التغذية في العاصمة دمشق وريفها إلى نحو 6 سلعلت يومياً. 

قد يكون تحسن التغذية ناجماً عن إعلان سوريا، الأسبوع الماضي، بدء الإنتاج من بئر "تيأس 5" للغاز في ريف حمص، بطاقة تبلغ 130 ألف متر مكعب يومياً. تم ربط إنتاج البئر الجديد بالشبكة الغازية، بهدف "دعم محطات توليد الطاقة الكهربائية"، وفق وكالة الأنباء السورية.

تعاني سوريا من عجز بالكهرباء يصل إلى 80% من احتياجاتها الفعلية، نتيجة الأضرار الجسيمة التي لحقت بمحطات التوليد، ما أدى إلى خروج بعضها عن الخدمة، فضلاً عن شبه توقف إنتاج النفط والغاز اللازمين للتشغيل.

وزير الكهرباء السوري عمر شقروق أوضح في تصريحات لـ"سانا" أن "جزءاً كبيراً من محطات التوليد البالغ عددها 12 محطة تعرض لأضرار جسيمة أخرجت بعضها من الخدمة، كما أن القدرة الإنتاجية للمحطات المتبقية تصل إلى 4000 ميغاواط في حال توفر الوقود، بينما الاستطاعة المولّدة حالياً لا تتجاوز 1300 ميغاواط، في حين أن حاجة البلاد تقدر بنحو 6500 ميغاواط". 

تطورات إيجابية في ملف الطاقة

من المحتمل أن تتحسن التغذية الكهربائية، خاصة مع التطورات الإيجابية التي يشهدها قطاع الطاقة في سوريا.

قبل أيام، استأنفت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) توريد النفط إلى الحكومة السورية. تسيطر "قسد" على مناطق كبيرة في شرق وشمال شرق البلاد حيث يتواجد معظم الاحتياطي النفطي.

إضافة إلى ذلك، علق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية بعض العقوبات بهدف السماح للمساعدات بالتدفق إلى البلاد. 

وتختلف إعفاءات الاتحاد الأوروبي عن تلك الأميركية، إذ تشمل قطاع صناعة الطاقة، بما في ذلك استيراد الخام من سوريا، كما أزال الاتحاد العديد من البنوك من قائمة العقوبات، ورفع جزئياً بعض القيود المفروضة سابقاً على البنك المركزي السوري.

مع ذلك، لا تزال البنية التحتية المتهالكة ونقص التمويل اللازم لإعادة التأهيل يشكلان تحدياً رئيسياً لتحسين الخدمة، وفق مازن إرشيد. لافتاً إلى أن الحكومة بحاجة إلى استثمارات ضخمة لإصلاح شبكات الكهرباء وتأمين مصادر الطاقة، وهو ما يستلزم أموالاً كثيرة، إضافة إلى تخفيف العقوبات لجذب هذه الاستثمارات.

في هذا السياق، تخطط الحكومة لخصخصة الشركات الخاسرة المملوكة للدولة، بما في ذلك تلك العاملة في قطاع الكهرباء، بهدف "جذب الاستثمارات وتحسين الكفاءة التشغيلية".

اقتصاد متهالك

يُعدُّ التدهور المالي للدولة من الأسباب الرئيسية التي حالت دون تنفيذ الحكومة لوعودها المعيشية، بحسب أرشيد. موضحاً أن الحكومة المؤقتة تتبع سياسات "تقشفية"، تشمل تقليص عدد الموظفين، مع "عزمها الاستغناء عن ثلث العاملين في القطاع العام، بهدف خفض النفقات وتحسين الكفاءة".

تأتي هذه الإجراءات وسط اقتصاد يعاني من انهيار حاد، حيث أشارت الأمم المتحدة بتقرير صدر في فبراير إلى أن 3 من كل 4 أشخاص في سوريا يعتمدون على المساعدات الإنسانية، بينما تضاعف معدل الفقر ثلاث مرات ليصل إلى 90% من السكان، في حين ارتفع معدل الفقر المدقع ست مرات ليبلغ 66%.

وتأثر الاقتصاد السوري بشدة جراء الحرب المستمرة منذ عام 2011، حيث قدّر التقرير الأممي إجمالي الخسائر في الناتج المحلي الإجمالي خلال 14 عاماً بنحو 800 مليار دولار.

تحسن في طبيعة الحياة

رغم أن التغييرات على المستوى الحكومي لم تكن واضحة بشكل كبير، إلا أن آثارها باتت ملموسة على المستوى الشعبي.

تقول ناهد عمر إن "شعور الحرية مختلف"، منوّهةً بأن عمليات صرف العملات الأجنبية باتت تتم بسلاسة، بعدما كانت محظورة خلال حكم النظام السابق. كما اختفت الحواجز والإتاوات التي كانت تُفرض على مرور البضائع، ما أدى إلى خفض التكاليف. بينما شهدت الأسواق السورية تدفقاً ملحوظاً للبضائع التركية، ما عزز المنافسة وأسهم في خفض الأسعار.

أما عبد القادر، فاعتبر أن السوريين، رغم التحديات، ينظرون إلى المستقبل "بأمل"، مشيراً إلى أن أخبار رفع العقوبات والاتفاق مع "قسد" تُعدُّ عوامل تدعم التطلعات إلى مستقبل أفضل بشكل "أكثر واقعية".