الاحتياطي الفيدرالي يخشى صدمة أسعار لن تتلاشى من الرسوم
مال وأعمال

الاحتياطي الفيدرالي يخشى صدمة أسعار لن تتلاشى من الرسوم

اقتصاد صدى- يقول اقتصاديون إن ما تتوقعه الشركات والعمال بشأن أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة بعد قضية "رسوم ترامب الجمركية"، يمكن أن يلعب دوراً رئيسياً في تحديد ما سيحدث بالفعل. لهذا السبب، يتابع مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي عن كثب دائماً تقديرات التضخم المستقبلية -وتشير أحدث التقديرات إلى وجود ما يثير القلق. صعد المؤشر القياسي للتوقعات في الأجل الطويل، الذي ارتفع بالفعل إلى أعلى مستوى له في 30 عاماً منذ انتخاب ترامب، بشكل حاد يوم الجمعة بعد الرسوم الجمركية العالمية الشاملة التي فرضها الرئيس.

قد يساعد هذا النوع من التفكير في تحويل صدمة الأسعار غير المتكررة نتيجة حرب ترامب التجارية إلى قوة دفع أكثر استمراراً للتضخم. وتزداد خطورة ذلك، لأنه يظهر في وقت لا تزال فيه الأسر الأميركية تعاني من صعود الأسعار بعد الجائحة، وقد لا تثق بقدرة الاحتياطي الفيدرالي على منع حدوث ارتفاع آخر.

تُقدم تقديرات المستهلكين والشركات للتضخم المستقبلي نظرة على ثقة الجمهور بالبنوك المركزية وقدرتها على ضبط الأسعار. عندما تتآكل هذه الثقة، وخاصة على المدى الطويل، تشير النظرية النقدية إلى أن السياسة تصبح أقل كفاءة. وبشكل ملموس، يجب أن ترتفع أسعار الفائدة أكثر مما ينبغي، حتى تُستعاد الثقة.

فقدان الثقة في الاحتياطي الفيدرالي

الارتفاع الحاد في التوقعات على المدى الطويل من شأنه أن يشير إلى فقدان الثقة في قدرة الاحتياطي الفيدرالي على إعادة التضخم إلى 2%. يقول جيفري فوهرر، المدير السابق للأبحاث في بنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن، والذي يعمل حالياً في مؤسسة بروكينغز: "هذا الأمر يشعرني بالقلق".

بالتأكيد، ليس هذا ما تُشير إليه معظم الاستطلاعات. ولكن حتى دون تآكل الثقة بهذا الحجم، يُمكن أن تُصعّب الحرب التجارية مهمة الاحتياطي الفيدرالي، كما يقول فوهرر. إذا واجه المستهلكون زيادات في الأسعار بسبب الرسوم الجمركية تتجاوز 3% بكثير خلال العام المُقبل، فقد يُقررون أن هذا هو الوضع الطبيعي الجديد، ويضعونه في الاعتبار في حساباتهم اليومية. سيُطالب العمال بأجور أعلى بينما تُعدل الشركات خططها التسعيرية. ويضيف: "عندها سنواجه مُشكلة. ولسنا بحاجة إلى هذا الآن".

بلغت المُؤشرات الرئيسية للتضخم في الولايات المتحدة في مارس حوالي 2.5%، وهي أقل بكثير من ذروتها في عام 2022، ولكنها لا تزال أعلى بكثير من المُستهدف. ويتوقع مُعظم الاقتصاديين ارتفاعاً في الأشهر المُقبلة، حيث تُؤدي الرسوم الجمركية إلى زيادة تكلفة السلع المُستوردة.

يُعبر المستهلكون في أحدث استطلاع أجرته جامعة ميشيغان عن نفس القلق. إذ يتوقعون ارتفاع الأسعار بنسبة 6.7% في العام المقبل، وبمعدل سنوي قدره 4.4% على مدى أفق زمني يتراوح بين 5 و10 سنوات - وهو أعلى مستوى له منذ عقود في كلتا الحالتين. وبينما يشكك بعض الاقتصاديين في منهجية ميشيغان، فقد ارتفع مؤشر مجلس المؤتمرات للعام المقبل أيضاً منذ ديسمبر.

مع ذلك، ترسم مجموعات بيانات أخرى صورة أقل إثارة للقلق. إذ تحوم مقاييس السوق، مثل نقاط التعادل لخمس وعشر سنوات المستندة إلى سندات الخزانة، حول هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. وقد أظهر أحدث مسح لتوقعات المستهلكين أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك لشهر فبراير، أن تقديرات التضخم لثلاث وخمس سنوات لم تتأثر بتداعيات الحرب التجارية عند حوالي 3%. ومن المقرر صدور مسح مارس يوم الاثنين.

دفع هذا رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إلى وصف نتائج ميشيغان بأنها "استثنائية". مع ذلك، يراقب باول ورفاقه توقعات التضخم عن كثب، في محاولتهم لرسم مسار للخروج من الحرب التجارية.

قالت سوزان كولينز، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن، لموقع "ياهو فاينانس" يوم الجمعة: "إن إحدى أهم مقومات الاحتياطي الفيدرالي هي مصداقيته، ويتجلى ذلك في استقرار توقعات التضخم على المدى الطويل". وأضافت أن تأثير الرسوم الجمركية سيكون على الأرجح "أوسع نطاقاً مما يعتقده الكثيرون".

وكان مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي قد عدّلوا بالفعل تقديرات النمو بالخفض، ورفعوا توقعاتهم التضخم، قبل إعلانات ترمب عن الرسوم الجمركية هذا الشهر. ومنذ ذلك الحين، حذّر عدد منهم من أن أسعار المستهلكين قد ترتفع بنحو 4% هذا العام. وقد أعطى هذا صانعي السياسات أسباباً للامتناع عن خفض أسعار الفائدة -حتى مع تزايد المخاوف من تباطؤ النمو- والإبقاء على تكاليف الاقتراض ثابتة بدلاً من ذلك.

المستهلكون الأميركيون لم يتعافوا

حتى السنوات القليلة الماضية، كان التضخم في الولايات المتحدة مستقراً لفترة طويلة بما يكفي -منذ أوائل التسعينيات تحديداً- لإبقاء التوقعات المستقبلية تحت السيطرة. لكن صدمة الأسعار التي أعقبت الجائحة والحرب في أوكرانيا غيرت الصورة. فقد حولت التضخم إلى خبر يحتل الصفحات الرئيسية، وهذا ينعكس على المؤشرات المستقبلية. 

يرى جوزيف بروسويلاس، كبير الاقتصاديين في شركة "آر إس إم يو إس" (RSM US LLP)، أن المستهلكين الأميركيين "لم يتعافوا تماماً بعد". وقال "إنهم يشاركون في استطلاعات التضخم "بطريقة تعكس عقليتهم الحالية -وهي أنهم ما زالوا يعانون بشدة". 

بالطبع، لا توجد صلة تلقائية بين ارتفاع الأسعار المتوقع والفعلي. وينطبق هذا بشكل خاص على الولايات المتحدة، حيث يُعدّ تضمين التضخم تلقائياً في عقود العمل أو الإيجارات أقل شيوعاً مما هو عليه في العديد من البلدان الأخرى. وقد شكك بعض الاقتصاديين فيما إذا كانت توقعات الأسعار تحتوي بالفعل على معلومات مفيدة.

ومع ذلك، يُجمع الكل على أنها تحتوي بالفعل على معلومات مفيدة -وهذا يستند إلى أبحاث تمتد عبر التاريخ وحول العالم.

درس مايكل ويبر، الأستاذ بجامعة شيكاغو، تداعيات التضخم المفرط في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى. ورغم مرور قرن على ذلك، وجد أن سكان المدن التي شهدت معدلات تضخم أعلى آنذاك لا يزالون يميلون إلى رفع توقعاتهم بشأن الأسعار اليوم، وأن ساستهم المحليين أكثر ميلاً للحديث عن ذلك.

الخبرة السابقة 

بالنسبة لمحافظي البنوك المركزية أيضاً، يمكن للخبرة السابقة مع التضخم أن تُشكل نهجهم. في الآونة الأخيرة، كان بعض مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الذين أعربوا علناً عن قلقهم بشأن استطلاعات التوقعات هم من ذوي الخلفية الدولية، أو ذوي الصلات بدول ذات معدلات تضخم مرتفعة في أمريكا اللاتينية. يقول ويبر: "حتى لو كنت محافظاً للبنك المركزي، فإن الوزن الذي تضعه في التضخم يعتمد على نشأتك والمكان الذي أتيت منه".

وفقاً لريكاردو ريس من كلية لندن للاقتصاد، فإن جميع الخبرات المتراكمة من الدول الأكثر اعتياداً على صدمات التضخم تحمل دروساً قيّمة لباول ونظرائه. من بينها: النظر في مجموعة واسعة من التدابير، وإدراك أن التوقعات التي تفوق المستهدف قد تؤدي إلى صدمات دائمة، واتخاذ إجراءات سريعة عند الحاجة.

يقول ريس إن ارتفاع الأسعار خلال الجائحة كان بمثابة تذكير مفيد للبنوك المركزية في العالم المتقدم بأهمية توقعات التضخم كمرآة لمصداقيتها. وأضيف: "إن تجاهلها، والحديث عن أمور عابرة، والتظاهر بأن المشكلة غير موجودة، ليس ما ينبغي فعله".

المصدر: بلومبرغ