ودائع المواطنين في محلات الصرافة.. جريمة استثمار في "السوق السوداء" وقنبلة تُهدد أموالهم!
خاص صدى نيوز- أمل النعيمي: يبدو أن البنوك العاملة في فلسطين ليست وحدها التي يتوجه إليها المواطنون لإيداع أموالهم، فهناك "سوق سوداء" أو "بنوك سُفلية" تتلقى ودائع المواطنين، تقدر قيمة مجموعها بمليارات الدولارات وفق ما كشفته مصادر مطلعة لـ صدى نيوز.
أسئلة كثيرة تُطرح حول هذا الملف: ما الضامن لهذه الأموال؟ ولماذا يلجأ المواطنون لإيداع أموالهم في محلات الصرافة؟ وماذا يفعل الصرافون بهذه الأموال الضخمة؟ وهل ما يحدث يمكن وصفه بـ"سوق سوداء" تنافس البنوك وتهدد أموال المواطنين بمصير مجهول؟
مصدر مطلع أوضح لصدى نيوز أن الدور الرقابي العالي على البنوك هو من يدفع هذه الظاهرة لأن تنتشر أكثر، فعلى المواطن أن يثبت مصدر أمواله ومن أين جاءت، وهذا ما لا يجده لازماً عند إيداع أمواله لدى الصرافين، فعدم الرقابة على الصرافين هي من تدفع بانتشار هذه الظاهرة وتوسعها.
وبيَن المصدر أن فئة من المواطنين الذين يحملون جنسية أمريكية، يتهربون من وضع أموالهم عبر البنوك، لأن من شروط فتح الحساب بالبنك أن تذكر أنك تحمل جنسية أمريكية، وعند الجانب الأمريكي أي شخص يفتح حساباً بالبنك ويودع الأموال يجب أن يدفع ضريبة مقابل ذلك، وهو ما يتهرب منه بعض حاملي الجنسية الأمريكية، عدا عن أن كثيراً من التجار الذين يستوردون من الخارج لا يدفعون كامل المبلغ عبر البنوك تهرباً من الجمارك، فجزء من المبلغ يُدفع عبر البنك والآخر عبر الصرافين!
سلطة النقد: جريمة يحاسب عليها القانون
نائب محافظ سلطة النقد الفلسطينية، محمد مناصرة، أكد لوكالة صدى نيوز أن "القانون يحظر على الصرافين قبول الودائع، وبالتالي لا يجوز للصرافين والجمهور التعامل فيما بينهم في حفظ الأموال وقبول الودائع، حيث أن قبول الودائع عمل مصرفي يتطلب فتح الحسابات ومسك الدفاتر وتوفر الأنظمة المحوسبة المناسبة ووجود رقابة ثنائية على العمليات والكثير الكثير من الإجراءات التي تضمن حقوق الأطراف، خاصة المودعين".
وأضاف: "بموجب القانون، فإن قيام بعض الصرافين باستلام الودائع من الجمهور يعتبر جريمة يحاسب عليها القانون، وبالتالي لا يوجد متطلبات إفصاح محددة يطلب من الصراف الالتزام بها في هذا المجال".
وأوضح مناصرة لصدى نيوز أن سلطة النقد تتولى بموجب القرار رقم (41) لسنة 2016 تنظيم أعمال الصرافة، والذي يشير إلى الأعمال المسموحة والأعمال المحظور على الصرافين ممارستها، ومن ضمن الأعمال المحظور على الصرافين مزاولتها قبول الودائع والأمانات ومنح التسهيلات بمختلف أنواعها، وبالتالي لا يجوز للصرافين قبول الودائع باي شكل من الاشكال.
وأكد أنه في حال تبين لسلطة النقد قيام صراف بمزاولة أي عمل محظور بما في ذلك قبول الودائع يتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقه وفقاً للقانون، إذ تتولى دائرة الرقابة على الصرافين التفتيش الدوري على الصرافين للتأكد من التزامهم بممارسة الأعمال المسموحة وفق القانون والتعليمات وعدم ممارسة أي من الأعمال المحظورة كقبول الودائع والأمانات بمختلف أنواعها.
وأضاف مناصرة: "تؤكد سلطة النقد أن الأموال التي يقوم البعض بإيداعها لدى الصرافين غير آمنة ولا يمكن ضمانها كما هو الحال في البنوك، حيث تتولى المؤسسة الفلسطينية لضمان الودائع ضمان الودائع في المصارف وحماية حقوق المتعاملين بما يمكنهم من الاطمئنان لودائعهم ومدخراتهم".
وتابع: "تتولى سلطة النقد باستمرار تحذير جمهور المواطنين من مخاطر إيداع أموالهم لدى الصرافين، وتشير إلى أن الايداعات النقدية أو التسهيلات هي أعمال مسموح ممارستها فقط من قبل البنوك".
وعما إذا كانت قضية إيداع المواطنين لأموالهم في محلات الصرافة قد تؤدي إلى احتكار العملة في وقت ما كما جرى في لبنان مثلا والتحكم بأسعار الصرف، قال مناصرة: " بخصوص التحكم بسعر الصرف، فإن سعر الصرف بالمجمل تحكمه التغيرات الدولية في أسواق الصرف العالمية، ويستجيب السوق لهذه التغيرات والتقلبات بصورة كفؤة، مع الحفاظ على هامش قليل لأغراض الربحية والتحوط".
ومن الجدير ذكره أن رقابة سلطة النقد تشمل حق حصول العميل على وصل معاملة صرف العملة من قبل مكاتب الصرافة وضمان عدم المراباة من قبل بعض الصرافين.
حواري: ليست محلات صرافة بل "مكاتب ربا"
صاحب شركة الحواري للصرافة الحاج طايل حواري، علق في حديث خاص مع وكالة صدى نيوز على قضية إيداع الأموال في محلات الصرافة، بقوله: "إن المبدأ مرفوض عند الصرافين الملتزمين بالقوانين والمعطيات التي تفرضها سلطة النقد، بأنه لا يوجد أمانات ولا تسهيلات، ولا ودائع ولا إقراض لدى شركات الصرافة المحترمة والملتزمة بالقوانين الفلسطينية".
وأضاف: "هذا الأمر ممنوع ومن المحرمات لأنه أولا يجلب الربا، فإما سيودع الشخص بفوائد أو سيستقرض بفوائد وهذا يهلك الصراف، فالصراف ليس مطلوب منه أن يؤدي عمل البنك بهذا المجال، أن يعطي فوائد ويأخذ فوائد، لأن سوقنا مغلق وصغير ولا يستهلك أموالا وملايين كبيرة حتى تضع عند الصراف".
وقال: "يُفضل أن لا يتعاطى الصرافين مع المواطنين بهذا المجال، أما إذا كان هناك شواذ فهؤلاء لا يعدّوا صرافين بل مكاتب ربا، هم بنظرنا ليسوا صرافين ولا يعترف بهم كصرافين، حتى إذا حصلوا على رخصة صرافة، لا يمارسون هذا بمكاتبهم بل بأماكن اخرى بعيدة عن شركات الصرافة".
وعن حل هذه المشكلة، قال حواري: "مسؤولية سلطة النقد أن تتابع هذا الموضوع، والأمن الاقتصادي بكل أجهزته، والداوئر الأمنية كذلك، أن يعملوا مجتعمين على الحد من انتشار هذا الأمر لأنه يرهق السوق والصراف والمواطن، ويؤدي لمشاكل اجتماعية واقتصادية وأخلاقية".
إدريس: المشكلة في "السرية المصرفية"
رئيس غرفة تجارة الخليل، عبده إدريس، عقب على ذات القضية بقوله: "هذا الموضوع خطير ومهم، فلماذا يتجه بعض الناس لمحلات الصرافة بدلاً من البنوك؟ أعتقد أنه أمر سببه السرية المصرفية، فالمطلوب هو الحفاظ على السرية المصرفية، حتى يتم الحفاظ على الشمول المالي وأن تبقى الناس تتعامل مع البنوك، فإيداع أموال المواطنين في محلات الصرافة ممنوع قانونياً.
وأضاف في حديث خاص مع صدى نيوز: "هذا الأمر يتعارض مع موضوع الشمول المالي، سياسات البلد النقدية والاقتصادية التي تنبى عليها، يصبح لا يوجد معلومة على الشاشة عند الدولة، لتعرف كيف ترسم سياساتها المالية".
وتابع: "نحن على تواصل مع وزارة المالية وجهات الاختصاص بخصوص مسألة السرية المصرفية، لأن هناك مشكلة في هذا الخصوص، وما نبحث عنه اليوم هو أن يكون هناك التزام من الناس بموضوع الشمول المالي، حتى نستطيع رسم المستقبل ووضع سياسات كحكومة أو كقطاع خاص".
ولفت إدريس خلال حديثه إلى أن كثيراً من المواطنين يقولون بأن الضرائب في وزارة المالية يتوجهون لحساباتهم بالبنوك ويقاضونهم ويتسببون لهم بمشاكل بالموضوع الضريبي، ويكمل:"أصبح المواطنون لديهم مشكلة بخصوص موضوع البنوك".
وأضاف:" الصحيح أن يتعامل الجميع مع النظام المالي، فالبنوك أكثر أمناً وأفضل للأشخاص من كل النواحي، وموضوع الإيداع خارج البنوك فيه مشكلة". وأردف: "نحن مع أن تكون البيانات المالية واضحة لأن غير ذلك يوجد مشكلة بالاقتصاد".
وقال: المطلوب من الجهات المختصة مراعاة ما نتكلم به حتى يكون هناك التزام لدى الناس، خاصة فيما يتعلق بالسرية المصرفية".
وأكمل: "هذا الموضوع من وجهة نظرنا سيتفاقم بالمستقبل، لأن كل يوم أصبح التجار يأتون لنا بأن لديهم مشكلة فيما يتعلق بالسرية المصرفية، وأصبحت الضريبة تدخل على حساباتهم وهذا غير موجود بالعالم، بالعالم كله لا يوجد سرية مصرفية، بأن يتم إعطاء معلومات عن أصحاب الأموال للجهات الضريبية وهذا يضعف الثقة بالجهاز المصرفي، وتصبح الناس تتعامل بدون بنوك".
وفي ذات السياق، أكد ادريس: "نحن ضد التهرب الضريبي، وضد أي شخص لا يدفع ضريبته، لكن بالعموم يجب المحافظة على السرية المصرفية حتى يتوجه الناس للبنوك ويودعون أموالهم حتى نرسم سياسات مالية ونقدية صحيحة، لأن إذا كل شخص يضع أمواله بمحلات الصرافة أو في البيت أو تحت البلاطة إذا لا يوجد لدينا معلومات لرسم المستقبل المالي، بل يجب أن يكون كل شيء تحت أعين الدولة وهذا يحقق العدالة بالسوق".
ولفت إلى وجود مشكلة يلمسها الناس لدى التوجه لإيداع الأموال بالبنوك، قائلا: "عندما يتجه المواطنون للبنك لإيداع الأموال أحيانا بعض النبوك تقول لهم لا نستطيع ايداع أموالكم لأنه لا يوجد لدينا تحويل على البنوك الإسرائيلية، أو لدينا فائض في الشيكل، ففي كثير من الأحيان لا تقبل البنوك فلوسهم، وهذه مشكلة خطيرة ومهمة ومن المشاكل التي تدفع بالناس للبحث عن بدائل عن البنوك".
جمعية البنوك: السرية المصرفية في البنوك العاملة بفلسطين مضمونة بموجب القانون
مدير عام جمعية البنوك في فلسطين، بشار ياسين، قال في حديث خاص لوكالة صدى نيوز إن: "السرية المصرفية من أهم الأسس التي تنظم علاقة العميل مع البنك حيث تعتبر المحافظة على سرية بيانات العملاء والعمليات البنكية التي تتم داخل المصرف من أهم التزامات البنك اتجاه العميل، حيث أن السرية المصرفية تحقق مصالح جميع الأطراف بأن تحافظ على الحرية الشخصية للعميل التي يضمنها الدستور بالإضافة إلى مصلحة البنك لزيادة ثقة جمهور العملاء والمصلحة العامة التي تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني من خلال جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية ما يساهم في التنمية الاقتصادية".
وعن المطالبات بالمحافظة على السرية المصرفية، علق ياسين بقوله: "المحافظة على السرية المصرفية هو من صلب مفاهيم العمل المصرفي، حيث تحرص البنوك العاملة في فلسطين على الالتزام بها وعدم الإفشاء بأية بيانات أو حركات مالية أو تفاصيل تتعلق بحساباتهم وتعاملاتهم مع البنك لأي جهة كانت ما لم يكن بقرار محكمة أو بموافقة العميل الخطية".
وتابع: "ينص قانون المصارف الفلسطيني رقم "9" لسنة 2010، في المادة رقم "32" بالحفاظ على السرية المصرفية حيث يطالب البنوك باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتعزيز التزامها وجميع العاملين فيها على مختلف دراجاتهم الوظيفية بتعليمات السرية المصرفية".
وأضاف ياسين لصدى نيوز: "السرية المصرفية في البنوك العاملة في فلسطين مضمونة بموجب القانون وتتم الرقابة والمتابعة عليها من قبل سلطة النقد الفلسطينية والتي تدعم وتؤكد على ضرورة الحفاظ على السرية المصرفية لجمهور العملاء".
وأردف: "الجهة الأكثر أمناً وثقة بالحفاظ على ودائع العملاء هي البنوك فهي تراقب من سلطة النقد وأيضا هي عضو في مؤسسة ضمان الودائع الفلسطينية، الأمر الذي زاد من ثقة الجمهور في القطاع المصرفي الفلسطيني، فالودائع بازدياد مستمر حيث حققت زيادة تقدر بحوالي 11% عن العام السابق، وهذا مؤشر على سلامة القطاع المصرفي وزيادة الثقة فيه".