الحكومة الفلسطينية: تقرير معهد واشنطن بخصوص الجهاز المصرفي غير موضوعي
متابعة صدى نيوز- اعتبر شاكر خليل، مستشار رئيس الوزراء لشؤون الاقتصاد، اليوم السبت، أن تقرير معهد واشنطن حول تضرر القطاع المصرفي الفلسطيني لأسباب مرتبطة بأزمة مالية التي تمر بها الحكومة الفلسطينية، غير موضوعية ومنافي للحقيقة.
وكان معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى قد حذر في دراسة علمية نشرها من تضرر القطاع المصرفي الفلسطيني لأسباب مرتبطة بأزمة مالية تواجهها الحكومة منذ سنوات وارتفعت حدتها العام الجاري.
وقال خليل في تصريحات إذاعية تابعتها وكالة صدى نيوز: "لدينا تحفظات كبيرة على هذا التقرير ففيه مشكلة حقيقية بالمنهج العلمي الذي يقول التقرير أنه يستند عليه في الدراسة المنشورة، حيث يفتقر لما هو معرف من أساسيات البحث العلمي ويجب أن يكون البحث موضوعي".
وأضاف مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني للشؤون الاقتصادية، "نحن ننظر إلى هذه الدراسة على أنها تفتقر إلى الموضوعية، وهنالك إطلاق أحكام من غير دليل واضح وتحيز استند إلى أرقام مجتزئة سواء بعض الأرقام التي أشار إليها تقرير البنك الدولي أو زيارة صندوق النقد الدولي (الأخيرة إلى فلسطين)، حيث تم توظيفها بشكل سلبي خارج عن سياقها".
و حول المخاطر على الجهاز المصرفي الفلسطيني نتيجة الأزمة المالية، أكد خليل، حسبما تابعته وكالة صدى نيوز، أن الدراسة تقوِل إن تقارير البنك الدولي وزيارة صندوق النقد الدولي إلى فلسطين ما لم قولها حيث استندت في البداية إلى زيارة وفد الصندوق وتقارير البنك واستنتجت استنتاجات سلبية وهذا فيه تجني ومنافي للحقيقة.
ونشر معهد واشنطن للدراسات، تقريراً له تحت عنوان: الحكومة الفلسطينية على حافة الإفلاس، محذراً من تضرر القطاع المصرفي الفلسطيني لأسباب مرتبطة بأزمة مالية تواجهها الحكومة منذ سنوات وارتفعت حدتها العام الجاري.
المعهد الذي يعرف عن نفسه بأنه أكبر معهد بحثي مخصص حصرياً لدراسات الشرق الأوسط، إذ أسس عام1985، من قبل مجموعة من الأمريكيين أصحاب الرؤى بتعزيز مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، يصدر تحليلا سياسيا، حول التصدي للأزمة المالية المتفاقمة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وما آل إليه تراجع المساعدات الدولية والمحسوبية العامة غير المستدامة، والسياسات المثيرة للجدل، في دفع الحكومة الفلسطينية والقطاع المصرفي إلى حافة الإفلاس.
ونوه مسؤولو صندوق النقد الدولي نهاية الشهر الماضي خلال زيارة مكثفة قاموا بها إلى الأراضي الفلسطينية إلى العديد من التحديات الداخلية والخارجية التي سيواجهها المسؤولون المحليون إذا كانوا يأملون في وقف تراجع النمو الاقتصادي ومعالجة المشاكل المالية المزمنة الأخرى.
وتفاقمت هذه التحديات في تموز/يوليو عندما أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي عن خصم 180 مليون دولار من عائدات المقاصة التي تجمعها نيابةً عن السلطة الوطنية، بقولها أن هذه الأموال كانت ستُستخدَم لدفع رواتب الاسرى وعائلاتهم، ولم يكن هذا الخصم، الذي يمثّل نحو 4% من إجمالي صافي الإيرادات الخاصة بالسلطة سوى الانتكاسة الأخيرة التي حدثت في إطار أزمة مالية تزداد سوءاً، وسبقها عجز كبير في الميزانية، وانخفاض حاد في الدعم الدولي للموازنة، وعدم القدرة على دفع رواتب موظفي القطاع العام بشكل كامل.
وفقاً للبنك الدولي، بلغ العجز في ميزانية السلطة الوطنية عام 2021، 1.26 مليار دولار، مع فجوة تمويلية قدرها 940 مليون دولار (أي العجز بعد استبعاد المساعدات الدولية في الميزانية والتنمية)، حيث تُعزى هذه الفجوة إلى أربعة عوامل رئيسية هي: القطاع العام المتضخم وغير الفعال لا سيما في مجالات الأمن والصحة والتعليم، والانخفاض الهائل في مساعدات الميزانية، وحجب عائدات المقاصة رداً على مدفوعات السجناء، والتعثُّر في تحصيل الإيرادات المحلية.
وانخفضت المساعدات الدولية للسلطة إلى النصف عام2021 بعد سنواتٍ من التراجع، إضافة إلى انخفاض مساعدات الموازنة، التي كانت تمثّل نسبة مرتفعة جداً قدرها 27 في المائة من "الناتج المحلي الإجمالي" في عام 2008، إلى 1.8% العام الماضي (أي 186 مليون دولار).
ونتج هذا التراجع الحاد عن التآكل التدريجي لركائز الميزانية الأربع في السلطة وهي: "الاتحاد الأوروبي" و"البنك الدولي" والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.
وتكثر المشاكل أيضاً على صعيد الجهود التي تبذلها السلطة في عملية الجباية المحلية، والتي تشكل ثلث إجمالي إيراداتها، وأحد الأمثلة على ذلك هو عدم قيامها بتحصيل الأموال من غزة أو القدس الشرقية، في حين أنفقت ما يقرب من ثلث ميزانيتها هناك في عام 2021، وخُصص معظم هذا المبلغ للأجور والمنافع والمدفوعات الخاصة بالكهرباء الإسرائيلية.
وفي العام الماضي، قالت السلطة، أنها ستنفق 1.7 مليار دولار على غزة في عام 2022، بما يتماشى تقريباً مع المزاعم السابقة بأنها كانت ترسل 96 مليون دولار شهرياً إلى قطاع غزة.
وبالنسبة للقاعدة الضريبية الفلسطينية التي يمكن الوصول إليها في الضفة الغربية، يُقدّر البنك الدولي أن 30% فقط من المطالَبين بدفع الضرائب يفعلون ذلك أساساَ، علاوةً على ذلك، قدّرت دراسة أُجريت في عام 2020 وجود ثغرة امتثال آخذة في الاتساع فيما يتعلق بتحصيل ضريبة القيمة المضافة تصل إلى 9% من "الناتج المحلي الإجمالي"، حيث نتجت هذه الثغرة إلى حد كبير عن قيام المستوردين بتقليل قيمة شحناتهم أو رفضهم تقديم الفواتير، مما جعل السلطة غير قادرة على الوصول إلى عائدات المقاصة المناسبة من دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وينشأ الكثير من هذه التسريبات الضريبية عن شوائب في "بروتوكول باريس"، وهو الاتفاقية التي أُبرمت في عام 1994 وحددت العلاقات الاقتصادية بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الوطنية الفلسطينية.
وعلى الرغم من أن السلطة تجمع الآن حوالى 23% من "الناتج المحلي الإجمالي" كضرائب، بما يتماشى مع البلدان النامية الأخرى، إلا أنه من الضروري إجراء المزيد من الإصلاحات على القوانين والاتفاقيات الفلسطينية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وللتعويض عن فجوة الإيرادات، تأخرت السلطة في الدفع لصندوق معاشات التقاعد والموظفين في القطاع العام والقطاع المصرفي الخاص، ففي أواخر عام2021، أعلنت رام الله أنها ستخفض الرواتب إلى 70-80% من القيمة المعتادة، وفي حزيران/يونيو الماضي، أعلنت وزارة المالية أنها ستواصل دفع 80% فقط.
ووصلت متأخرات صندوق التقاعد إلى مبلغ مذهل قدره 3 مليارات دولار في الربع الأخير من عام 2021، بينما بلغت المتأخرات المستحقة للقطاع الخاص 975 مليون دولار، وبحلول نهاية عام 2021، بلغ إجمالي ديون السلطة الوطنية للمصارف المحلية (أي المتأخرات بالإضافة إلى أحدث الالتزامات) 2.5 مليار دولار. ورداً على ذلك، أوقفت هذه المصارف تمويل الحكومة بالكامل، مما سيجعل تمويل عجزها في الإنفاق أكثر صعوبة.
ويسلط الوضع الضوء على مدى تعرُّض القطاع المصرفي لعدم الاستقرار المالي القائم في السلطة، مع احتمال حدوث تداعيات ملحوظة على الاقتصاد الأوسع نطاقاً.
إن الديون للمصارف المحلية البالغة 2.5 مليار دولار والتي تراكمت على السلطة الوطنية الفلسطينية على مر السنين تتجاوز بكثير الحد الذي أوصت به سلطة النقد الفلسطينية في إطار التعرض لهذا الخطر الائتماني، وهو 1.4 مليار دولار. وكما هو متوقع، لم تتمكن السلطة من سداد المدفوعات في الوقت المحدد، مما دفع المصارف إلى إيقاف الدعم. غير أن المشكلة تمتد إلى ما هو أبعد من الحكومة، إذ حصل العديد من الموظفين في القطاع العام أيضاً على قروض مدعومة برواتبهم المستقبلية.
وبالإجمال، تشكل السلطة وموظفوها الآن حوالي 40% من ائتمانات القطاع المصرفي، وبما أن السلطة لن تستأنف على الأرجح مدفوعات الرواتب الكاملة أو تسدّد ديونها في أي وقت قريب، فستظل المصارف المحلية في وضع غير مستقر في المستقبل المنظور، حيث يؤدي التعرض لهذا الخطر إلى تعقيد تقييم البنك الدولي، الذي يعتبر أن القطاع المصرفي الفلسطيني "ظل مستقراً نسبياً ويعود ذلك إلى حد كبير إلى تطبيق الأنظمة المالية السليمة".
وتتمثل إحدى الطرق الواضحة لإحداث تغيير كبير في عجز السلطة في زيادة المساعدات الخارجية إلى المستويات السابقة، وإنهاء اقتطاعات العائدات التي تقوم بها دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ومع ذلك، فإن الخطوتين تتطلبان تحركاً سياسياً ملحوظاً، فمن أجل تخطي قيود التمويل التي يفرضها كل من القانون الإسرائيلي والقانون الأمريكي، سيتعين على السلطة تغيير برنامجها المتعلق بنظام المدفوعات للأسرى إلى نظام أكثر استناداً إلى الاحتياجات، ولكن مثل هذه المقترحات تغلبت عليها جماعة الضغط في قضية الأسرى في رام الله، ومن غير المرجح استئناف التمويل الخليجي الكامل إلى أن يصلح الفلسطينيون علاقاتهم مع السعودية ودول أخرى.
ويتمثل أحد الخيارات الأخرى في قيام السلطة بتقليص فاتورة أجورها والحد من اتباع نظام المحسوبية الأوسع نطاقاً، إلا أن هذا صعب أيضاً من الناحية السياسية، حيث أخبر مسؤولون من السلطة الفلسطينية كُتّاب هذا المقال على انفراد أنهم يفضلون الاستمرار في دفع رواتب جزئية بدلاً من مواجهة عواقب طرد عدد كبير من الموظفين في القطاع العام، وخاصةً أولئك الذين تلقوا تدريبات عسكرية.
بإمكان الأطراف أيضاً زيادة جانب الإيرادات في المعادلة من خلال تعزيز النمو الفلسطيني الذي تعرّضَ للركود بشكل كبير بسبب احتلال الضفة الغربية والحصار المفروض على غزة.
فوفقاً لدراسة أجراها "مكتب الرباعية" في عام 2015، أدت القيود الاقتصادية التي فرضها الاحتلال إلى خفض النمو الفلسطيني إلى النصف بين عامي 1994 و 2014.
وفي الوقت نفسه، قدّرت دراسة أجرتها "مؤسسة راند" أن حل الدولتين سيزيد "الناتج المحلي الإجمالي" الفلسطيني بمقدار 50 مليار دولار على مدى عشر سنوات (بالدولار في عام 2014)، مع ارتفاع معدّل دخل الفرد بنسبة 36%.
ومع أن التوصل إلى هذا الحل لن يكون ممكناً في أي وقت قريب، إلّا أنه لا يزال بإمكان الأطراف اتخاذ الكثير من الإجراءات المؤقتة لتخفيف الأثر الاقتصادي الناتج عن الاحتلال، وبشكل خاص زيادة إمكانية وصول الفلسطينيين إلى "المنطقة ج" في الضفة الغربية، والتي يقدر البنك الدولي أنها قد تزيد الإيرادات بنسبة 6 في المائة من "الناتج المحلي الإجمالي".
ويتطلب تحقيق التحسينات الأكثر أهمية في تحصيل الإيرادات دعماً إسرائيلياً لعمليات مراجعة "بروتوكول باريس"، لكن أحد الخيارات الواعدة التي تتجاوز تلك العقبة هو إصلاح نظام تصاريح الخروج لما يقدَّر بنحو 140 ألف فلسطيني يعملون داخل إسرائيل ومستوطناتها في الضفة الغربية، علماً أن متوسط أجرهم اليومي يزيد عن ضعف ما يتقاضاه الفلسطينيون العاملون في الأراضي التي تديرها السلطة من الضفة الغربية.
وإذا فرضت السلطة على هؤلاء العمّال ذوي الأجور الأعلى ضريبة شهرية ثابتة قدرها 700 مليون شيكل (206 مليون دولار) مقابل تصاريح خروجهم بدلاً من بعض الضرائب الأخرى التي تجمعها إسرائيل وتحوّلها، فمن المحتمل أن تخفض عجزها بمقدار الثلث مع القضاء على السوق السوداء الاستغلالية التي يديرها سماسرة التصاريح.
وعلى أي حال، من الضروري أن تتحرك الأطراف قريباً نظراً إلى الزيادة المقلقة في استياء الفلسطينيين من السلطة الفلسطينية، وهو شعورٌ قد يتأجج إذا تحولت الأزمة المالية إلى أزمة اقتصادية كاملة.
ويقول بعض المراقبين أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لن تسمح أبداً بحدوث ذلك لأنها تدرك التأثير السلبي على أمنها الخاص، وستقدّم أكبر عدد ممكن من "القروض" الطارئة حسب الضرورة، ومع ذلك، لا ينبغي التقليل من شأن العواقب المحتملة على الاستقرار الاجتماعي والخلافة السياسية في فلسطين.