حرب أوكرانيا لم تسدل ستارة عروض الـ"ستاند آب" الكوميدية الارتجالية
صدى نيوز -على خشبة مسرح "كوميدي كلوب" في كييف، يختبر أنتون بولديريف أمام أحدث فقرات مسرحيته الكوميدية الارتجالية، عن صديقته الناطقة بالروسية، وشقيقه التوأم في الجيش، ورد فعل والدته عند سقوط صاروخ.
وفي عمله الذي يندرج ضمن هذا النوع المعروف بـ"كوميديا الوقوف" أو "ستاند آب كوميدي"، يتفاعل الفكاهي مع الحضور سائلاً إياهم "هل أنت أيضاً يتصل بك والداك أثناء الإنذارات بحصول غارة جوية؟".
ولا يلبث أن يضيف "بصراحة، أعتقد أن هدفهما الوحيد يكون إفهامك أن مكان اختبائك سيىء. اتصلت بي والدتي ذات يوم، وسألتني +أين أنت+؟ فقلت لها في نفق +مترو أرسينالنا" للقطارات، (وهي محطة المترو الأعمق في كييف) . فأجابتني "عليكَ أن تنزل أكثر. وعندما سألتها: +وأنتِ يا أمي، أين أنتِ؟+، أجابتني "أنا في القرية. الاتصال ضعيف، لذلك صعدت إلى العليّة+".
وتعلو ضحكات الجمهور الذي يملأ الصالة عن بكرة أبيها، إذ تشهد مسرحيات الـ"ستاند آب" في أوكرانيا إقبالاً كبيراً، ولم يدم الأمر طويلاً بعد بدء الغزو الروسي في شباط/فبراير 2022 حتى استعادت هذه العروض حيويتها في الدولة التي انتخبت الممثل الكوميدي السابق فولوديمير زيلينسكي رئيساً عام 2019.
فمنذ أيار/مايو، عاود منتج "يوكرانيان ستاند آب إيجينسي" إيفان يورنوكلي تنظيم هذه المسرحيات الارتجالية في كل أنحاء أوكرانيا.
ويروي الرجل الثلاثيني الذي كان يرتدي قميصاً كتب عليها "الكلمات سلاحنا" قائلاً "لم نكن نعرف ما إذا كان الناس سيحضرون. هل هذا مناسب أم لا؟ هل حان الوقت أم لا؟ لكنه كان الوقت المناسب بالفعل (...) بذلك نُظهر أننا نضحك وأننا بالتالي لا نستسلم".
أما اليوم، فبات ينظم نحو عشرين عرضاً في الشهر يتبرع بجزء من ريعها للجيش، ويقام بعضها في ملاجئ تحت الأرض. واستلزم ذلك تجهيز بعضها بمولدات للتمكن من مواصلة تقديم العروض في حال انقطاع التيار الكهربائي كما كان يحصل باستمرار عندما بدأ الجيش الروسي بقصف معامل إنتاج الكهرباء الأوكرانية.
وبعد انتهاء فقرة أنتون بولديريف، يحين دور مارينا فوتسيخوفسكا على المسرح. ومع أن خبرتها لا تتجاوز السنتين في "كوميديا الوقوف"، تحصد مقاطع الفيديو التي تنشرها مئات الآلاف من المشاهدات على يوتيوب.
وتتكلم الشابة البالغة 25 عاماً عن الحرب أحياناً ولكن كخلفية فحسب. وتقول لوكالة فرانس برس "كل ما لدي من روح الدعابة مبني على تجربتي الشخصية. وبما أن حياتنا الآن تركز على الحرب ، لذا فإن روح الدعابة تدور حول ذلك".
وتضيف "على سبيل المثال، أخبر أنني أتحدث الأوكرانية بطريقة جيدة جداً، وأني أبدو لطيفة، ونادراً ما يسألني الناس عن أوراقي عند نقاط التفتيش. وأن المرة الوحيدة التي حصل فيها ذلك كانت عندما عدت إلى قريتي، إذ سألني زوجي السابق لأنه أراد أن يعرف ما إذا كنت قد غيرت اسمي بعد الطلاق!".
لكنّ مسرحيين آخرين يرون أن عروض الـ"ستاند آب" ينبغي أن تتيح للأوكرانيين تناسي الحرب لبعض الوقت. ويشرح راميل يانغولوف أنه يحاول تجنب التطرق إلى الموضوع، مفضلًا تذكير جمهوره بأن "الحياة تبقى موجودة" بعد الحرب.
ويرى الفكاهي البالغ 33 عاماً أن الناس "سينغلقون على أنفسهم" إن لم يكن الأمر كذلك. ويقول "في أوكرانيا ، لم يعتد الناس على مراجعة طبيب نفساني عندما يواجهون مشكلة".
ويلاحظ المنتج إيفان يورنوكلي أن "من المؤكد أن روح الدعابة الأوكرانية" باتت "أكثر نضجاً" في عام من الحرب. ويضيف "لم نعد نريد الضحك من أجل الضحك فحسب. نريد أن نعبّر عن آلامنا ومخاوفنا".
في بداية الحرب، استخدمت أوكرانيا الفكاهيين في معركتها. وقد حققت نجاحاً سياسياً ودعائياً كبيراً بصور الميم المحوّرة الساخرة على الشبكات الاجتماعية وبكمية كبيرة من مقاطع الفيديو المولّفة التي تهزأ بالجيش الروسي، ويتناقلها حتى السياسيون أنفسهم.
ولكن في مقابل المكاسب التي حققتها كييف في الحرب على تويتر، لا يزال الخطر الروسي ماثلاً وسيفاً مصلتاً على الأوكرانيين ومنهم الجمهور الحاضر في الحانة الضخمة التي تُنظم فيها عروض "الكوميديا الارتجالية" في أحد أحياء جنوب كييف، ويضم نحو مئة شخص.
وترى تيتيانا (30 عاماً) التي حضرت بدافع الفضول "لقضاء لحظة رومانسية" مع زوجها، أنها "فرصة لسماع شيء آخر والتحدث والضحك بشأن شيء آخر غير الحرب".
وتقول "الفكاهة حافز على الحياة. بهذه الطريقة، يستطيع المرء على الأقل أن يعلّق كل مشاكله وأن يتنفس قليلاً".