التحول الديمغرافي القسري المتسارع في فلسطين: استقراء الماضي لفهم الحاضر
صدى نيوز - أصدر معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) ملخص حول " التحول الديمغرافي القسري المتسارع في فلسطين: استقراء الماضي لفهم الحاضر"، ويستعرض هذا الملخص آثار الحرب على العلاقات الاقتصادية الفلسطينية-الفلسطينية على طرفي الخط الأخضر.
يبين الملخص، وهو الثامن ضمن سلسلة أصدرها المعهد بدعم من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي منذ بدء العدوان، بأنه مع دخول العدوان الإسرائيلي شهره الثالث والذي بات يُهدد النازحين والسُكان في محافظات الجنوب، وبالتحديد خانيونس، بالرحيل إلى منطقة المواصي، عبر إعلانها "منطقة آمنة" وهي بالأساس غير آمنة بتاتاً بسبب العدوان، وكذلك سوء الأوضاع الإنسانية، وعدم قدرة هذه المساحة الصغيرة على تحمّل الأعداد الكبيرة من النازحين. ويبين الملخص أن هذا التوجه يُفضي فقط إلى تغيرات ديموغرافيّة قصرية كارثية غير مسبوقة؛ فبلدة المواصي هي بلدة صغيرة يبلغ عرضها 1 كيلومتر على خط الساحل، وطولها 14 كيلومتر مربع، والتي بالتأكيد لن تتسع لأفواج النازحين الجدد من خانيونس أو النازحين الذين نزحوا من الشمال. كما لا تتوافر بها أي مقومات إنسانية أو معيشية نظراً لكونها بالأساس منطقة شبه صحراوية فقيرة تنموياً.
يشير الملخص إلى أن الضغط الإسرائيلي (غير الرسمي) على مصر لقبول نازحي غزة وذلك من خلال الضغط باتجاه النزوح الداخلي ومن ثم إلى الهجرة الخارجية، والذي يطرح (نظرياً حتى الآن) كـ "تهجير مؤقت" بهدف "حماية المدنيين". قد لا يبدو اختيار هذه المنطقة عشوائياً في ظل الترحيل الممنهج تاريخياً، ومنذ بداية العدوان. بدأ الاحتلال استخدام أسلوب إضافي لهندسة الترحيل، عبر تقسيم القطاع إلى "بلوكات" مُرقمة، مُرفقة بنداء لسُكان كلٍ من "البلوكات" للرحيل عنه إلى "بلوك" آخر مُهدداً سُكانها بأنها "الوسيلة الوحيدة للحفاظ على أمنهم وأرواحهم وحياة عائلاتهم".
إن تصريحات السياسيين المتطرفين الإسرائيليين والوثائق المسربة من "وزارة الاستخبارات" الإسرائيلية تفضح نوايا إسرائيل الحقيقية لخلق الظروف المناسبة لتهجير جزء من سكان قطاع غزة ما بعد العدوان بشكل دائم إلى مصر عبر ثلاث مراحل، أولها وضع خيام في مصر، وفتح "ممرات إنسانية"، ومن ثم بناء المدن في شمال شبه صحراء سيناء. بهذه الرؤية للإبادة الجماعية، يعيد التاريخ تكرار نفسه بتحول الخيام مرة أخرى لمخيمات للاجئين تحت مسمى "مدن"، ويتغير المكون الديموغرافي لقطاع غزة مرّة أخرى بتهجير سُكانها، الذين هم بالغالب من اللاجئين، كما تبين تصريحات وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية والتي دعت فيها المجتمع الدولي لتشجيع توطين الفلسطينيين في دولهم بدلاً من التبرع بالأموال لمشاريع إعادة إعمار قطاع غزة، مما يدحض أي محاولات إسرائيلية لتبرير النزوح والتهجير الحاصلين تذرعاً بالمناطق العازلة والآمنة للمدنيين.
قد يكون مبكراً التنبؤ بما بعد العدوان، إلا أن المؤشرات الاقتصادية والتنموية الحالية، ودون بلوغ سقف النكبة الديموغرافية التي لا تزال تلوح في الأفق، تُنذر بخطر على المؤشرات الديموغرافية لقطاع غزة. فمن المتوقع أن يرتفع الفقر إلى ضعف مستواه السابق (45%)، كما أن مؤشر التنمية البشرية (Human Development Index) سيشهد تراجعاً قد يعيد القطاع إلى أكثر من 16 عاماً الى الخلف. هذا إضافة إلى الآثار المتوقعة على البنية الصحية والتعليمية والاقتصادية على إثر التدمير الواسع للمنشآت، وجميعها تُفاقم الظروف الاجتماعية الاقتصادية الموجودة بالفعل بسبب الحصار وعدم القدرة على التعافي التام ما بعد الاعتداءات السابقة.
وفي تعليقه على الملخص أشار المدير العام للمعهد رجا الخالدي وفقا لبيان رسمي وصل صدى نيوز أن حالة الإبادة الجماعية التي تحدث من جهة، والتدمير الممنهج لجميع البنى التحتية الحيوية بما تُفرزه من حاجة قسرية للنزوح من جهة أخرى، تُفضي بحالة واضحة للتطهير العرقي الذي يُمارس بشكل ممُنهج ضد المكون الديموغرافي الفلسطيني، ما يعكس في أوضح الصيغ الممكنة مصطلح "التحول الديموغرافي القسري"، وما هذا العدوان إلا تجسيد بشع لهذا التوجه التاريخي للمشروع الصهيوني. ويؤكد الخالدي أن هناك قوى طاردة ولدها الاحتلال الإسرائيلي المطول في سعيه نحو تحقيق المشروع الصهيوني بالاستيطان على كامل أرض فلسطين.