محافظ سلطة النقد يكشف لـ اقتصاد صدى عن وضع القطاع المصرفي الفلسطيني في ظل الحرب
خاص لـ اقتصاد صدى: قال محافظ سلطة النقد الفلسطينية د. فراس ملحم إن العدوان القائم على قطاع غزة ألقى بظلاله على الوضع الاقتصادي في فلسطين كاملة.
جاء ذلك في مقابلة خاصة أجراها اقتصاد صدى مع د. ملحم، تحدث فيها عدد من المحاور الهامة ذات العلاقة بالوضع المصرفي الفلسطيني في ظل الأزمات المالية والسياسية الحالية.
وضع القطاع المصرفي الفلسطيني في ظل الأزمات التي يمر بها الشعب
وقال محافظ سلطة النقد إن البنوك خاصة في قطاع غزة تأثرت بشكل كبير نتيجة هذه الحرب على غزة، وستسجل خسارات للقطاع المصرفي، خصوصاً المحفظة الائتمانية، لكن حتى مع هذه الخسارات التي ستجل، إلا أن القطاع المصرفي الفلسطيني آمن ومتين، نتيجة التحوطات التي كنا نأخذها على مر السنوات إضافة إلى أنظمة وتعليمات سلطة النقد التي سارت عليها البنوك.
وتابع: طلبنا من البنوك أن يعملوا ما يسمى اختبارات الأوضاع الضاغطة وأوضاع التحمل، وأخذنا سيناريوهات متطرفة، لنرى مع هذه الاحتمالات ماذا سيكون وضع القطاع المصرفي الفلسطيني، وقد أفضت الاختبارات إلى نتيجة مفادها أن القطاع المصرفي سوف يتجاوز هذه المحنة، لذا أطمئن المواطن أن القطاع البنكي بخير، خاصة أن موجوداتنا في قطاع غزة تشكل 8.5% فقط من مجمل الموجودات المصرفية في داخل فلسطين.
أثر الحرب على المصارف الفلسطينية بغزة
أكد محافظ سلطة النقد أنه من السابق لأوانه تحديد الأضرار التي لحقت بأفرع البنوك، خاصة في المنطقة الشمالية والوسطى في القطاع، إلا أن درجة الدمار كبير، ومعلوماتنا فقط عن فرعين تم قصفهما بشكل كامل، لكن كثيراً من الأفرع تضررت، وهذه أضرار مادية سوف نقيمها في المستقبل القريب.
وأشار إلى أن الفروع التي قصفت بشكل كامل عندها تأمين ضد الحرب، أي أن التأمين سيغطي خسائر تلك البنوك، لكن حتى مع الأضرار الناتجة عن الحرب، لا زال قطاعنا البنكي بخير.
أهم نتائج صندوق استدامة بلص
وأوضح د. ملحم أن هدف صندوق استدام بلص ضخ السيولة عبر منح قروض ميسرة للمؤسسات والمشاريع الصغيرة أو المتوسطة أو الصغيرة جداً، لاستمرار العجلة الاقتصادية وأن تبعي المشاريع على العمالة الفلسطينية، ومساعدة تلك الشركات والمؤسسات للقطاع الخاص على تجاوز هذه المرحلة الصعبة.
وقال: في 2020 أطلقنا صندوق استدامة لمواجهة الآثار الناتجة عن جائحة كورونا، ويسعدني أن أقول أنه في المشاريع متناهية الصغر وصلنا إلى 2000 مشروع في أقل من 3 سنوات وهو أمر جيد، والتعثر في تلك المشاريع كان صفراً، ما يعني نجاحها.
وتابع: أما المشاريع الصغيرة والمتوسطة فهناك 1000 مشروع استفاد من قروض تصل فائدتها إلى 3%.
وأكد أنه مع هذا الصندوق نهدف لضخ مزيد من الأموال، صندوقي استدامة 1 و2 لا تزال موجودة، إضافة لاستدامة بلص، ووجهناه لجميع القطاعات التي تأثرت من الحرب، لكن ركزنا على القطاع الزراعي والصحي والطاقة المتجددة.
هل لسلطة النقد خطط مستقبلية في ظل الوضع المالي الصعب؟
وقال ملحم: دائماً نخطط ونأخذ بعين الاعتيار الأوضاع السياسية والاقتصادية القائمة، ونقول أننا استطعنا بناء جهاز مصرفي قابل للصدمات، واستوعبنا صدمات المقاصة وصدمة كورونا، وحالياً الحرب.
وأشار إلى وجود برامج واعدة لها علاقة بالاستقار المالي والنقدي، لتطوير الأنظمة فيما يتعلق بضخ السيولة والدفع الالكترونية للمحافظة على التنمية الاقتصادية بالشراكة مع الحكومة ذات المسؤولية عن هذا الإطار.
دوافع اتفاق إعادة جدولة ديون الحكومة
وأشار محفاظ سلطة النقد لـ اقتصاد صدى إلى أن عدم انتظام المقاصة وانقطاعها والاقتطاعات عليها يؤثر على الاقتصاد الفلسطيني وعلى مقدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها سواء تجاه الموظفين أو القطاع الخاص.
وتابع: الدعم الخارجي قل بشكل كبير، قبل 10 سنوات كان يصلنا مليار دولار، من 5 سنوات صار يصلنا 500 مليون دولار، بعدها أصبح 230 مليون دولار وليس كله دعم مباشر للخزينة، بمعنى أن الدعم الخارجة للخزينة تضاءل بشكل كبير، وكل ذلك يؤثر على مقدرة الحكومة في الوفاء بالتزاماتها، و"هنا يأتي دورنا لعمل تكاملية مع الحكومة".
هل ضغطت الحكومة والمالية على سلطة النقد لإقناع البنوك بالقرض المجمع؟
أكد محافظ سلطة النقد لاقتصاد صدى أنه لم يتم إجبار البنوك على قضية السلفة التي دفعت، فقد كانت بالتوافق، والبنوك كانت منفتحة وتشعر بالمسؤولية تجاه الاقتصاد الفلسطيني.
وأوضح أن هناك محدودية في قدرتنا للمساعدة عبر القروض للحكومة، وكان الهدف من القرض التجميعي إعادة ترتيب المديونية الحكومية، وإتاحة بعض الأموال حتى تستطيع وزارة المالية الوفاء بالتزامتها تجاه الموظف والقطاع الخاص.
وأضاف د. ملحم أن أي بنك مركزي في العالم، يقوم بالتنسيق والتعاون الإيجابي مع وزارة المالية، وسلطة النقد ووزارة المالية مؤسستان هدفهما الحفاظ على الاقتصاد الوطني وترتيب المالية العامة وما إلى ذلك.
قال إن البنوك المركزية تكون مسؤولة عن السياسة النقدية ووزارة المالية مسؤولة عن السياسية المالية، والسياسة النقدية والمالية مسألتان متكاملتان.
وأضاف: مسألة ترتيب المديونية جاءت الفكرة من داخل سلطة النقد لأمور فنية، وأصبح هناك تكاملية في الرؤية كيف نرتب هذه المديونية بيننا وبين وزارة المالية بحيث أن نتيح هامشا أمام الوزارة للوفاء بالتزاماتها تجاه القطاع الخاص والموظفين العموميين.
وأكد أنه لا يوجد أي قضية إجبار أو ما إلى ذلك، هناك 3 أطراف سلطة النقد ووزارة المالية والبنوك، وأكيد كان هناك آراء مختلفة ومتباينة في كيفية عمل هذا القرض التجميعي، البعض قال أن تكون العلاقة مباشرة بين المالية و(وبنك "س" مثلاً)، أو بدلاً من ذلك، لماذا لا يكون هناك شيء تجميعي وإدارة مجمعة لهذا الأمر، وأنا اعتقد أن هذه التوصية التي خرجت من سلطة النقد أن يكون هناك قرض تجميعي يسهل بكيفية ترتيب المديونية للحكومة وإتاحة المجال لها للإيفاء بالتزاماتها الحالية.
دور القطاع المصرفي في ظل أزمة فلسطين الاقتصادية
قال محافظ سلطة النقد ان قوة المنظم تأتي من قوة الجهات الخاضعة له، ونحن الجهات الخاضعة لنا هي البنوك ومؤسسات الإقراض المتخصص وشركات الدفع الإلكتروني ومحلات الصرافة.
شدد على أن البنوك الفلسطينية ميتنة وعملها التحكم والرقابة الداخلية في داخل هذه النبوك هي ممتازة، وبالتالي لدينا قطاع بنكي متين، وإن كان يحدث بعض الإشكاليات أيضا في بعض البنوك، ولكن العلاقة بين سلطة النقد والبنوك، هي علاقة جيدة، قائمة على أننا نحن من نشرف على هذا القطاع وننظمه ونرخصه، ليس دائما يكون هناك توافق معنا في سياساتنا ولكننا نعمل بناء على معايير دولية.
وأشار في لقائه مع اقتصاد صدى إلى أن القطاع المصرفي بالقائمين عليه أثبت في هذه الأزمة والأزمات السابقة أن لديهم مسؤولية عالية تجاه الوطن والمواطن، وهذا شيء يسعدنا أن نقوله.
وقال إن هناك بعض الانتقادات قد تكون، فأنا شخصياً انتقدهم على موضوع الاستدامة، فليست كل البنوك تتعاون بقدر المستطاع وهناك بعض التعقيدات، في تطبيق صندوق استدامة.
وتابع: لدينا دائرة في سلطة النقد لها علاقة بحماية المستهلك، هي قسم فاعل، ويعالج معظم الشكاوى التي تأتي، وهذه دعوة للمواطن إن كان لديك أي إشكالية أو تجاوز من قبل البنوك تستطيع اللجوء للبنك وإن كان لم يحل الإشكالية من تلقاء نفسه، نحن نستطيع أن نتدخل في هذا الإطار.
مصير الشيكات الراجعة وأقساط العمال
وأكد محافظ سلطة النقد أن مسألة الشيكات مسألة مهمة جداً، أثبتت الشيكات أن هناك إشكالية بها، ففي فلسطين الشيكات لا يستخدم فقط كأداة للوفاء بالالتزامات، وإنما أداة للائتمان (كأن يشتري مواطن ثلاجة ويقسط سعرها على 5 شيكات مثلاً).
وقال: نحن نريد أن يكون هناك شراكة ونقاش مجتعمي حول الشيكات كأداة للدفع، نريد أن نعزز من الشيك كأداة للوفاء بالالتزامات وليس كأداة للائتمان، ولكن هذا القرار ليس قرار سلطة النقد، يجب أن نجتمع على مستوى وطني سواء في سلطة النقد مع الغرف التجارية والمجلس التنسيقي للقطاع الخاص ومع النيابة العامة، ومجلس القضاء الأعلى ونقابة المحامين، حتى ندرس هذا الأمر ونخرج بتوصيات كيف نعزز من الشيك كأداة للوفاء وليس كأداة للائتمان.
وتابع: نحن سلطة نقد يجب أن نجد آليات أخرى للوفاء بالالتزامات غير الشيك، هذا لا يعني أن نستبدل الشيك، بل أن يكون هناك أدوات بجانب الشيك، مثلاً عندما نتحدث عن تجزئة المشتريات بدل من استخدام الشيك، هناك نظام نعمل عليه يسمى التقاص المباشر، يكون هناك اتفاقية بين البنك والمواطن والبائع، وهي طريقة آمنة لترتيب تجزئية المبيعات.
وأضاف: شعرنا أن هناك مسؤولية حتى للمواطن الفلسطيني، ومعظم الناس تفي بالتزاماتها، هناك أقلية لا توفي بالتزاماتها، بدليل أننا في الشهر الثالث من الحرب مع ذلك الإحصائيات المتعلقة بالشيكات الراجعة لعدم وجود رصيد، 9% من ناحية القيمة رجعت، و15% من ناحية العدد رجعت، وارتفعت الإحصائيات بأول أسبوعين في شهر 12.
وقال د. ملحم: قطاع غزة على سبيل المثال، في غضون هذا التدمير الهائل في قطاع غزة، 20% من الشيكات صرفت، وكان مطلب من الأهل في غزة، بعض التجار، أن تتيحوا لنا أن ندفع التزاماتنا وأرادوا أن تبقى الشيكات قائمة.
وأكد محافظ سلطة النقد أن لدى الناس مسألتين في هذا الإطار، الأولى أن هناك رسوم تفرض على الشيك الراجع بقيمة 60 شيكلاً، لعمل نوع من الردع للناس، وفي ظل هذه الظروف، نظرنا على القطاعات واصدرنا تعليمات جديدة، قلنا فيها أن موظفي الحكومة أو القطاع الخاص أو العمال الفلسطينيين أو أصحاب المهن الذين تضرروا من هذا الوضع، أعطينا تعليماتنا للبنوك أن يعيدوا لهم بأثر رجعي من 1-11-2023 حتى نهاية 2023، أن يعيدوا لهم الرسوم التي تقاضوها على الشيك المعاد، أي نجد وسيلة في كيفية مساعدة الناس.
وقال: بخصوص التصنيف، هناك مطالبات بوقفه، ولكن نحن عندما نبني سياساتنا لا نبني السياسات بدون تشاور، نحن تشاورنا مع القطاع الخاص، سواء رؤساء الغرف التجارية، أو مع المجلس التنسيقي للقطاع الخاص، مع رجال الأعمال، حول مسألة الشيكات، وكان مطلب من أول يوم من عدة مصادر وعدة هيئات، رجاء مسألة التصنيف تبقى مستمرة. لماذا؟ لأنه نحن نريد أن نبقى على الثقة بالشيك كأداة للوفاء بالالتزامات، وإذا حققنا ذلك فيعني أنه حققنا الحد الأدنى للدورة الاقتصادية، ونريد أن تستمر الدورة الاقتصادية، ولو أوقفنا التصنيف يعني ستتوقف الدورة الاقتصادية، وهذا حصل معنا في سلطة النقد واستفدنا بتجربتنا في عام 2020.
وأكد أنه مع ذلك، بعد انتهاء الحرب أي شخص أو شركة، تأثر تصنيفه نتيجة الحرب سوف ندرس كل حالة على حدى. وأصبح لدينا في سلطة النقد قاعدة بيانات التي نستطيع من خلالها أن نعرف إذا كان هذا الشخص تعثر لأنه فعلا مر بأزمة أو حتى يستفيد من الوضع، ولكن معظم الشعب الفلسطيني لديه مسؤولية ويتعامل بحس نية، وعدد الشيكات الراجعة في ظل الحرب ليست قليلة ولكن مقبولة جداً.
وقال محافظ سلطة النقد: عند انتهاء الحرب، في حال قام أي مواطن أو شركة بالتوجه لنا بخصوص التصنيف سوف نعالج ذلك بدون فرض أي رسوم، لأنه في الأحوال العادية عندما يتم مراجعتنا بخصوص ذلك نفرض رسوم قيمتها 50 شيكلا، ولكن أي شخص أو جهة تعثروا جراء الظروف سنعيد تصنيفهم دون أن نفرض أي رسوم.