تأسست في القرن الـ 14 قبل الميلاد وهُجّر أغلب سكانها بعد النكبة.. تاريخ “مدينة حيفا” الفلسطينية
صدى نيوز - مدينة حيفا هي من أقدم المدن الفلسطينية، وكانت إحدى المدن التي وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، تقع المدينة على ساحل البحر الأبيض المتوسط في شمال فلسطين عند التقاء دائرة عرض 32.49 شمالاً وخط طول 35 شرقاً، وهي نقطة التقاء البحر المتوسط بكل من السهل وجبل الكرمل، وهذا الأمر الذي جعل منها نقطة عبور إجبارية.
موقعها المميز جعل منها ميناءً بحرياً استراتيجياً في البحر المتوسط، كما جعلها بوابة للعراق والأردن وسوريا الجنوبية عبر البحر المتوسط، وهي المميزات التي جعلت مدينة حيفا هدفاً للأطماع الاستعمارية بدءاً من الغزو الصليبي وحتى الاحتلال الصهيوني.
أما اسمها، فيرى البعض أنه جاء من كلمة حفا بمعنى شاطئ، وقد تكون مأخوذة من الحيفة بمعنى الناحية، ويرى البعض الآخر أن الأصل في الحيفة المظلة أو المحمية، وذلك لأن جبل الكرمل يحيط بها ويحميها ويظللها.
تعتبر مدينة حيفا في الوقت الراهن من أكثر موانئ شرق البحر المتوسط أهمية، وتُعد الآن مقر السكة الحديدية الإسرائيلية. وتبعد حيفا عن القدس حوالي 158 كم إلى الشمال الغربي. يبلغ عدد سكانها حوالي 272 ألف نسمة، إضافة إلى 300 ألف يعيشون في الضواحي السكنية حول المدينة، ما يجعلها ثالث أكبر مدن فلسطين بعد القدس وتل أبيب، ويشكل اليهود الغالبية، بينما يشكل العرب من مسيحيين ومسلمين الأقلية بعد تهجير وطرد معظمهم في النكبة عام 1948. فما تاريخ هذه المدينة الفلسطينية المحتلة؟
من أقدم مدن فلسطين التاريخية
تأسست مدينة حيفا في بادئ الأمر كقرية صغيرة في القرن الرابع عشر قبل الميلاد على يد الكنعانيين، غير أن المنقبين عثروا بجوارها على بقايا هياكل بشرية تعود بتاريخها إلى العصر الحجري، وعلى آثار حضارات العصر الحجري القديم بمراحله الثلاث، والذي يعود إلى نحو 15 ألف سنة قبل الميلاد.
وعند شواطئ حيفا نشبت معركة بين الفلسطينيين والمصريين في عهد رمسيس، وذلك في عام 1191 ق.م، امتلك الفلسطينيون بعدها الساحل من غزة إلى الجبل، ولما استولى اليهود في عهد يوشع بن نون على فلسطين، أصبحت تابعة لحكم أشير أحد أسباط بني إسرائيل بعد سقوط الحكم الكنعاني.
وفي العصور المتتالية، تعرّضت المدينة إلى تدمير وتخريبٍ مستمرين على يد الأمم التي حكمت فلسطين، كالآشوريين والكلدانيين والفرس واليونان والسلوقيين، وفي عام 104 ميلادياً خضعت حيفا للحكم المصري.
وكان لمدينة حيفا محطاتٌ طويلة في عصر الحكم الإسلامي، إذ تم فتح حيفا في عهد الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، وذلك على يد القائد عمرو بن العاص عام 633 م، وبدأت الكثير من القبائل العربية تستقر بمناطق الساحل الفلسطيني، ومن أهم هذه القبائل قبيلة بني عامر، التي استقرت في منطقة سهل زرعين أو مرج ابن عامر بمدينة حيفا، وقبيلة بني لام التي استقرت بمنطقة كفر لام.
كانت مدينة حيفا من المدن التي استهدفتها الحملات الصليبية لموقعها الاستراتيجي، ففي عام 1110م سقطت المدينة في يد الصليبيين، وذلك بعد أن نجح القائد العسكري الروماني تنكريد في دخول حيفا بعد قيادته إحدى الحملات الصليبية على المدينة بحجة حماية المناطق المقدسة.
وفي عام 1516م خضعت مدينة حيفا لحكم العثمانيين في عهد الخليفة سليم الأول، وكان يُشار إليها في مطلع هذه الفترة بأنها قرية في ناحية ساحل عتليت الغربي التابع للواء اللجون، أحد ألوية ولاية دمشق الشام.
ثم بدأ العثمانيون يولون أهمية كبرى لهذه المدينة، وشهد هذا العهد بناء الكثير من معالم المدينة المعمارية مثل مسجد الاستقلال وضريح الباب.
حيفا ما بين الانتداب والاستيطان
بدأ تاريخ مدينة حيفا مع الاستيطان مع الألمان قبل الاستيطان اليهودي الذي احتلّ المدينة فيما بعد، ففي عام 1868م بدأت مجموعة عائلات ألمانية بإقامة مستوطنة لهم في القسم الغربي من المدينة، وزوّدوها بكل وسائل الرفاه والتنظيم، فأقاموا المدارس الخاصة بهم، وعبّدوا الطرق وبنوا الحدائق، وبعد عام أقاموا مستوطنة ثانية ثم ثالثة، ومهدت هذه المستوطنات في النهاية لإقامة حي ألماني بالمدينة على الطراز الحديث، وهو حي "كارملهايم" في جبل الكرمل.
وفي أوائل القرن العشرين كانت حيفا أكثر المدن الفلسطينية ثقافة ورفعة، وقد استقر فيها عبر العصور جماعات مختلفة من عرب وأرمن ويونان وفرس وألمان وهنود، قبل أن يحث اليهودي ثيودور هرتزل اليهود على الاستيطان فيها.
ففي عام 1918، وبعد خروج بريطانيا منتصرة من الحرب العالمية الأولى، سقطت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، الذي أقيم على أساس وعد بلفور الذي أعطى الحركة الصهيونية الحق بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين وطرد أصحاب الأرض.
وقد شجعت سلطات الانتداب البريطاني اليهود من مختلف أرجاء العالم للقدوم إلى فلسطين، وسهلت أمامهم إجراءات شراء الأراضي.
حيفا والتهويد القسري
في خطة تقسيم فلسطين عام 1947، وقعت حيفا ضمن حدود الدولة اليهودية الموعودة، حيث قررت لجنة الأمم المتحدة أن تكون المدينة الميناء الرئيسي لهذه الدولة. وفي 21 أبريل/نيسان 1948 أبلغ الحاكم العسكري البريطاني العرب بقرار الجلاء عن حيفا، في حين أبلغ الجانب الصهيوني بذلك قبل4 أيام. وكان هذا الإعلان إشارة لبدء القوات الصهيونية خطتها في الاستيلاء على المدينة.
إذ ألقت جماعة "إرجون" اليهودية قنبلتين على مجموعة من العمال الفلسطينيين، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 42 آخرين، فيما أصبح يُعرف باسم مذبحة مصفاة حيفا، حيث اندلعت أعمال الشغب وقتل 2000 مواطن فلسطيني و39 يهودياً، وردت القوات اليهودية بمذبحة في قرية بلد الشيخ في 31 ديسمبر/ كانون الأول 1947، وكانت إحدى ذرائع الجيش الإسرائيلي للسيطرة على حيفا، وفي الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، سيطرت إسرائيل بالكامل على المدينة؛ لأنها كانت الميناء الصناعي الرئيسي في البلاد.
وفي سعيها لتهويد المدينة، رفضت إسرائيل جميع القرارات الدولية بإعادة المهجرين، وواصلت جهودها لتهويد المدينة، حيث مارست التضييق على الفلسطينيين وهويتهم العربية، واستمرت في مساعيها لتهويد معالم المدينة، ورفضت إقامة أي حي عربي بالمدينة منذ عام 1948، بينما عملت على إقامة مئات الأحياء اليهودية.
معالم تاريخية لا تزال تؤرّخ لمدينة حيفا العربية
وعلى الرغم من التهويد القسري للمدينة، فإنّ المعالم الأثرية والتاريخية لا تزال يؤرخ للمدينة الفلسطينية، ومن أهم معالم مدينة حيفا المواقع البهائية؛ إذ يوجد هناك 11 موقعاً للبهائيين، وهي مرتبطة بمؤسس العقيدة البهائية.
إضافةً إلى ذلك يوجد بالمدينة مسجد الاستقلال الذي يعتبر من المساجد الأثرية التي تعود للحقبة العثمانية في فلسطين. ودير الكرمل، وهو من المعالم التاريخية، والدينية، والسياحية في المدينة. وأيضاً هناك كنيسة القديس يوحنا، التي بُنيت عام 1934، وتقع بالقرب من مدرسة مار يوحنا.
كما تعتبر أحياء وادي النسناس وعباس ومحطة الكرمل و الكبابير والحليصا ووادي الجمال ووادي الصليب الأحياء العربية التي بقيت بعد النكبة، أو التي تحوي نسبة كبيرة من العرب. ولقد عملت بلدية حيفا بعد النكبة على إنشاء الكثير من الأحياء الأخرى للمستعمرين الصهاينة.
وقبل النكبة كانت حيفا من كبريات المدن الفلسطينية قبل عام 1948، تضم 18 عشيرة و52 قرية، دُمّر منها العديد من القرى لإقامة المستوطنات الإسرائيلية، حيث أصبحت تضم 90 مستوطنة، وهي مركز صناعي وتجاري رئيسي.
ويوجد بها ثاني أكبر مصفاة للنفط، وتقوم عليها صناعات كيميائية ضخمة، وتوجد فيها قاعدة أمريكية، وترسو على ساحلها قطع من الأسطول السادس الأمريكي.