"حرب عالمية" في عفرين
رام الله - صدى نيوز - تتخذ العملية العسكرية التركية التي تشنها أنقرة ضد القوات الكردية في عفرين السورية ما يشبه "حربا عالمية" تدخل فيها أطراف تضم روسيا وأميركا وتركيا وإيران بالإضافة إلى سوريا. وقد أبرزت هذه العملية المصالح المتضاربة والمتداخلة للقوى المتصارعة في تلك المنطقة ذات الموقع الجغرافي المهم.
حلم الأكراد في "عفرين"
أشار تقرير لـ"وول ستريت جورنال" إلى أن وحدات الحماية الكردية قد استفادت من حربها ضد داعش لتصبح حليفا رئيسيا للولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي منحها سيطرةً على مناطق كانت تابعةً للتنظيم، لتأسس إقليماً شبه مستقل شمالي البلاد.
وخلافاً للدعم الكبير الذي حظي به الأكراد شمال شرقي سوريا، لم يحظ أكراد عفرين بذات الدعم، وذلك لعدم تواجد تنظيم داعش في المنطقة.
وعلى غرار ما جرى في كردستان العراق، فإن الطموحات الكردية لبناء دولة مستقلة لم تعجب جيرانهم الأتراك، ومع الخسائر التي تتعرض لها القوات الكردية في عفرين، بات هدفهم تقليص الأضرار قدر المستطاع، وحماية المناطق الشرقية بما فيها تلك التي تضم حقولاً للنفط.
وحسب الصحيفة الأميركية فإن تجربة عفرين أعطت للأكراد تقييماً لحال "مستقبلهم الهش"، في ضوء التهديد التركي المستمر لهم، واحتمال انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من سوريا.
"عفرين" مصدر مشكلات في "الناتو"
تصنّف تركيا وحدات حماية الشعب الكردي كتنظيم إرهابي، وامتداداً لحزب العمال الكردستاني، الذي يصارع أنقرة منذ عقود.
وتابعت أنقرة بغضب عمل قوات الوحدات الكردية، وطالبت الولايات المتحدة الداعمة لها بوقف ذلك، وتدهورت العلاقات بين العضوين في حلف شمال الأطلسي، إذ تعتبر تركيا إقامة دولة كردية في حدودها الجنوبية "خطاً أحمر".
وفي سبيل حماية حدودها، تطرح أنقرة مشروع إقامة منطقة عازلة على حدودها، بحيث تفصلها عن مناطق سيطرة الأكراد.
ويلجأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الخطاب المناهض للأكراد، من أجل تأجيج الغضب عند القوميين الأتراك، دون أن يكون بين يديه حل للقضية سوى الحسم العسكري أو التفاوض مع الولايات المتحدة، للتوصل إلى صيغة ترضي الطرفين.
"الأكراد" ورقة بيد النظام
توصف العلاقة بين نظام الرئيس بشار الأسد والأكراد بكونها معقدة وغامضة، فهو معارض لفكرة حصولهم على حكم ذاتي، إلا أنه قدم الدعم لهم في بعض المناسبات، تاركاً باب الحوار معهم مفتوحاً ولو بشكل ضيق.
وكان النظام السوري قد أرسل هذا الأسبوع أعداداً من الميليشيات العسكرية الموالية له لمساعدة الأكراد في عفرين، ولكنهم تعرضوا لنيران مصدرها المدفعية التركية.
وتنبع أهمية عفرين بالنسبة لدمشق، من أن حماية الأكراد في تلك المنطقة قد يكسب النظام السيطرة على ذلك المكان، ويجعله متحكماً في الورقة الكردية إن فكرت واستطاعت الحكومة استعادة المناطق الكردية وخصوصاً تلك التي تضم حقول النفط شرقاً في المستقبل.
هل تخلى الروس عن الأكراد؟
تسعى روسيا للظهور بمظهر الوسيط الرئيسي في سوريا، وقد ساعدتها معركة عفرين بشكل كبير لتحقيق ذلك، إذ أن القصف التركي لعفرين الخاضعة لسيطرة موسكو غير المباشرة، قد تمّ على مايبدو بموافقة ضمنية من روسيا.
وأنشأت روسيا علاقات جيدة مع وحدات حماية الشعب الكردي، ودعتها للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، الذي عقد مؤخراً في سوتشي، لتمنحها بهذه الخطوة اعترافاً رسمياً أكبر من الذي حصلت عليه من أميركا، إلا أن الهجوم على عفرين وتّر العلاقات بين روسيا والأكراد، الذين تركوا وبأيديهم خيارات قليلة، وعاجزون عن عقد أي صفقة مع دمشق دون موافقة موسكو.
الأجندة الإيرانية في "عفرين"
ندّد الرئيس الإيراني حسن روحاني، الحليف القوي لنظام الرئيس الأسد بالهجوم التركي على عفرين، معتبراً أي تدخل أجنبي في سوريا مرفوضاً إن تمّ دون موافقة دمشق.
ستستفيد إيران من معركة عفرين في إحكام السيطرة على النظام بشكل أكبر، وتوطيد العلاقات مع كل من أكراد سوريا والضغط على تركيا، لدورها في المعركة، إذ تشير تقارير إلى أن الميليشيات المتحالفة مع حكومة دمشق، والتي تحاول دخول عفرين مدربة من قبل إيران، كما أن ذلك سيساعدها في وقف التأثير الأميركي في الشمال، إذ أن تواجد حلفائها هناك سيقوّي من تأثيرها في المنطقة، ويضعها على مقربة من تركيا.
الولايات المتحدة الأميركية بين نارين
وضعت معركة عفرين الولايات المتحدة الأميركية في موقف محرج، إذ وجدت نفسها أمام خيارين صعبين، فإما مواصلة دعمها لوحدات حماية الشعب الكردي، أو خسارة تركيا حليفتها في المنطقة.
وحسب الصحيفة الأميركية، فإن واشنطن لا تريد من جهة التخلّي عن الأكراد، ولكنها في ذات الوقت تدرك أن أي خلل في منظومة حلف شمال الأطلسي "ناتو"، سيشكل انتصاراً لروسيا.
ستزيد أهمية عفرين بالنسبة للأميركيين إن واصلت تركيا زحفها نحو الشرق، لأن ذلك سيرفع من مخاطر اندلاع مواجهة مباشرة مع جنودها المتواجدين في منبج، لذا تحاول واشنطن إيجاد حل دبلوماسي لرأب الصدع مع حليفتها، عبر إرسال عدد من المسؤولين البارزين للقاء الحكومة التركية.