مترجم: طموحات إسرائيل في خضم الحرب ما بين الحقيقة والانفصال عن الواقع!
ترجمة صدى نيوز - نشرت صحيفة غلوبس العبرية، مقالاً للضابط المتقاعد في الجيش الإسرائيلي، ومحرر الشؤون العسكرية فيها دين شموئيل إلمز حول طموحات إسرائيل المستقبلية على كل الجبهات.
ويقول إلمز في مقاله التحليلي المطول، إن مسألة الحدود مثلت مكانة هامة في الخطاب الإسرائيلي، وكان ذلك واضحًا خلال حرب الأيام الستة حتى اتفاقية السلام مع مصر، لكن هذه المهمة كانت معقدة بالنسبة للجبهة الشمالية عندما دخلت إسرائيل في 6 حزيران 1982 إلى لبنان لإبعاد تهديد منظمة التحرير الفلسطينية، وهي مهمة انتهت بنجاح، ولكن على مدى السنوات ال 18 التالية، بقيت إسرائيل تغرق في الوحل اللبناني حتى انسحبت بعد ضغوط كبيرة في عام 2000.
أما في الجبهة الجنوبية (غزة)، وبعد 5 سنوات من مشهد لبنان تكرر المشهد حين تم إخلاء مستوطنات قطاع غزة وشمال الضفة، وبعد عامين فقط قامت حماس بانقلاب في القطاع ضد فتح، وفي 7 أكتوبر من العام الماضي، تسلل "إرهابيون" من نخبة حماس وسكان غزة وقاموا بهجوم كبير ضد المستوطنات المحيطة. كما يقول، وترجمت صدى نيوز.
ينقل إلمز في مقاله التحليلي عن إيال بينكو من قسم العلوم السياسية في مركز بيغن والسادات للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان، قوله "يبدو أنه لم تكن هناك حرب تتحدى تصور إسرائيل للحدود مثل الحرب الحالية .. لقد ضربنا الواقع على وجوهنا في 7 أكتوبر، وأدركنا أنه عندما لا يكون من الممكن إنشاء مساحة تحذيرية (منطقة عازلة) تبلغ كيلومترًا أو كيلومترين، فهناك صعوبة كبيرة، والآن مطلوب حل يتجاوز هذا الوقع، ولهذا السبب يتم طرح السؤال المتعلق بمحور فيلادلفيا، والذي في حال تم الخروج منه فإنه سيتحول لمكان مركزي مجددًا لتسليح حماس، وهذا أمر مهم للغاية .. إذا لم يكن لدى الجيش الإسرائيلي السيطرة، فإن احتمال عودة حماس إلى التسلح بوتيرة سريعة مرتفع، حتى في غضون عام واحد".
ويشير إلمز إلى أن الحرب الحالية على الجبهة الجنوبية (غزة) ليست أقل أهمية من مسألة الحدود على الشمال، خاصة بعد إجلاء عشرات الآلاف من المستوطنين من منازلهم في أعقاب الخطر الذي باتت تشكله قوة الرضوان عند السياج عقب فشل تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 الذي انتهت به حرب لبنان الثانية عام 2006، وبدلاً من بقاء حزب الله بعيدًا عن الحدود بقي في جنوب لبنان، الأمر الذي غير من حقيقة الواقع هناك.
ويرى المحلل العسكري الإسرائيلي، كما ترجمت صدى نيوز، أن حالة غزة تمامًا مثل لبنان، تفرض سؤالاً سيرافق الإسرائيليين لسنوات، حول ضرورة إعادة تفكير إسرائيل في مفهومها الدفاعي.
ويتساءل الضابط المتقاعد من الجيش الإسرائيلي: إذا كان بإمكان إسرائيل العيش بسلام عندما يكون "العدو" على الحدود، فكم عدد الجنود الذين يجب أن يتمركزوا عند هذه الحدود؟ الحدود، وهل الحل هو إقامة شريط حدودي أمني فقط؟!.
وقال إلمز: سيتعين على صناع القرار وكبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية أن يقدموا إجابات واضحة على كل هذه الأسئلة قريبًا، لكن ما هو مؤكد: ما كان ليس ما سيكون مستقبلاً.
الخبير في مجال الحدود والخرائط، والعقيد احتياط في الجيش الإسرائيلي شاؤول أرئيلي، وهو الذي خدم في حرب لبنان الأولى كقائد سرية في كتيبة المظليين بلواء ناحال، وفي عام 1994 خدم كقائد اللواء الشمالي في قطاع غزة، ومن ثم رئيسًا لدائرة التفاوض في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، رأى أن الاستقرار يتأثر بشكل أساسي بالعلاقة بين الأطراف، لكنه في مرحلته الأولى التي تستمر لسنوات يجب أن يكون ذلك مبنيًا على تأمين الحدود باستخدام المبادئ المعروفة في أي جيش، وعدم البناء في هذه الحالة على "الإنذار الاستخباراتي المعلوماتي" فقط.
وأشار في حديث خص به كاتب المقال التحليلي، أن التحذير الاستخباراتي في الوقت المناسب مطلوب حاليًا، لكن عدم وجوده كما جرى في السابع من أكتوبر تسبب في فقدان إسرائيل لقدرتها في كيفية الرد بالوقت الحقيقي على القدرات الهجومية لحماس، واستغرق الأمر أكثر من 24 ساعة لتكوين صورة للوضع ولما جرى.
ويرى أرئيلي أن أفضل حل لمعضلة الحدود مع غزة ولبنان، ليس الاكتفاء بإقامة جدار عازل فوق وتحت الأرض، مزود بوسائل تكنولوجية كبيرة، لكن الخيار الأفضل، هو تجريد "العدو" من السلاح، بمعنى إنشاء منطقة يُحظر فيها أي نشاط عسكري، مستدلاً بذلك على "نزع السلاح في شبه جزيرة سيناء وفقًا لقرار مجلس الأمن والذي يمنع إمكانية تمركز جيش أجنبي على حدود إسرائيل، لكن من ناحية أخرى لا يمس بشكل مفرط بالسيادة المصرية هناك، وهذا هو الأمر والفكرة الصحيحة والأفضل بالنسبة للفلسطينيين، وهي نزع سلاح الدولة الفلسطينية، وأيضًا في لبنان حيث ينبغي إبقاء حزب الله شمال نهر الليطاني". كما يقول وترجمت "صدى نيوز".
يشير إلمز إلى التكلفة التي تبلغها عمليات بناء العوائق الحدودية والتي تكلف إسرائيل سنويًا مبالغ باهظة خاصة في عملية البناء وعند تطويرها.
ينقل إلمز عن العميد المتقاعد موتي بيسير المستشار المالي لهيئة الأركان العامة ورئيسًا لقسم الميزانية في وزارة الجيش الغسرائيلي في الفترة 1997-2000، إلى أنه عندما تم بدء بناء الجدار العازل للضفة الغربية كان محددًا بطول 350 كيلو مترًا، وتبين لاحقًا أن الطول مضاعفًا بـ 700 كيلو متر، لأنه لم يتم وضع الخطوط الحديدية بشكل صحيح، وكانت هناك تقديرات مختلفة للتكاليف، حيث قدر في البداية بمليون شيكل لكل كيلو متر، ومن الناحية العملية تبين أن تكلفته 10 مليون شيكل كل كيلو متر واحد، وبإجمالي 7 مليارات شيكل.
ويشير إلى أن العائق على الجبهة الشمالية طوله 120 كيلو مترًا، لكنه أكثر تطورًا ويوصف بالأكثر ذكاءً، وبلغت تكلفته 16 مليون شيكل للكيلو متر الواحد بما مجموعه نحو 2 مليار شيكل.
فيما بلغ طول السياج مع قطاع غزة، والذي صمم لمواجهة تهديد الأنفاق وأصبح رمزًا للفشل في السابع من أكتوبر، 60 كيلو مترًا، وبلغت تكلفة الكيلو متر الواحد من 60 إلى 70 مليون شيكل، بإجمالي 4 مليار شيكل.
ويشير المقال التحليلي العسكري إلى أن تكلفة الصيانة السنوية لكل جدار لا تقل عن 200 مليون شيكل في العام الواحد.
ولفت كاتب المقال التحليلي، إن الإمكانات التكنولوجية وبناء العوائق الأمنية وإقامة المناطق العازلة وحدها لا تكفي، ولا بد من العمل على القضاء بشكل كامل على التنظيمات المسلحة، ولكن من الواضح أنه من غير المؤكد قدرة إسرائيل على ذلك ويبدو أن الأمر ليس سهلاً.
ويقول مايكل باراك الباحث في معهد مكافحة الإرهاب في كلية لاندر للدبلوماسية الحكومية والاستراتيجية في جامعة رايخمان، "من الصعب للغاية تدمير منظمة إرهابية، خاصة عندما تكون الفكرة متجذرة في المجتمع المدني"، مشيرًا إلى أن حماس تحكم قطاع غزة منذ حوالي 16 عامًا، وأنشأت تشكيلات الدعوة بدءًا من سن الصفر فصاعدًا، والتي تهدف إلى إنشاء جيل مستقبلي من المقاتلين الجهاديين ضد إسرائيل، والوضع مماثل في حزب الله والحوثيين وطالبان. كما قال.
ويشير إلمز إلى ضرورة أن يكون هناك خطة للتغيير الأيديولوجي والاجتماعي، وإنشاء طريقة لإيجاد بديل من أمل بدلاً من البحث عن الانتقام.
ويجمع العديد من المختصين الأمنيين والاستراتيجيين الإسرائيليين أنه من الصعب القضاء على حماس وحزب الله، باعتبار أنهما منظمتين كما الكثير من المنظمات متجذرين في أوساط مجتمعاتهم.
ويرون، كما ينقل عنهم إلمز، أنه كان من الخطأ الانسحاب من جنوب لبنان، ومن غزة وشمال الضفة الغربية، مشيرين إلى أن ذلك كانت نقطة تحول جعلت العلاقات العسكرية المجتمعية في إسرائيل أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، وهذا ما يظهر من محاولات حكومة نتنياهو التعامل مع مسألة كيفية سن قانون التجنيد الذي سيفيد الأحزاب الحريدية وليس أمن إسرائيل.
وتقول عيديت شافران جيتلمان، الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إن هناك شعور داخل الإسرائيليين بعدم وجود استراتيجية وهناك انعدام واضح للثقة على المستوى السياسي، مشيرةً إلى أن القرارات التي تتخذ لا تنبع من أسباب عملية هذا ما يراه الإسرائيليون، لكن ذلك بدأ يتغير في ظل الحملة التي تطال لبنان والهجمات في كل مكان، لكن السؤال الذي يفرض نفسه حاليًا فيما إذا كان الشيء الصحيح هو يجب أن تكون هناك قوات بغزة ولبنان، لكن هذا إن جرى سيجر إسرائيل إلى الوحل، وفي أي وقت يقتل فيه جنود ستطرح مسألة عدالة هذه الحرب.
وينقل إلمز عن مختصين تحدث إليهم، أن الحكم العسكري مطلوب في غزة لمنع حماس من التنظيم وبناء قدرات متجددة، لكن الحل يكمن في طرح هدف سياسي استراتيجي، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على الشمال، هناك حاجة إلى هدف إضافي إلى الهدف العسكري بعد أن تركت إسرائيل سابقًا فراغًا كبيرًا في لبنان وغزة بعد انسحابها من هناك، ولا بد حاليًا من إشراك المجتمع الدولي حول الانجاز المطلوب في جنوب لبنان.
ويمكن تلخيص الموقف، كما يقول إلمز: أن الوضع الحالي بحاجة إلى مسألة استراتيجية من أمن واقتصاد وسياسة، وقبل كل شيء مسألة الإيمان بصحة الطريق، وهذا السؤال قد يعيد تشكيل حدودنا.