واشنطن بوست: إسرائيل حوّلت الذكاء الاصطناعيّ إلى آلة قتل في حرب غزّة
أهم الأخبار

واشنطن بوست: إسرائيل حوّلت الذكاء الاصطناعيّ إلى آلة قتل في حرب غزّة

صدى نيوز -تناول تقرير نشرته صحيفة "الواشنطن بوست" الأميركية، استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي عمل بشكلٍ أساسي على إنتاج "أهداف للقصف" طوال العدوان الإسرائيلي.

وأشار التقرير، إلى أنه ما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، "أمطرت القوات الإسرائيلية غزة بالقنابل، مستفيدة من قاعدة بيانات جُمِّعَت على مر السنين، والتي توضح عناوين المنازل والأنفاق والبنية التحتية الأخرى الحيوية للجماعة المسلحة".

وأضاف: "لكن بعد ذلك، نفدت مخزونات الأهداف. وللحفاظ على وتيرة الحرب المحمومة، لجأ الجيش الإسرائيلي إلى أداة ذكاء اصطناعي معقدة تسمى ’هابسورا’، أو ’الإنجيل’، والتي كانت قادرة على توليد مئات الأهداف الإضافية بسرعة".

وبحسب شخصين مطلعين على العملية، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي لإعادة تعبئة بنك الأهداف لدى الجيش الإسرائيلي بسرعة مكن الجيش الإسرائيلية "مواصلة حملته دون انقطاع".

وقالت الصحيفة الأميركية: "هذا مثال على كيف ساهم البرنامج الذي استمر العمل عليه لعقد من الزمان لوضع أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، في مركز عمليات الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، ضمن عنف حرب إسرائيل التي استمرت 14 شهرًا على غزة".

وكشف تحقيق "الواشنطن بوست"، عن نقاش داخل أعلى مستويات الجيش الإسرائيلي، بدأ قبل سنوات من السابع من تشرين الأول/أكتوبر، حول جودة المعلومات الاستخباراتية التي جُمِعَت بواسطة الذكاء الاصطناعي، وما إذا كانت توصيات التكنولوجيات قد حظيت بتدقيق كافٍ، وما إذا كان التركيز على الذكاء الاصطناعي قد أضعف قدرات الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي.

ويشير المنتقدون الداخليون إلى أن برنامج الذكاء الاصطناعي كان "قوة وراء الكواليس تعمل على تسريع حصيلة الضحايا في غزة، والتي أودت الآن بحياة 45 ألف شخص، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال".

ويقول أشخاص مطلعون على ممارسات الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك الجنود الذين خدموا في الحرب، إن "الجيش الإسرائيلي وسع بشكل كبير عدد الضحايا المدنيين المقبولين عن المعايير التاريخية". ويشير البعض إلى أن "هذا التحول ممكن من خلال الأتمتة، مما جعل من السهل توليد كميات كبيرة من الأهداف بسرعة، بما في ذلك المسلحين منخفضي الترب الذين شاركوا في هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر".

واستند تحقيق الصحيفة الأميركية، إلى مقابلات أجريت مع أكثر من اثني عشر شخصًا على دراية بالأنظمة، وتحدث العديد منهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة تفاصيل موضوعات الأمن القومي السرية للغاية، فضلًا عن الوثائق التي حصلت عليها صحيفة "الواشنطن بوست".

وقال ستيفن فيلدشتاين، الزميل البارز في مؤسسة كارنيغي، الذي يبحث في استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب: "إن ما يحدث في غزة هو نذير لتحول أوسع نطاقًا في كيفية خوض الحرب". وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي "خفض معدل الضحايا المدنيين المقبول خلال حرب غزة"، وفق تعبيره. وأضاف: "اجمع بين هذا والتسارع الذي توفره هذه الأنظمة، فضلًا عن أسئلة الدقة، والنتيجة النهائية هي عدد قتلى أعلى مما كان متصورًا في الحرب من قبل".

وبحسب مسؤول استخباراتي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته؛ لأن إسرائيل لا تكشف عن أسماء قادة الفرق، فإن الجيش الإسرائيلي يطلب من الضابط التوقيع على أي توصيات من أنظمة "معالجة البيانات الضخمة". وأضاف هذا الشخص أن نظام "الإنجيل" وأدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى لا تتخذ القرارات بشكل مستقل.

تكثفت عمليات التطوير في قسم استخبارات الإشارات في جيش الدفاع الإسرائيلي، المعروف باسم وحدة 8200، منذ عام 2020 تحت قيادة يوسي سارييل، مما أدى إلى تحويل عمل القسم وممارسات جمع المعلومات الاستخباراتية.

وكان سارييل من رواد تطوير نظام الذكاء الاصطناعي "الإنجيل"، وهو برنامج تعلُّم آلي مبني على مئات من الخوارزميات التنبؤية، والذي يسمح للجنود بالاستعلام بسرعة عن مجموعة ضخمة من البيانات المعروفة داخل المؤسسة العسكرية باسم "المسبح".

وبمراجعة كميات هائلة من البيانات المستمدة من الاتصالات التي اُعْتُرِضَت، ولقطات الأقمار الصناعية، والشبكات الاجتماعية، تعمل الخوارزميات على استخراج إحداثيات الأنفاق والصواريخ وغيرها من الأهداف العسكرية. ويتولى إحدى الضباط الكبار وضع التوصيات التي "تمر من التدقيق الذي يجريه محلل الاستخبارات في بنك الأهداف".

وباستخدام تقنية التعرف على الصور في البرنامج، يمكن للجنود اكتشاف الأنماط، بما في ذلك "تغييرات طفيفة عبر سنوات من لقطات الأقمار الصناعية لغزة تشير إلى أن حماس دفنت قاذفة صواريخ، أو حفرت نفقًا جديدًا على أرض زراعية، مما أدى إلى ضغط أسبوع من العمل في 30 دقيقة"، وفقًا لما قاله قائد عسكري سابق عمل على الأنظمة.

ويستخدم جيش الاحتلال أداة أخرى للتعلم الآلي، تسمى "لافندر"، تعمل على البحث عن نسبة مئوية للتنبؤ بـ"مدى احتمالية أن يكون الفلسطيني عضوًا في جماعة مسلحة، مما يتيح للجيش الإسرائيلي بتوليد عدد كبير من الأهداف البشرية المحتملة بسرعة". وتحمل برامج خوارزمية أخرى أسماء مثل Alchemist وDepth of Wisdom وHunter وFlow، حيث يسمح الأخير للجنود بالاستعلام عن مجموعات بيانات مختلفة، ولم يتم الإبلاغ عنه سابقًا.

وبحسب التقرير: "لم تشر التقارير المقدمة إلى القيادة العليا إلى كيفية استخلاص المعلومات الاستخباراتية، سواء من المحللين البشريين أو أنظمة الذكاء الاصطناعي، مما يجعل من الصعب على المسؤولين تقييم النتائج"، وفقًا لمسؤول عسكري كبير سابق.

ووجدت مراجعة داخلية أن بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي لمعالجة اللغة العربية بها أخطاء، حيث فشلت في فهم الكلمات والعبارات العامية الرئيسية، وفقًا للقائدين العسكريين السابقين.

وتتنبأ تكنولوجيا التعلم الآلي في جيش الاحتلال الإسرائيلي أيضًا بـ"عدد المدنيين الذين قد يتأثرون بالهجمات. وفي حرب غزة، اُسْتُخْلِصَت تقديرات لعدد المدنيين الذين قد يتضررون في غارة جوية من خلال برامج استخراج البيانات، باستخدام أدوات التعرف على الصور لتحليل لقطات الطائرات بدون طيار جنبًا إلى جنب مع الهواتف الذكية التي تدق أبراج الهواتف المحمولة لإحصاء عدد المدنيين في منطقة ما"، وفقًا لما ذكره اثنان من الأشخاص.

وأوضحت الصحيفة: "في عام 2014، كانت نسبة الضحايا المدنيين المقبولة لدى الجيش الإسرائيلي مدنيًا واحدًا لكل مسلح رفيع المستوى"، كما قال تال ميمران، المستشار القانوني السابق للجيش الإسرائيلي. وفي حرب غزة الآن، ارتفع العدد إلى نحو 15 مدنيًا لكل عضو منخفض المستوى في حماس، و"أعلى بشكل كبير" بالنسبة للأعضاء من المستوى المتوسط ​​والرفيع، وفقًا لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "كسر الصمت"، مستشهدة بشهادات عديدة من جنود الجيش الإسرائيلي. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن العدد بلغ 20 في وقت سابق من هذا الأسبوع.

وأشار التقرير، إلى أنه تحت قيادة سارييل وقادة استخباراتيين آخرين، أعادت الوحدة 8200 هيكلتها للتركيز على المهندسين، وخفض عدد المتخصصين في اللغة العربية، وإزالة العديد من القادة الذين يعتبرون مقاومين للذكاء الاصطناعي، وحل بعض المجموعات التي لا تركز على تكنولوجيا استخراج البيانات، وفقًا لثلاثة من الأشخاص. وبحلول السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كان 60 في المائة من موظفي الوحدة يعملون في أدوار هندسية وتقنية، وهو ضعف العدد قبل عقد من الزمان، وفقًا لأحد الأشخاص.

وقال اثنان من كبار القادة السابقين في جيش الاحتلال، إنهما يعتقدان أن التركيز الشديد على الذكاء الاصطناعي كان السبب الرئيسي وراء وقوع إسرائيل في فخ ذلك اليوم، أي 7 تشرين الأول/أكتوبر. فقد بالغت الإدارة في التأكيد على النتائج التكنولوجية وجعلت من الصعب على المحللين رفع التحذيرات إلى كبار القادة.

وقال أحد القادة العسكريين السابقين، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لوصف موضوعات الأمن القومي: "كان هذا مصنعًا للذكاء الاصطناعي. لقد اُسْتُبْدِل الرجل بالآلة".

وفي عام 2019، قبل عامين من توليه منصب قائد الاستخبارات، أمضى سارييل عامًا إجازة في جامعة الدفاع الوطني، وهي مؤسسة ممولة من البنتاغون في واشنطن تدرب قادة الأمن القومي من جميع أنحاء العالم. وقال أستاذ في جامعة الدفاع الوطني، تحدث إلى صحيفة "الواشنطن بوست"، بشرط عدم الكشف عن هويته لوصف علاقة شخصية، إنه وسارييل يتشاركان رؤية جذرية للذكاء الاصطناعي في ساحة المعركة، بحجة أن إسرائيل يجب أن تتفوق على حلفاء الولايات المتحدة الأكثر حذرًا.

وفي كتاب كتبه سارييل أثناء فترة إجازته ونشره تحت اسم مستعار، وضع رؤية لغرس الأتمتة في مؤسسات الأمن القومي. وفي كتابه "الفريق البشري الآلي: كيفية خلق التآزر بين الذكاء البشري والاصطناعي"، يصف سارييل كيف يمكن التنبؤ بـ"أفعال الإرهابيين المنفردين مسبقًا من خلال إطلاق العنان للخوارزميات لتحليل مواقع الهواتف، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، ولقطات الطائرات بدون طيار، والاتصالات الخاصة التي اُعْتُرِضَت"، وفق تعبيره.

وفي رؤية سارييل الواسعة، فإن الذكاء الاصطناعي سوف يمس جميع جوانب الدفاع، سواء في وقت السلم أو الحرب. وباستخدام تقنيات المراقبة بالذكاء الاصطناعي، ستصبح حدود إسرائيل "حدودًا ذكية". ومن خلال جمع المسارات الرقمية، يمكن للجيوش بناء "بنوك أهداف" متقدمة بأسماء ومواقع وأنماط سلوك الآلاف من المشتبه بهم. وخلص إلى أن هذه التقنيات يمكن أن تحل محل 80% من محللي الاستخبارات المتخصصين في اللغات الأجنبية في غضون خمس سنوات فقط.

وتابع التقرير: "عاد سارييل إلى إسرائيل وهو يحمل في جعبته خططًا لتجسيد أفكاره على أرض الواقع. وفي صيف عام 2020، عيَّنه أفيف كوخافي، رئيس أركان الجيش آنذاك والمؤيد الكبير لأدوات الذكاء الاصطناعي، لتولي قيادة الوحدة 8200، وهي أكبر وأعرق فرقة في الجيش الإسرائيلي".

وأضاف التقرير: "عندما تولى سارييل القيادة رسميًا في شباط/فبراير 2021، كانت الوحدة 8200 تجري تجارب على علوم البيانات لأكثر من سبع سنوات، وفقًا لخمسة قادة عسكريين سابقين، حيث واجهت انفجارًا في الاتصالات الرقمية التي وفرت منجمًا ذهبيًا لوكالات الأمن القومي. واكتسبت الوحدة النخبة سمعة طيبة في جمع مجموعة من الرسائل المباشرة والرسائل الخاصة ورسائل البريد الإلكتروني وسجلات المكالمات وغيرها من الفتات عبر الإنترنت باستخدام تقنيات الإنترنت الداخلية التي تعتبر الأفضل في العالم. لكن خبراء الأمن الإلكتروني في 8200 كانوا بحاجة إلى طرق لفهم البيانات التي حصدوها".

واستمرت في القول: "بعد فشل التواصل خلال حرب 2006 ضد حزب الله في لبنان، أعاد الجيش الإسرائيلي حساب استراتيجيته لتبادل المعلومات والبيانات. حينئذ، لم تكن وحدات الاستخبارات تتقاسم المعلومات مع الجنود في ساحة المعركة، كما يقول بن كاسبيت، كاتب العمود الإسرائيلي في صحيفة المونيتور، والذي يكتب كتابًا عن وحدة 8200. ولمنع مثل هذه الأمور، طورت وكالة التجسس الإسرائيلية، ووحدة 8200 قاعدة بيانات، ’المجمع’ لإيواء جميع الاستخبارات العسكرية في مستودع واحد".

وأوضحت الصحيفة: "مع بداية طفرة ’البيانات الضخمة’ في وادي السليكون، بدأ المهندسون الإسرائيليون في تجربة أدوات استخراج البيانات الجاهزة التي يمكنها ترجمة وتحليل اللغتين العربية والفارسية. وتناقش قادة الوحدة حول ما إذا كان عليهم التعاقد مع خبراء، مثل شركة استخراج البيانات في وادي السليكون بالانتير، أو بناء برامجهم الخاصة. والنهج الأخير نجح. ولكن التقنيات، على الرغم من الاعتراف بها على نطاق واسع باعتبارها واعدة، كانت محدودة. ففي بعض الأحيان كان حجم عمليات التنصت الهائل يربك محللي 8200. على سبيل المثال، كثيرًا ما استخدم عناصر حماس كلمة ’بطيخ’ كرمز لقنبلة، كما قال أحد الأشخاص المطلعين على الجهود المبذولة. ولكن النظام لم يكن ذكيًا بما يكفي لفهم الفرق بين محادثة حول بطيخة حقيقية ومحادثة مشفرة بين عناصر حماس".

ويتابع التقرير: "مع انتقاله إلى القيادة العليا، عمل سارييل على تسريع جهود استخراج البيانات. فقد دافع عن إعادة تنظيم واسعة النطاق قسمت جهود الاستخبارات إلى ما أشار إليه القادة باسم ’مصانع الذكاء الاصطناعي’ الموجودة في "مركز الأهداف" الذي أُنْشِئ حديثًا في قاعدة نيفاتيم الجوية في جنوب إسرائيل. وقد صممت كل فرقة مئات من الخوارزميات المصممة خصيصًا وتقنيات التعلم الآلي، وتبادلت التنبؤات البرمجية عبر سلسلة القيادة الاستخباراتية".

واستمر في القول: "استثمر الجيش في تقنيات سحابية جديدة تعالج الخوارزميات بسرعة، استعدادًا للصراع المتوقع مع حزب الله على الحدود الشمالية. وسمح تطبيق يسمى Hunter للجنود في ساحة المعركة بالوصول المباشر إلى المعلومات. كما أنشأ تطبيقًا جوالًا آخر يسمى Z-Tube حيث يمكن لجنود الجيش الإسرائيلي في المعركة مراجعة مقاطع فيديو حية للمناطق التي كانوا على وشك دخولها، وتطبيق آخر يسمى Map It، والذي قدم تقديرات في الوقت الفعلي للخسائر المدنية المحتملة في منطقة معينة أُخْلِيَت".

وأوضح تقرير "الواشنطن بوست": "كان برنامج 8200 يحتفظ منذ فترة طويلة ببنك أهداف: قائمة بإحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) الدقيقة للبنية التحتية لحماس وحزب الله والأهداف البشرية، والتي حُدِّد موقعها جغرافيًا في نفق معين أو طابق مبنى سكني. كان الحفاظ على بنك الأهداف يتطلب الكثير من العمل. وكان المحللون مطالبين بتأكيد نتائجهم من مصدرين مستقلين على الأقل وتحديث المعلومات باستمرار"، وفقًا لثلاثة أشخاص مطلعين على البرنامج. وقال خمسة أشخاص إنه قبل الدخول رسميًا إلى البنك، كان يجب "التحقق" من صحة الهدف المقترح من قبل ضابط كبير ومحامٍ عسكري لضمان امتثاله للقانون الدولي.

وقال اثنان من الأشخاص إن قادة الاستخبارات، بقيادة سارييل، يعتقدون أن التعلم الآلي يمكن أن يسرع بشكل كبير هذه العملية المضنية.

وقال مسؤول عسكري سابق آخر مطلع على عملية تشكيل الأهداف الجديدة: "استغرق الأمر من مديرية الاستخبارات سنوات لتحقيق بنك من هذا النوع من الأهداف، ولكن ماذا يحدث إذا دربت الذكاء الاصطناعي على تقليد عمل ضابط الاستهداف؟".

وأوضح التقرير: "اشتملت الجهود على جمع مليارات الإشارات من أجهزة الاستشعار الموضوعة على الطائرات بدون طيار وطائرات إف-35 وأجهزة رصد الزلازل تحت الأرض، فضلًا عن الاتصالات التي اُعْتُرِضَت. وتم إقران هذه الإشارات بقواعد بيانات تضم أرقام الهواتف وملفات تعريف وسائل التواصل الاجتماعي وجهات الاتصال المعروفة ومجموعات الدردشة والوثائق الداخلية. وأُدْخِلَت المعلومات في برامج يمكنها قراءة الأنماط والتنبؤ بمن وما يمكن استهدافه".

وحول الخوارزمية، قالت التقرير: "دُرِّبَت خوارزمية التعرف على الصور للبحث في آلاف الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية لتحديد نوع معين من القماش الذي استخدمه مسلحو حماس لإخفاء حفرهم بحثًا عن صاروخ مدفون".

وقال ثلاثة أشخاص مطلعون على الأنظمة لصحيفة "الواشنطن بوست"، إن برنامج لافندر، وهو برنامج خوارزمي طُوِّر في عام 2020، فحص البيانات لإنتاج قوائم بأسماء نشطاء محتملين من حماس والجهاد الإسلامي، مع إعطاء كل شخص درجة تقدر احتمالية أن يكون عضوًا. وقال الأشخاص إن العوامل التي يمكن أن ترفع درجة الشخص تشمل الوُجود في مجموعة واتساب مع ناشط معروف، أو تبديل العناوين وأرقام الهواتف بشكل متكرر أو ذكر اسمه في ملفات حماس.

وأعرب بعض قادة جيش الاحتلال، عن قلقهم بشأن دقة هذه الخوارزميات. وكشفت إحدى عمليات التدقيق على تقنية معالجة اللغة أن التنبؤ بالبرمجيات لم يكن دقيقًا مثل الضابط البشري، وفقًا لاثنين من الأشخاص.

وقد أعرب آخرون عن قلقهم من أن التوقعات التي حُصِل عليها من خلال البرنامج تحظى بوزن أكبر مما ينبغي. ففي العادة، كان قسم الأبحاث يصدر تقارير استخباراتية يومية ليتمكن كبار القادة من مراجعة الأهداف المحتملة. ولكن برغم أن المحلل الفردي كان بوسعه النقر مرتين على الملف لمعرفة المعلومات التي أدت إلى التنبؤ، فإن كبار القادة لم يكونوا على علم بما إذا كانت التوصية مستمدة من خلال خوارزمية، أو من خلال مصادر بشرية.

وقال مسؤول كبير سابق آخر: "لقد تم التعامل مع كل شيء على أنه واحد. ولست متأكدًا حتى من أن الشخص الذي أعد التقرير كان يعرف الفرق بين قطع المعلومات".

وقال اثنان من كبار القادة العسكريين السابقين لصحيفة "الواشنطن بوست"، إن التركيز على التكنولوجيا أدى إلى تآكل ’ثقافة التحذير’ في وحدة 8200، حيث كان حتى المحللين من المستوى المنخفض قادرين بسهولة على إطلاع كبار القادة على المخاوف". وأضافا أن هذا التحول هو السبب الرئيسي وراء مفاجأة إسرائيل بالهجوم الذي وقع في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، موضحًا: "لم تتمكن المحللة المتمرسة التي كشفت عن خطط حماس في ساحة المعركة لاقتحام حدود إسرائيل من الحصول على اجتماع مع كبار قادة الوحدة في الوقت المناسب".

ويقول كاسبيت، الصحفي الإسرائيلي الذي أجرى مقابلات مع كل قائد حي من قادة الوحدة 8200 من أجل كتابه: "الخلاصة هي أنه لا يمكنك استبدال الرجل الذي يصرخ قائلًا: اسمع، هذا أمر خطير، بكل تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة في العالم. كانت هذه الغطرسة هي التي أصابت الوحدة بأكملها".

وفي عام 2023، تفاخر رئيس أركان الجيش المتقاعد حديثًا، أفيف كوخافي، لإحدى وسائل الإعلام بأن أنظمة الذكاء الاصطناعي الجديدة منحت الجيش الإسرائيلي، جهاز استخبارات متطورًا في الوقت الفعلي "يشبه فيلم 'ماتريكس'". وقبل نظام "الإنجيل"، كان المحللون قادرين على إنتاج 50 هدفًا جديدًا في غزة سنويًا لوضعها في بنك الأهداف. وقال: "بمجرد تنشيط الآلة، فإنها تولد 100 هدف يوميًا".

وفي كتابه، زعم سارييل أن الذكاء الاصطناعي سيكون مفيدًا بشكل خاص في زمن الحرب، عندما يكون قادرًا على تسريع تشكيل الهدف وتفجير عنق الزجاجة البشري الذي أبطأ كل شيء".

وفي حزيران/يونيو 2021، استخدمت إسرائيل أول فرصة لـ"إطلاق بنك الأهداف الجديد الذي يعمل بالخوارزميات". ومع اندلاع حرب استمرت 11 يومًا، استخدم الجيش الإسرائيلي علم البيانات لضرب 450 هدفًا، بما في ذلك قائد فرقة صواريخ حماس وإحدى وحدات الصواريخ المضادة للدبابات التابعة للحركة، وفقًا لمحاضرة ألقاها قائد الفرقة 8200 في جامعة تل أبيب.

وقد استغل كبار القادة هذه اللحظة كفرصة ترويجية لمناقشة ثورة الذكاء الاصطناعي التي تجري في نيفاتيم، وداخل مقر 8200 شمال تل أبيب مباشرة. وقال شخص لـ"الواشنطن بوست"، إن كل ما أراد كبار القادة في إسرائيل، قوله هو "الحديث عن أول حرب ذكاء اصطناعي في العالم".

وباعتراف إسرائيل ذاتها، لعب الذكاء الاصطناعي دورًا كبيرًا في عملية الاستهداف في غزة. ففي غضون أيام من السابع من تشرين الأول/أكتوبر، انهالت على القطاع الذخائر الأميركية الصنع من طراز مارك 80 التي يبلغ وزنها 2000 رطل.

في بيان صحفي صدر في الثاني من تشرين الأول/نوفمبر 2023، أعلن الجيش الإسرائيلي أن نظام "غوسبل"، ساعده على قصف 12 ألف هدف في غزة. وعلى أنغام موسيقى درامية وفيديو لمباني تنفجر، أعلن البيان الصحفي عن "تعاون هو الأول من نوعه" حيث يتم تزويد القوات على الأرض، وفي الجو وفي البحر بالمعلومات الاستخباراتية من مصنع الأهداف بالذكاء الاصطناعي في الوقت الفعلي، مما يتيح "تنفيذ مئات الهجمات في لحظة".

وقال آدم راز، المؤرخ الإسرائيلي الذي أجرى مقابلات مع جنود وقادة حول استخدام الذكاء الاصطناعي في وحدة 8200، إنه حسب أن الجيش الإسرائيلي كان يضرب هدفين تقريبًا في الدقيقة في ذروة القصف، وهو ما وصفه بمعدل "مذهل"، وفق تعبيره.

وقال أحد ضباط الاستخبارات لصحيفة "الواشنطن بوست"، إنه شهد استخدام الجيش الإسرائيلي للذكاء الاصطناعي لاختصار الطرق لاتخاذ قرارات الاستهداف. وتحدث الجندي بشرط عدم الكشف عن هويته؛ لأن وصف التكنولوجيا العسكرية دون موافقة الحكومة يعد جريمة في إسرائيل.

وفي الأيام الأولى من الحرب، كان مصنع الأهداف يعمل بكامل طاقته، وكان يعمل به نحو 300 جندي على مدار الساعة. وكان مطلوبًا من العديد من المحللين التحقق من الأهداف الموصى بها من أنظمة "الإنجيل واللافندر"، وهي عملية قد تستغرق من ثلاث دقائق إلى خمس ساعات.

وقد خُفِّضَت القاعدة التي تلزم باستخدام قطعتين من المعلومات الاستخباراتية البشرية للتحقق من صحة تنبؤ "لافندر" إلى قطعة واحدة في بداية الحرب، وفقًا لشخصين مطلعين. وفي بعض الحالات في فرقة غزة، هاجم جنود لم يتلقوا تدريبًا جيدًا على استخدام التكنولوجيا أهدافًا بشرية دون التحقق من تنبؤات لافندر على الإطلاق، كما قال الجندي. وفي أوقات معينة، كان التأكيد الوحيد المطلوب هو أن الهدف كان رجلًا، وفقًا لشخص آخر مطلع على الجهود.

وقال الجندي: "لقد بدأنا بلافندر، ثم قمنا بأعمال الاستخبارات، في بداية الحرب، قلصوا العمل إلى النصف، وهو أمر جيد، لأنها حرب. كانت المشكلة أنهم في بعض الأحيان قلصوا العمل بالكامل".

وتابع التقرير: "للتتبع السريع للأشخاص الذين أشار إليهم لافندر باعتبارهم أعضاء محتملين في حماس، حصل الجيش الإسرائيلي على صور حية لأشخاص في منازلهم باستخدام طريقة رفض الجندي وصفها. ومكنته أدوات التعرف على الوجه المصممة خصيصًا من مقارنة الصور بالصور الموجودة لأعضاء حماس في قاعدة بيانات لافندر". مشيرًا إلى أن بعض الجنود أعربوا عن قلقهم من أن الجيش يعتمد فقط على التكنولوجيا دون التأكد من أن هؤلاء الأشخاص ما زالوا أعضاء نشطين في حماس.

واستمر الجندي، بالقول: "كما تراجعت المخاوف بشأن التناسب: فبعض الأشخاص الذين تم التقاطهم في الصور ربما كانوا أفرادًا من العائلة، وقد وافق قادة الجيش الإسرائيلي على أن هؤلاء الأشخاص أيضًا سوف يُقتلون في هجوم".

وأوضح التقرير: "في مرحلة ما، صدرت الأوامر للوحدة باستخدام برنامج كمبيوتر لتقدير الخسائر المدنية في حملة قصف استهدفت حوالي 50 مبنى في شمال غزة. وقد أعطيت لمحللي الوحدة صيغة بسيطة: قسم عدد الأشخاص في منطقة ما على عدد الأشخاص الذين يُقدر أنهم يعيشون هناك، ثم استنتجوا الرقم الأول من خلال إحصاء الهواتف المحمولة المتصلة ببرج خلوي قريب. وباستخدام إشارة مرور حمراء وصفراء وخضراء، سوف يومض النظام باللون الأخضر إذا كان معدل إشغال المبنى 25% أو أقل، فهي عتبة تعتبر كافية للانتقال إلى القائد لاتخاذ القرار بشأن ما إذا كان سيتم القصف أم لا".

وقال الجندي إنه "شعر بالذهول إزاء ما اعتبره تحليلًا مبسطًا للغاية. فهو لم يأخذ في الاعتبار ما إذا كان الهاتف المحمول قد يكون مغلقًا، أو نفدت منه الطاقة أو الأطفال الذين لن يكون لديهم هاتف محمول". وقال الجندي إنه بدون الذكاء الاصطناعي، ربما كان الجيش قد اتصل بالأشخاص لمعرفة ما إذا كانوا في المنزل، وهو جهد يدوي كان ليكون أكثر دقة، ولكنه استغرق وقتًا أطول بكثير.

وقالت هايدي خلف، وهي منتقدة صريحة لإسرائيل وكبيرة علماء الذكاء الاصطناعي في معهد الذكاء الاصطناعي، وهي منظمة غير ربحية مقرها نيويورك تنتج توصيات سياسية، إن أنظمة الذكاء الاصطناعي بها أخطاء مدمجة تجعلها غير مناسبة لسياق الحياة والموت مثل الحرب. وأشارت خلف إلى أن صناعة المركبات ذاتية القيادة أمضت العقد الماضي في محاولة الحصول على خوارزميات التعلم الآلي الخاصة بها بدقة 100%، دون نجاح يذكر.

وقال ميمران، المحامي السابق في الجيش الإسرائيلي، إنه "لا يزال يعتقد أن الجيوش في الغرب يجب أن تتبنى أدوات الذكاء الاصطناعي لمحاربة المنافسين مثل الصين، لكنه يشعر بالقلق بشأن دقة عملية اتخاذ القرار المدعومة بالذكاء الاصطناعي في ضباب الحرب عالي الضغط". موضحًا: "من حيث السرعة، إنها نقطة تحول. ولكن هل هي نقطة تحول من حيث الجودة؟ لا أعتقد ذلك".

المصدر: الترا فلسطين