جدل وتبادل اتهامات حول منح تراخيص لمراكز دينموميتر في الضفة
أهم الأخبار

جدل وتبادل اتهامات حول منح تراخيص لمراكز دينموميتر في الضفة

تحقيق: رؤى حديدي ومحمد تلاحمة وصهيب العويوي

صدى نيوز: مشاريع افتتاح مراكز دينوميتر ومراكز فحص هندسي للمركبات جديدة في مناطق مختلفة يُفترض أن تكون خطوة تسهم في تحسين الفحص الفني للمركبات في فلسطين، لكن ذلك تحول إلى نقطة جدل كبيرة بين أطراف متعددة. الفكرة كانت بسيطة: "توفير خدمات أفضل للسائقين بتكلفة أقل". لكن الواقع كشف عن تداخل كبير في المصالح والنزاعات التي تعرقل تنفيذ المشاريع وأثارت أسئلة حول مدى اتباع إجراءات تراعي النزاهة والشفافية. 

ويشهد قطاع الفحص الفني للمركبات (الدينموميتر) حالة من التوتر بين وزارة النقل والمواصلات من ناحية، وأصحاب المراكز الخاصة من ناحية ثانية. قرار الوزارة بافتتاح مراكز جديدة للفحص الفني أثار جدلاً واسعاً، حيث يرى العاملون في القطاع الخاص أن هذه الخطوة تهدد مستقبلهم، فيما تصر الوزارة على أنها تهدف إلى تخفيف الأعباء عن المواطنين.

ما الفرق بين الدينوميتر ومركز الفحص الهندسي؟


الدينموميتر ومراكز الفحص الهندسي هما أدوات ومنشآت تُستخدم لتقييم حالة المركبات، لكن لكل منهما وظيفة وهدف مختلف. مركز الفن الهندسي هو جهاز ميكانيكي يُستخدم في ورش الصيانة المتقدمة أو مختبرات تطوير السيارات، ويهدف إلى قياس أداء المحرك بدقة من خلال تحديد القدرة الحصانية، عزم الدوران، واختبار كفاءة استهلاك الوقود والانبعاثات، بالإضافة إلى تحليل أداء المركبة تحت ظروف تشغيل معينة. أما الدينموميتر فهو  يختص بفحص  السلامة الفنية والقانونية للمركبات، حيث تركز على فحص هيكل السيارة ومكوناتها، وقياس كفاءة المكابح والإطارات، والتحقق من مستويات الانبعاثات ومدى توافق المركبة مع معايير المرور والقوانين المحلية.

الفرق الأساسي بينهما يكمن في أن مركز الفن الهندسي يركز على تحليل الأداء الميكانيكي للمركبة، بينما يهدف الدينوميتر  إلى ضمان سلامة المركبة على الطرق وحماية المستخدمين والبيئة.

التوزيع الجغرافي لمراكز الدينمومترات في الضفة

يوجد في الضفة الغربية (18) مركز دينموميتر (9) منها تابعة للبلديات (الخليل، وسلفيت، ودورا، وجنين، وحلحول، وقلقيلية، ويطا، وطولكرم، و نابلس)، و(8) منها تابع للقطاع الخاص (2 في رام الله، 2 في نابلس، 1 في بيت لحم، و 1 في أبو ديس، و1 في جنين، و1 في أريحا).
بعد افتتاح مراكز الدينموميتر الجديدة ستحتوي محافظة رام الله والبيرة وحدها على (7) مراكز تخدم (60)  ألف مركبة بالمقابل مدينة القدس تحتوي على(6) مراكز لخدمة مليون وثلاثمائة ألف مركبة ومثال آخر مدينة عمان يوجد بها (6)  مراكز لخدمة 800 ألف مركبة ما يولد جدلاً حول الجدوى الاقتصادية التي اعتمدتها وزارة النقل والمواصلات وعلى أية معايير استندت لاتخاذ مثل هذا القرار؟

قرار سابق بوقف منح التراخيص

يذكر أن أنه تم إصدار أمر رسمي في عام 2022 من قبل وزير النقل والمواصلات السابق لمنع إصدار تراخيص جديدة لمراكز فحص المركبات (الدينموميتر) بأي حال من الأحوال، وتم وضع لجنة مكونة من أربعة موظفين (الأسماء محفوظة) لمتابعة هذا القرار، وقد تواصل معدو التحقيق معهم لكنهم فضلوا عدم الحديث.

وحصل معدو التحقيق على وثيقة رسمية تثبت أن منح التراخيص لافتتاح مراكز دينمو ميتر جديدة ومراكز فحص هندسي يتعارض مع توجهات سابقة لوزارة النقل والمواصلات ولجانها الفنية والمختصة التي أوصت بإجراء دراسة احتياج قبل تحديد منح تراخيص جديدة من عدمه. 

هل القرارات غير "مدروسة"؟

يقول مدير دينموميتر كلية الشهيد أبو جهاد عبد الله الحلو إن وزارة النقل والمواصلات تتخذ قرارات دون دراسة جدوى اقتصادية صحيحة، ما يسبب خسائر مؤكدة للمراكز التي سيتم افتتاحها بجانب المراكز الحالية. وأوضح الحلو أن مدينة رام الله كان بها سابقاً مركز دينموميتر حقق أرباحاً معقولة، لكن الوزارة أصدرت خمسة تراخيص جديدة في المدينة، ليصل إجمالي المراكز إلى سبعة، ما يوزع الأرباح ويؤدي إلى خسائر محتومة.

وأشار الحلو إلى أن الوزارة لم تعتمد على أي دراسات جدوى ولم تتبع سياسات سليمة في منح التراخيص. وأوضح أنه حسب الإجراءات كان ينبغي أن تقوم البلدية بنفسها بتشغيل الدينموميتر، لكن الوزارة سمحت بتضمين الترخيص لمستثمر خاص.

وأضاف الحلو أن عدد المركبات التي تم ترخيصها في عام 2023 عبر مركزين دينموميتر في رام الله بلغ(59,712 ) مركبة، بينما المسجل بسجلات الوزارة هو(140,000) مركبة. وأشار إلى أن التراخيص تُسجَّل في رام الله وتوزع على المحافظات، بما في ذلك الشركات الكبيرة مثل "جوال"و "بالتل" و"الوطنية موبايل".

وأكد الحلو أن عدد الملصقات التي توضع على المركبات عند فحصها من قبل الوزارة يثبت عدد المركبات المرخصة، منوهاً إلى أن المواطنين لايشتكون بشأن بُعد الموقع أو وجود ضغط على المركز.

وشدد الحلو على أن الوزارة تتحمل مسؤولية القرار الذي يجعل افتتاح مركز ربحي بتكلفة تقارب(7) ملايين شيقل يعود بخسارة بدلاً من تحقيق عائد مادي يغطي التكاليف. وأعلن أن الوزارة ستتحمل الخسارة وسيرفعون قضية خسارة ضد الوزارة. 

وأضاف الحلو أنهم أرسلوا إشعارا للوزير ورئيس الوزراء، مرفقاً بوثائق تثبت خطورة المضي قُدماً في القرار المثير للجدل. ومن بين الوثائق دراسة جدوى اقتصادية أعدها الخبير الأستاذ ثابت أبو الروس، تؤكد الخسائر المؤكدة التي ستلحق بالمراكز الجديدة والقائمة على حد سواء.
 وسيتم قريباً إرسال مناشدة للرئيس محمود عباس وطلب عقد اجتماع معه أو مع المستشار القانوني للرئيس لمناقشة القضية. وختم بالقول إن قرار الوزارة يعرضهم للإفلاس ولم ترد حتى الآن على الإخطارات.

عبد الناصر المصري صاحب دينموميتر في مدينة رام الله أشار إلى أن فتح خمسة مراكز دينموميتر جديدة في رام الله سيؤدي إلى إغلاق المراكز في القرى المجاورة، ما يعرض الجميع للإفلاس. وأوضح أن المحامي أحمد الأشقر قدّم إخطاراً للوزارة يعترض على جميع هذه التفاصيل، وفي حال عدم استجابة الوزارة والجهات المعنية، سيتم اللجوء للقضاء.

وأضاف عبد الناصر أنه بسبب غياب مجلس تشريعي، فإنه يتم إصدار القوانين من قبل الوزير أو مجلس الوزراء دون إجراء دراسة جدوى لتحديد حاجة البلد. وزعم أن البلديات مفلسة ولا تستطيع تحمل كلفة هذه المشاريع، ما يدفعها للتوجه إلى الشركات الخاصة ومنحها الإذن بافتتاح الخدمة، رغم أن هذه الاتفاقيات غير قانونية.

وتساءل عبد الناصر عن سبب عدم اتباع الإجراءات المتبعة بالوزارة مثل الإعلان في الصحف الرسمية عند منح التراخيص للاستثمار. وأوضح أن البلديات مدعومة من وزارة الحكم المحلي على عكس مؤسسات القطاع الخاص.

 وأضاف أن افتتاح مراكز الدينمو الجديدة سيتسبب في إغلاق المراكز في القرى المجاورة، ما يدفعه لتقليص عدد الموظفين لديه إلى أقل من النصف. وأشار إلى أن افتتاح مركز في سلواد لن يكون هناك عليه رقابة لمتابعة سير العمل وفق القانون لأنها مناطق لا تخضع لسيطرة السلطة الوطنية، على عكس دينمو المصري الذي يتم مراقبته يومياً من خلال طاقم السلامة على الطرق والمفتشين.

افتتاح مراكز جديدة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية غير ممكن هذا ما أكده محمود سرور صاحب دينموميتر أبو ديس، مشيراً إلى أن الواقع الاقتصادي الحالي مرير حيث يشهد حالة من الانهيار. وأوضح سرور أن مدينة رام الله تحتوي على مركزين للدينموميتر، ولا تحتاج إلى مراكز جديدة، خاصة في ظل الظروف الحالية التي لا تساعد على افتتاح مراكز جديدة.

وأضاف أن الوضع في منطقة القدس يعتبر صعباً للغاية. ففي اليوم الذي يتم فيه ترخيص (25)  مركبة، يعتبر عيداً قومياً (على حسب قوله). وأشار إلى أن المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحكومة شبه منكوبة ولا تستطيع الوزارة مراقبة العمل فيها بشكل كامل، ما يصعب الرقابة على المراكز.

وأكد سرور أنه عندما حصل على الترخيص، لم يُطلب منه تسجيل أي عقار أو مبنى باسم الوزارة. بل قدموا عرضاً لاستخدام مبنى قريب من الدينموميتر كمبنى لدائرة السير، نظراً لوجود مبنى الدائرة الحالي في منطقة مكتظة بالسكان. ومع ذلك لم يتلقوا رداً إيجابياً حتى الآن.

(م.م) أحد أصحاب الدينموميتر في الضفة الغربية أوضح  أن تشغيل دينموميتر واحد يتطلب استثماراً أولياً يصل إلى(3)  ملايين دولار، مع مصاريف تشغيلية شهرية تقارب(100) ألف شيقل. وأشار إلى أن منح تراخيص جديدة دون دراسة جدوى يؤدي إلى تقليص الأرباح وجودة الخدمات.

"إذا زاد عدد المراكز فإن الأرباح تنخفض تدريجياً. عند وجود خمسة مراكز أو أكثر، سنعمل في ظروف لا تسمح حتى بتغطية التكاليف التشغيلية". وأشار إلى أن المعدات المستخدمة مكلفة جداً، حيث يمكن أن تصل تكلفة إصلاح أحد الأجهزة إلى(50) ألف دولار. كما انتقد تفاوت الرقابة، حيث تُفرض إجراءات صارمة على المراكز الخاصة، بينما تحصل البلدية على تسهيلات وإعفاءات ضريبية، ما يخلق منافسة غير عادلة.

رأي مخالف..هناك حاجة

جواد الغانم مدير دينموميتر في مدينة أريحا، صرح لمعدي التحقيق أن مركز الدينموميتر مصدر رزق حيوي للجميع، ولا يُعد افتتاح مراكز جديدة في المناطق التي تحتاج إلى هذه الخدمة خطأً. فمدينة مثل رام الله تحتاج بطبيعتها إلى مثل هذه المراكز، وكذلك مدن أخرى مثل بيت لحم، وأريحا، والخليل. 

وقال إن توجه أصحاب مراكز الدينموميتر إلى القضاء لإيقاف العمل بالتراخيص الجديدة كان بدافع المصالح المادية، وليس كما يزعم البعض بأن هذه المناطق لا تحتاج إلى مراكز جديدة.
وأكد أن تقديم التراخيص للبلديات يعزز منافع متعددة للمجتمع، منها زيادة دخل البلدية وتقديم خدمات أوسع للمواطنين. 

ولفت إلى أنه عند الحصول على ترخيص لافتتاح مركز دينموميتر، لم يكن من ضمن الشروط تقديم عقار أو بناء معين للحكومة، لافتاً إلى أن فرض شرط تقديم عقار أو بناء للحكومة مقابل الترخيص هو أمر غير قانوني. وقد سبق أن تقدمت بعرض لإعطاء بناء للوزارة مقابل ترخيص جديد، ولكن تم رفض العرض.

وفيما يتعلق بتقديم بناء لوزارة النقل والمواصلات لمدة(10)  سنوات لاستخدامه كدائرة سير في بيت لحم، لفت إلى أن ذلك تم مقابل عدم افتتاح مركز دينمو ميتر آخر، قائلاً إن صاحب أحد مراكز الدينوميتر في الضفة قدم مبنى دائرة سير لمدة (10) سنوات مقابل منع افتتاح مركز آخر في المنطقة المتواجد فيها. وعندما طلب معدو التحقيق وثيقة الترخيص من جواد الغانم رفض تقديمها دون إبداء الأسباب.

رؤسات بلديات يؤيدون القرار 

أكد نضال شاهين رئيس بلدية بيرزيت، أن المجلس البلدي السابق قدّم طلب الدينموميتر قبل تسلمه مهامه. في هذا العام صدر قرار من مجلس الوزراء بأن الدينموميتر يتبع للبلديات. وأوضح شاهين أن بلدة بيرزيت تضم (38) تجمعاً سكانياً ويزيد عدد الداخلين والخارجين منها عن(200) ألف مواطن.

وأضاف أن الدينموميترات المتوفرة حالياً توجد فقط في مدينة البيرة. وأشار إلى أن أصحاب الدينموميترات الحاليين اعترضوا على إصدار التراخيص لأنهم يريدون جني المال لأنفسهم فقط. وأوضح أنه توجد دراسة جدوى ولكن لا توجد تفاصيل لحين تشكيل لجنة، مقابل الحصول على التراخيص، قدّموا دائرة سير ودينموميتر مع موظفين من طرفهم للعمل داخل مقر دائرة السير، وسيتم بناء الدينموميتر لصالح البلدية.

وحول حصولهم على الرخصة بشكل غير قانوني وعدم اتباع الإجراءات القانونية مثل الإعلان في الصحف، أكد شاهين أنه عندما يصدر قرار من مجلس الوزراء لا حاجة لنشره في الصحف. 

وأضاف أن قرار المجلس البلدي ينص على أن جميع الدينموميترات تدعم الهيئات المحلية، وذلك لتوفير دخل إضافي لها للقيام بمسؤولياتها. لذلك تم تحويل جميع الدينموميترات للهيئات المحلية حسب قرار مجلس الوزراء. في نهاية المقابلة، رفض شاهين الإفصاح عن الوثيقة الموقعة بين بلدية بيرزيت ووزارة النقل والمواصلات.

كما أكد شاكر دولة رئيس بلدية بيتونيا، أنهم لم يحصلوا على ترخيص دينموميتر، وتتوفر لديهم فقط رخص السيارات وتجديد الهويات. حصلوا سابقاً على موافقة لإقامة دينموميتر لكن الشروط كانت تعجيزية، مثل البناء على مساحات واسعة بتكلفة تصل إلى ثلاثة ملايين دولار، وهو أمر خارج قدرتهم.

حالياً، لديهم موافقة مبدئية لإنشاء دينموميتر، بينما كانت الشروط سابقاً تعجيزية. وأشار دولة إلى أن البلديات الأخرى حصلت على التراخيص بينما لم تُمنح بلديتهم ذلك حتى الآن.

تواصلت البلدية مع أصحاب دينموميترات في رام الله وأخبروهم بوجود خمسة دينموميترات قيد المتابعة للحصول على تراخيص. حالياً وافقت السلطات المحلية على مشاركة المجتمع المحلي مع البلدية، ما يسمح لأصحاب رؤوس الأموال بمساعدة البلدية مقابل الحصول على نسبة في المشروع.

بشأن الجغرافيا، أكد دولة أن بيتونيا هي البوابة الرئيسية للقرى الغربية وتم اختيار الموقع بالقرب من محطة وقود "الخواجا". وأوضح أن وجود الدينموميتر في بيتونيا سيساعد المواطنين بدلاً من التوجه لرام الله، ما يسهل عليهم اتمام الإجراءات اللازمة. وأضاف دولة أن وزيري الحكم المحلي وانقل والمواصلات متفهمان للوضع ويرغبان في مساعدة الناس، مشيداً بقرار وزير النقل والمواصلات لتسهيل عملية الحصول على التراخيص وزيادة دخل البلدية.

وأفاد رائد حامد رئيس بلدية سلواد، أن بعض الأشخاص طالبوا بفتح دينموميتر في سلواد بناءً على خطة استراتيجية للبلدية. وأوضح أن البلدية ستتكفل ببناء وتجهيز مبنى خاص لدائرة السير وتسليمه لوزارة النقل والمواصلات، مما سيعود بالفائدة على أكثر من(10) قرى. وأضاف أن الوزارة وافقت على الطلب بعد شهرين من تقديمه. وأكد أن البلدية وضعت خطة بديلة في حال تعرض المشروع للخسارة، بتضمينه للقطاع الخاص.

جدير بالذكر أن مدينة رام الله وضواحيها تحتوي حالياً على مركزين دينموميتر فقط، وتم منح خمسة مراكز جديدة خلال فترة استلام حكومة الدكتور محمد مصطفى مهامها. بينما تحتوي مدينة الخليل وضواحيها على أربعة مراكز دينموميتر فقط، على الرغم من أن عدد سكانها يفوق بكثير عدد سكان محافظة رام الله والبيرة.

وصرح مصدر مطلع من داخل وزارة النقل والمواصلات بان الاتفاقيات التي عقدت بين بلديات ومستثمرين هي التفافعلى القانون، كون أن هناك تراخيص منحت من الوزارة إلى بلديات شكلياً ولكن الأخيرة  تعاقدت من الباطن   مع مستثمرين من القطاع الخاص، مايثير كثير من الشبهات حول هذا الأمر.

الوزارة تبرر إصدار التراخيص الجديدة

في مقابلة مع فراس ياسين، رئيس قسم الإدارة العامة لهندسة المركبات في وزارة النقل والمواصلات، أوضح أن الوزارة استندت في إصدار تراخيص مراكز الدينموميتر إلى سياسة مشتركة مع وزارة الحكم المحلي لدعم البلديات. وأضاف ياسين أن البلديات في حال عدم قدرتها على إقامة المشروع، تقوم بإرسال كتاب بعدم إصدار تراخيص.

وحول قدرة البلديات المالية، أكد ياسين أن الحكم المحلي يقرر بناءً على طلب البلديات، مع إمكانية مشاركة القطاع الخاص في المشروع. وفيما يتعلق بالاعتراضات على عدد المراكز في رام الله أكد ياسين أن الوزارة ردت على التظلمات وأن هذه الاعتراضات غير صحيحة، مشيراً إلى أن الوزارة لا تتحمل مسؤولية فشل المشروع إذا قدمته بلدية.

أما عن البلديات الأخرى مثل سلواد، فبين ياسين أن عدد المركبات في القرى المحيطة يجعلها تفي بالشروط القانونية. وأوضح أن المراقبة تتم من خلال كاميرات المراقبة المجهزة في مراكز الدينموميتر لضمان عدم حدوث التلاعب.

كما أكد ياسين أن الوزارة تلتزم بتسهيل حصول المواطنين على التراخيص، مضيفاً أن شرط الوزارة يتطلب توفير مكاتب ترخيص داخل مراكز الدينموميتر. وفيما يخص الخسائر أشار إلى أن الوزارة لا تتحمل أي تعويضات في حال تعثر القطاع الخاص.

في تصريح رسمي أدلى به المتحدث باسم وزارة النقل والمواصلات محمد حمدان، أوضح أن الوزارة بالتعاون مع وزارة الحكم المحلي، أجرت دراسة أظهرت أن هناك عدداً كبيراً من المركبات المسجلة في مدينة رام الله، وبناءً على ذلك،  وحرصاً على التخفيف من معاناة المواطنين في ظل الأوضاع الحالية والاغلاقات المستمرة، قررت الوزارة افتتاح عدد من مراكز الفحص الفني (الدينموميترات) في مدينة رام الله.

ووفقاً لتصريح حمدان، تم منح ثلاثة تراخيص جديدة لمراكز الفحص في (رام الله، وروابي، وسلواد). وعلى الرغم من إصدار خمسة تراخيص (رام الله، وسلواد، وروابي، وبيتونيا، وبيرزيت)، إلا أن الاتفاقية الرسمية التي تم توقيعها بين وزارة النقل والمواصلات ووزارة الحكم المحلي تشمل فقط (رام الله، وسلواد، وروابي).

وأشار حمدان إلى أن عدم الموافقة على تراخيص بيتونيا وبيرزيت قد يكون موضوعاً للتفاوض في المستقبل. وأضاف أن آلية صرف التراخيص تتطلب توقيع اتفاقية بين الوزارة، وزارة الحكم المحلي، والبلدية المعنية.

وأكد أن إعطاء ترخيص لروابي جاء لخدمة القرى المجاورة، حيث إن عدد سكان منطقة روابي قليل مقارنةً بسكان القرى المجاورة، وكذلك عدد المركبات المسجلة فيها. وبيّن أن وزارة النقل والمواصلات قامت بعمل دراسة جدوى اقتصادية تتناسب مع عدد المركبات المسجلة في المدينة، ووجدت أن هذه الخطوة ستكون مناسبة وتخفف عن المواطنين.

وأشار المتحدث إلى أن منح التراخيص للبلديات يهدف إلى منفعة المواطنين، حيث سيتم صرف الدخل المتحصل على الخدمات العامة في الهيئات المحلية. كما أوضح أن بعض البلديات قد تتوجه لمنح الترخيص لمستثمر خاص بناءً على اتفاق معين.

وحسب وثيقة التفاهم بين وزارة النقل والمواصلات وبلدية روابي تضمنت بنداً ينص على أنَّ مدينة روابي تقع ضمن منطقة استراتيجية تخدم القرى والبلدات التي تقع بالقرب منها مثل بلدة بيرزيت، لكن اللافت  في الأمر أنه تم اصدار ترخيص لبلدة بيرزيت . مع العلم أن تعداد سكان المدينة لا يتجاوز 1000 شخص.

مع العلم أن معدي التحقيق تواصلوا مع أحد المسؤولين بوزارة الحكم المحلي من أجل إجراء مقابلة وحوار حول قضية روابي، لكنه رفض الحديث.  

محام: الإجراء غير قانوني

في مقابلة مع المحامي أحمد الأشقر، أوضح أن نقابة الديمنوميتر قدمت إخطاراً إلى الحكومة ولم يتم الرد عليه حتى الآن، رغم تصريح فراس ياسين بأنه تم الرد دون الكشف عن طبيعة الرد.

وأشار الأشقر إلى أن الحكومة تفرض على البلديات تسليم مبانٍ باسم وزارة النقل والمواصلات، معتبراً هذا الإجراء غير قانوني. وأكد أن التراخيص التي تقدمها مؤسسات الدولة لأي جهة أهلية يجب ألا تكون مقابل تمليك الحكومة عقارات، حيث يُعتبر ذلك فرض رسوم بدون قانون.

وأضاف أن الدولة هي المسؤولة عن بناء المباني الحكومية، وأن مقايضة المطلوب منها بإجراء اتفاقيات مقابل تقديم تراخيص غير مدروسة قد تؤدي إلى انهيار هذا القطاع.

وأوضح أن البلديات لا تستطيع بناء العقارات للدولة وستلجأ إلى المستثمرين. ومع ذلك، أشار إلى أن دراسة الجدوى التي يجريها المستثمرون غالباً ما تكشف عن عدم إنتاجيتها، ما يؤدي إلى إضعاف قدرة البلديات المالية والإدارية وتحقيق خسائر مؤكدة. وأكد أن دراسات الجدوى التي أجراها اتحاد نقابة الدينموميتر للبلديات والقطاع الخاص والمراكز المرخصة سابقاً تدعم هذا الرأي.

وشدد على ضرورة إعداد دراسة جدوى اقتصادية حسب الأنظمة والتعليمات، والإعلان عنها للجمهور الفلسطيني لمن يرغب. وأضاف أن الاتفاق بين البلدية والمستثمر لتسليم الترخيص ضمن إطار قانوني يعزز الشراكة بين القطاع الخاص والهيئات المحلية، لكن السؤال يبقى حول المسؤول عن الدينموميتر والالتزامات التي قد تنشأ عنه.

وأشار إلى أن البلديات ستكون مسؤولة عن أي أخطاء أو أضرار تحدث وليس المستثمر، لأن الترخيص في هذه الاتفاقيات يكون تحت مسؤولية البلديات. وأضاف أن الإعلان عن الحاجة والترخيص بناءً على حاجة السوق مهم لتجنب تضخم السوق والخسائر التي قد تلحق بالمراكز القائمة حالياً.

وأكد الأشقر أن القانون الأساسي الذي تستند إليه الدينموميترات يشير إلى وجود مخالفة صارخة للأنظمة والتعليمات الخاصة بمنح التراخيص، مثل عدم الإعلان وعدم توفر دراسة جدوى اقتصادية. مع العلم أن الناطق بإسم وزارة النقل والمواصلات محمد حمدان أشار إلى وجود دراسة جدوى وحاجة البلد لمراكز جديدة.

واختتم الأشقر حديثه بالتحذير من أن فتح الدينموميترات بدون استيفاء الشروط سيؤدي إلى طعن قانوني وشكاوى ضد الحكومة، مشيراً إلى أن الحكومة ستكون ملزمة بتعويض الخسائر وفقاً للقانون، رغم تصريح فراس ياسين بعدم وجود تعويضات. 

هيئة التقاعد العسكري تنسحب 

في بلدية في شمال الضفة الغربية، كان المشروع في بدايته واعدًا. حصلت البلدية بالتعاون مع شركة من القطاع الخاص على التراخيص اللازمة من وزارة النقل والمواصلات لإنشاء مركز فحص هندسي ودينموميتر. لكن سرعان ما بدأت المشاكل، وتوقفت التراخيص نتيجة خلافات مع الوزارة وضغوط من أطراف أخرى. حتى أن البلدية وشريكها لجأوا إلى القضاء الذي حكم لصالحهم، لكن المشروع لا يزال يواجه عدة عراقيل.

وفي نابلس، كانت هيئة التقاعد العسكري جزءًا من قصة مختلفة. الهيئة بدأت شراكة مع الوزارة للمشاركة في مشروع الدينموميتر، لكنها انسحبت بعد أن دخل مدنيون بمصالح خاصة تحت اسم هيئة التقاعد العسكري. وبالنسبة للهيئة، كان هذا خروجاً عن القانون، ما دفعها للانسحاب عن المشروع.

وصرّح اللواء محمود الفارس أن الهيئة العليا للمتقاعدين العسكريين على مستوى الوطن تقدمت بطلب للمشاركة في الدينموميتر بالتعاون مع وزارة النقل والمواصلات. وقد تم التقدم بالدينموميتر على أساس تخصيص نسبة معينة للهيئة، إلا أن "ظروفاً معينة" حالت دون إتمام هذا المشروع. وأوضح اللواء الفارس أن الوزارة والهيئة اختلفتا بشأن بعض التفاصيل، ما أدى إلى انسحاب هيئة المتقاعدين العسكريين من الدينموميتر. لاحقاً، تم منح الترخيص لجهة خاصة بشراكة مع أطراف ذات مصالح مستقلة.

وأشار اللواء الفارس إلى أن التراخيص الخاصة بالدينموميتر صدرت بأسماء مدنيين لهم مصالح خاصة، وهو ما دفع الهيئة للانسحاب. وأكد أن هيئة المتقاعدين العسكريين بصفتها جزءً أساسياً من تأسيس الدولة لا يمكنها العمل خارج إطار قانون المؤسسة الرسمية. كما شدد على أن استغلال اسم الهيئة لإصدار تراخيص لأي جهة خاصة هو أمر مرفوض تماماً.

واختتم اللواء الفارس تصريحاته بالتأكيد على أن الهيئة لم تكن الجهة الرئيسية في الدينموميتر، وإنما كانت شريكة فيه بالتعاون مع الوزارة، التي تولت مسؤولية إصدار التراخيص. وأوضح أن السبب الأساسي لانسحاب الهيئة هو دخول مدنيين لا ينتمون للهيئة كجزء من الدينموميتر، وهو ما يتعارض مع توجهات الهيئة وأهدافها.

وتمكن معدو التحقيق من الحصول على وثيقة رسمية تشير إلى تشكيل لجنة تحقيق داخل وزارة النقل والمواصلات عام 2022، والتي أكدت وجود تجاوز للإجراءات بخصوص آلية ترخيص  دينوميتر هيئة التقاعد العسكري-نابلس. وأوصت اللجنة بإحالة عدد من الموظفين داخل الوزارة إلى لجنة تحقيق انضباطية. 

كسب قضية..واتهامات بـ"الفساد"

صرح (ع.ع)  وهورئيس بلدية شمال الضفة بأن طلب الحصول على تراخيص للدينموميتر تم تقديمه باسم البلدية بالشراكة مع القطاع الخاص ، وقد تمت الموافقة عليها والحصول على التراخيص من وزارة النقل والمواصلات باسم البلدية وشركة القطاع الخاص معاً، مشيراً إلى أن الطواقم الخاصة للوزارة زارت الموقع وشاركت في وضع حجر الأساس وتقديم بعض الملاحظات، كما زار وزير النقل والمواصلات الموقع بنفسه.

وأكد (ع.ع) صحة الاتفاق الضمني وأن العمل عليه لايزال جارياً، لافتاً إلى أن  الاتفاق تضمن منح وزارة النقل للبلدية  وشركة القطاع الخاص تراخيص لإنشاء دينموميتر ومركز فحص فني، مقابل تخصيص مبنى على قطعة أرض للوزارة تُسجل باسم السلطة الوطنية.

وأشار (ع.ع ) إلى أن التراخيص توقفت لاحقاً  لـ"حجج معينة" من قبل وزارة النقل والمواصلات، ورداً على ذلك قامت  البلدية وشركة القطاع الخاص برفع قضية على الوزارة، وتمكنا من كسب القضية نظراً لأن جميع الأوراق المقدمة كانت صحيحة وقانونية، مشيراً إلى  إحالة ملف القضية لهيئة مكافحة الفساد. 

وأوضح (ع.ع) أنه لا يوجد سبب مقنع لسحب التراخيص بعد تجهيز مبنى الدينموميتر ومختبر الفحص الفني وتوظيف العاملين فيه. وأكد أن المشكلة ليست في المبنى ذاته، لأنه كان جزءًا من الاتفاق المسبق.

وزعم (ع.ع) أن من بين التعقيدات التي تواجه المشروع ما أسماه بـ(وجود فساد) داخل الوزارة، بالإضافة إلى الضغوط التي تمارسها بعض الأطراف، التي رفعت قضايا على البلدية وشركة القطاع الخاص، زاعماً أن الوزارة أصبحت تتأثر بتلك الضغوط .

كما أضاف أن الوزارة ترغب الآن في الاستحواذ على المبنى، على الرغم من الاتفاقات السابقة وإتمام افتتاح الدينموميتر ووضع حجر الأساس.

وأشار إلى أن البلدية وشركة القطاع الخاص اعترضتا على ذلك قائلا: "من الأساس قلنا أنه ما بزبط ، وبعد رفض إعطاءنا التراخيص لجأنا إلى القضاء وحصلنا على النتيجة التي نريدها".

وأشار (ع.ع) إلى أهمية مشروع الدينموميتر في خدمة المصلحة العامة، حيث انعكس ذلك إيجابياً على المواطنين. وأوضح أن التعامل مع المواطنين تغير بشكل كبير، إذ أصبح أكثر احتراماً ومساعدة. كما انخفضت تكلفة الفحص من(150)  شيقلا إلى 100 شيقل فقط، ما جعل بعض الأطراف تبذل كل جهدها لإيقاف المشروع.

كما وصرح مصدر في وزارة النقل والمواصلات أن الوزارة وقّعت اتفاقية مع هذه البلدية تقضي بمنح البلدية تراخيص لإنشاء دينموميتر ومركز فحص فني، مقابل تسليم البلدية مبنى مكون من طابقين بمساحة  لصالح الوزارة. وأوضح المصدر أن التراخيص صدرت باسم شركة القطاع الخاص بدلاً من البلدية، وهو ما أدى لاحقاً إلى إخلال البلدية بالاتفاق وامتناعها عن تسليم المبنى. بعد اكتشاف هذا الخلل، قررت الوزارة إلغاء جميع التراخيص الممنوحة للشركة والبلدية. ورداً على ذلك، رفعت شركة القطاع الخاص دعوى قضائية ضد الوزارة، وتمكنت من كسب القضية وإعادة فتح الدينموميتر والمركز الفني، دون تنفيذ بند تسليم المبنى.

وأكد المصدر أن السبب الرئيسي لخسارة القضية يعود إلى خطأ إداري من قسم الترخيص في الوزارة، وتم إحالة الملف إلى هيئة مكافحة الفساد للتحقيق في القضية ومحاسبة المسؤولين عن هذا الخلل.

وعلم فريق التحقيق  من مصادر موثوقة  أن ملف القضية وصل بالفعل إلى هيئة مكافحة الفساد،  لكن الهيئة تتحفظ  الافصاح عن أية معلومات بهذا الخصوص كونها مصنفة بأنها ضمن المعلومات السرية ولا يسمح الإطلاع عليها إلا بقرار من المحكمة.  

وحاول معدو التحقيق لاحقاً عدة مرات التواصل مع وزارة النقل والمواصلات للحصول على توضيحات حول القضية المطروحة، لكنها  لم تستجب لهذا الطلب.

ومن الناحية القانونية فإن الاتفاق بين البلدية ووزارة النقل والمواصلات غير قانوني كما ذكر الأشقر سابقاً، وأشار إلى أن الحكومة تفرض على البلديات تسليم مبانٍ باسم وزارة النقل والمواصلات، معتبراً هذا الإجراء غير قانوني. وأكد أن التراخيص التي تقدمها مؤسسات الدولة لأي جهة أهلية يجب ألا تكون مقابل تمليك الحكومة عقارات، حيث يُعتبر ذلك فرض رسوم بدون قانون.

وأضاف أن الدولة هي المسؤولة عن بناء المباني الحكومية، وأن مقايضة المطلوب منها بإجراء اتفاقيات مقابل تقديم تراخيص غير مدروسة قد تؤدي إلى انهيار هذا القطاع.

وعلى الرغم من أن قضية البلدية في شمال الضفة الغربية وقضية هيئة التقاعد العسكري تبدوان مختلفتين في بعض التفاصيل، إلا أن القاسم المشترك بينهما هو الصراع مع وزارة النقل والمواصلات والمشكلات الناتجة عن تداخل المصالح. وظهرت اتهامات للوزارة بعدم الشفافية والتأثر بضغوط أطراف خارجية، ما أدى إلى تعطيل سير المشروع وطرح علامات استفهام حول إدارة هذا الملف.

*هذه المادة ضمن مساق "الصحافة الاستقصائية" لطلبة كلية الإعلام في جامعة "القدس المفتوحة".