قال: لماذا لا تنجح برامج الكاميرا الخفية في فلسطين، حاولتُ عدة مرات لكنني فشلتُ وتوقفتُ عن التصوير، كنتُ في كل مرة أحتاج إلى مَن يحرُسني من ردة فعل الناس في بلدنا، كان عددُ الحلقات الموافق عليها ممن صورتهم قليلا، فما بين عشرين حلقة صورتها، وافق ضيوف خمس حلقات فقط على بثها، ثم أمرني الرافضون بمحو كل الحلقات المسجلة، وإلا سأتعرض للعقوبة، أليس هذا مرضا يستحق أن نتابعه، وأن نجد الطريقة المناسبة لعلاجه؟
ويضيف: حاولتُ مرة في أحد محلات بيع الألبسة أن أخفي شخصا، يقف إلى جوار تماثيل الألبسة، ليتحرك، ويثير خوف الزبائن، وردة فعلهم الطبيعية الصحية ليضحكوا، فحدث العكس تماما، حين أقدم أحد هؤلاء الخائفين إلى الإضرار بالمحل كله، لطمَ بعنف الممثل، وأوقعه أرضا، وشتمه بألفاظ نابية، حمدت الله أنه لم يكن مُسلحا، لذا، طلب مني صاحب المحل أن أغادر!.
مَن يُتابع برامج الكاميرا الخفية في كل بلدان العالم، يشاهد ردودَ فعل المُغرَّرِ بهم، فهم سرعان ما يغفرون، ثم يبتسمون، ثم يسعدون، ثم يوافقون على أن تُنشر لقاطتهم في كل وسائل الإعلام، على الرغم من أن أكثر هذه اللقطات تُشير إلى نقائصهم الفطرية المحبَّبة، وإلى رغباتهم الحسية المعتادة، أليس هذا دليلا على أن مساحة السعادة، والسماحة في المجتمعات العالمية أكبر بكثير من مساحتها في فلسطين؟!
ما أكثر لقطات الانفعال السريع والاقتتال، بخاصة في أسواقنا. البائعون مستفزون، والمشترون لا يغفرون، حتى أنهم حين لا يوافقون على البيع والشراء فإنهم لا يتركون المكان بلا نزاع، بل يتهمون بعضهم بعضا، ثم تتطور الاتهامات إلى معارك، لا تفضها إلا الشرطة أو زعماء العشائر والقبائل!
ليس من السهل أن ترى الابتسامات وهي مؤشر على السعادة على وجوه الفلسطينيين، فهم مهمومون، لذلك فإن الثنايا والطيات تغزو وجوههم في سن مبكرة، تذكرت موقفا لي عندما حضرتُ مسرحيةَ «الزعيم» بالقاهرة في بداية الألفية الثالثة، انشغلتُ طوال المسرحية بالمتفرجين الفرحين المقهقهين في المسرح، كنتُ أنا أقلَّهم ضحكا وانفعالا! حتى وأنا في بلد بعيد عن الأهل والأصدقاء، أرجعتُ السببَ حينئذِ إلى ضائقة الفلسطيني النفسية، والسياسية فنحن شعبٌ محتل، تعرَّض للقمع، والسجن، والنفي، والتشريد، والإفقار، لذا فنحن أقرب إلى الحزن والبكاء من الفرح والسرور، هذا استنتاجٌ تحليلي سريع.
تذكرتُ أنني كتبتُ كثيرا عن هذا الموضوع، وهو موضوعٌ يستحق البحثَ والتحليل، لأنه يشير إلى مرضٍ اجتماعي، سببه بالتأكيد لا يعود فقط إلى ضائقتنا السابقة، بل إن نتائج انتشاره خطيرةٌ على مستقبل نضالنا الوطني المستقبلي، بخاصةٍ على أطفالنا وبنيتهم النفسية، فهي تقتل فيهم عواطفهم الفطرية النبيلة، وتحدُّ من إبداعاتهم، وتدفعهم إلى كُره الوطن والهجرة منه، حاولتُ أن أعثر على أسبابٍ أخرى أدتْ إلى غياب روح التسامح والعفو في مجتمعنا الفلسطيني، فوجدت أن هناك غيابا كبيرا لدور الثقافة والفنون بمختلف أنواعها وبخاصة في برامج التعليم.
إن معظم برامج التعليم الحشوية المُعتَمدة رسميا، جالبةٌ  للكآبةَ والحزن، تَغتالُ من الأطفال أحاسيسهم الجميلة، ولا سيما حين تكون المحفوظاتُ المحشوُّة قَسرا منفرةً صعبةَ الفهم، مملوءةً بالتشاؤم والعنف!
كما أن إهمالنا للرياضات البدنية السمحة الجالبة لروح المرح والسعادة سببٌ آخر يُضاف إلى ما سبق! بخاصةٍ في الرياضة الشعبية واسعة الانتشار، وهي رياضة كرة القدم، فقد حولوها من رياضة مُتعة وتسامُح، تجلب السعادة إلى رياضةٍ تُحرِّضُ على الانقسام والتمييز العنصري، وتُسبب التعاسة، أفسدوها بألتراسات المشجعين، ولوبيات المناطق الجغرافية، وحولوها إلى ميليشيات عنصرية، وليست رياضية، تحقن نفوس البشر بالبُغض والكُره!