«صفقة تبادل الأسرى بين «حماس» وإسرائيل تنضج على نارٍ هادئة» عنوان تكرر أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة وبعدها، إلاّ أنّ هذا الملف، رغم هذا التفاؤل الذي تلحظه العناوين، ظلّ عالقاً كما معظم الملفات الأخرى رغم تراجع الاحتلال عن ربط هذا الملف بإعادة إعمار قطاع غزة، وهو الأمر الذي تم النظر إليه باعتباره إزالة لأحد معوقات وشروط لم تقبل بها حركة حماس، مع ذلك لم نلحظ أي تقدّم حقيقي تجاه فك شيفرة هذا الملف.
وبينما كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية، على مدى الأسابيع الأخيرة تبشّر بقرب التوصّل إلى مثل هذه الصفقة، ظلّت حركة حماس تشير وبشكلٍ متكرّر أنّ لا جديد على هذا الملف إلى أن ظهر تحوّل قبل أيامٍ قليلة يشير إلى أنّ هناك حراكاً نشطاً في سبيل حل عقدة هذا الملف، فالسلطة الوطنية أعلنت على لسان رئيس الحكومة أنها تتابع بجدية هذا الملف، داعية إلى الإفراج أولاّ عن الدفعة الرابعة التي سبق وأن التزمت بها إسرائيل، والإفراج عن المرضى والنساء والأطفال وغلق ملف الاعتقال الاداري نهائياً، وتأتي هذه الدعوة رغم اشارات اسرائيلية اعتبرت الهروب العظيم واعادة اعتقال الاسرى من شأنه أن يعقّد أكثر هذا الملف، خاصة بعدما أكّدت حركة حماس أنّ الأسرى الستة على رأس قائمة المطلوب الإفراج عنهم في أي صفقة محتملة ورفض اسرائيلي مباشر لهذا الشرط.
الجديد في الحديث عن هذه الصفقة ما تسرّب من خلال حركة حماس أنها قدّمت للوسطاء خارطة طريق واضحة، وأنّ الكرة أصبحت في الملعب الاسرائيلي، هذه الخارطة كما نعتقد إثر التراجع الاسرائيلي وفك الارتباط بين ملف الأسرى وملف إعادة الاعمار والبدء العملي بإطلاق اعادة الاعمار مع شكل من أشكال التهدئة على تخوم قطاع غزة، بالتوازي مع وصول حكومة الاحتلال إلى قناعة أنها عاجزة عن الضغط على حركة حماس في هذا الملف. إنّ الهدوء الذي بات الصفة الغالبة على تخوم قطاع غزة مع غلافه الاستيطاني من شأنه أن يمنح فرصة للتحرّك على ملف هذه الصفقة، خاصة بعد ما تسّرب عن لقاء القمة المصرية – الإسرائيلية في شرم الشيخ مؤخراً وإحاطة رئيس الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولتا بآخر تطورات هذا الملف، ما يشير إلى أن هناك دوافع اسرائيلية تملي على حكومة بينيت عقد هذه الصفقة.
ونعتقد أنّ إحدى العقبات الراهنة أمام فك ومن ثم اغلاق هذا الملف تتعلق برؤية متضاربة بين كل من حماس وإسرائيل، فـ «حماس» تريد إنهاء هذا الملف تماماً من خلال مرحلة واحدة، صفقة تبادل شاملة تتضمن إطلاق سراح الجنود الاسرائيليين مقابل اطلاق سراح كل ما تضمنه كشف الأسرى الفلسطينيين تم تسليمه للوسيط المصري الذي يضم اضافة إلى الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى، أصحاب المحكوميات العالية وقيادات فلسطينية من مختلف الفصائل والذين يخضعون لأحكام عالية، إضافة للأسرى الستة أبطال الهروب العظيم.
أما الجانب الإسرائيلي فيعترض على هذه الرؤية، ويريد أن تتم الصفقة على مراحل، كما يرفض إطلاق سراح الأسرى من ذوي الأحكام العالية والمتهمين بعمليات قتل إسرائيليين، وكذلك فإنه لن يخضع إلى شرط حركة حماس بإطلاق سراح الأسرى الستة، المرحلة الأولى كما ترى إسرائيل أن تقدّم «حماس» معلومات عن الأسرى الذين لديها مقابل الإفراج عن الأسرى من الأطفال والنساء والذين يقدّر عددهم بنحو 30 أسيراً وأسيرة، مع تجاهل ما كانت قد طالبت به حركة حماس كشرط لهذه المرحلة من إفراج عن محرري صفقة شاليت الذين تم اعتقالهم وأسرهم.
إنّ حكومة الاحتلال معنية بإنضاج هذه الصفقة، ذلك أنّها تريد أن تحقق إنجازاً على ضوء شحّة ما حققته من إنجازات وعدت بها، ونعتقد أنّ ما يؤخر عقد هذه الصفقة عدم ثقة حركة حماس بالنوايا الإسرائيلية من جهة، حتى مع الضمانات التي تتعهد بها حكومة الاحتلال للوسطاء، إضافة إلى تعقيدات تفاصيل هذا الملف، إلاّ أننا قد نشهد في الأيام القليلة القادمة بعض التقدّم إثر احتمالات بعقد اجتماعات وحراك بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي مع الوسيط المصري.