في العام ٢٠٠٣ تم تعديل الدستور القطري لينص على إنشاء مجلس تشريعي منتخب بديلاً لمجلس الشورى الحالي الذي تشكل مع إعلان الدولة العام ١٩٧٢، وقد كان مقرراً أن تجري الانتخابات الأولى لهذا المجلس العام ٢٠٠٥.
الانتخابات أُجلت عدة مرات لأسباب عديدة، منها مدى جاهزية الشعب القطري للانتخابات والمشاركة السياسية، التخوف من موقف دول الجوار من مسألة الانتخابات، مسألة من يحق له المشاركة في الانتخابات بسبب الخلاف على قانون الجنسية وربما أيضاً لأسباب لها علاقة بانتقال السلطة من الأب الى الابن التي جرت في العام ٢٠١٤.
الانتخابات التشريعية في قطر، على الرغم من بعض الملاحظات عليها، لها أهمية كبير إقليمياً لأنها تأتي في وقت تتراجع فيه مسألة التمثيل الشعبي في غالبية بلدان العالم العربي بعد سقوط آخر برلمان عربي منتخب بشكل حر ويمثل الإرادة الشعبية بقرار رئاسي في تونس وبدعم من أجهزة الأمن التي يترأسها.
البرلمانات العربية باستثناءات قليلة منها مملكة المغرب لا صلاحيات حقيقية لها لأنها لا تختار الحكومة التي تمثل الشعب، ورغم أن الكثير من الدول تسمح للبرلمان بأغلبية الثلثين بإسقاط الحكومة، إلا أن النظم الانتخابية مصممة بطريقة لا تسمح بتشكيل تكتلات كبيرة في البرلمان تؤدي الى محاسبة الحكومة وإسقاطها.
رغم ذلك، أن تقوم دولة عربية وبشكل طوعي بإجراء انتخابات نيابية دون مطالبة الشارع بذلك وفي وقت يتم فيه محاصرة "الانتخابات" في العالم العربي بذريعة أن "الديمقراطية" قد أحضرت الإخوان المسلمين للحكم، أو أن المطالبة بها كان السبب في تحول العديد من الدول العربية الى دول فاشلة، هو خطوة تسجل لدولة قطر.
للانتخابات التشريعية في قطر بعدان واحدٌ داخلي وآخر خارجي:
في البعد الداخلي هنالك كما يبدو ثلاثة أهداف إستراتيجية:
الأول: هو الرغبة في تحصين سياسات الدولة الخارجية وذلك بالحصول على دعم شعبي من برلمان منتخب.
الثاني: هو حسم عدد من الملفات التي تثار بين فترة وأخرى وتتسبب في جدال داخلي وحتى في تشكيل صورة قطر عالمياً ومنها موضوع المواطنة، وحقوق العمال، ودور المرأة.
البرلمان وفقاً لحديث وزير الخارجية القطري في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية قبل أسبوع سيتصدى لهذه الملفات وسيكون مطلوباً منه وضع تشريعات لتقديمها للحكومة لاعتمادها.
الثالث: هو الرغبة في توسيع قاعدة المشاركة الشعبية بما يمكن الدولة من التمتع بالاستقرار على المدى البعيد.
في البعد الخارجي، الانتخابات تأتي قبل دورة الفيفا التي ستسلط الأنظار على قطر، وهي بالتالي جزء أيضاً من مشروع العلاقات العامة التي تكسب الدولة سمعة جيدة عالمياً وتشجع محبي كرة القدم على القدوم الى قطر. وهي إضافة لذلك تحسن من صورة دولة قطر أمام الحكومات الغربية التي تطالب من فترة لأخرى بتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في الحكم في بلدان العربي.
على الرغم من أهمية الانتخابات في قطر إلا أن هنالك عدداً من الملاحظات بشأنها:
الشعب القطري سينتخب فقط ثلاثين نائباً من أصل خمسة وأربعين. هنالك خمسة عشر نائباً سيقوم أمير الدولة بتعيينهم. وهو ما يعني أن الدولة سيكون لها ثلث الأصوات في التصويت على القوانين التي سيمررها المجلس المنتخب.
يضاف لذلك أن قانون الانتخاب لا يمكّن المتجنسين (الذين حصلوا على الجنسية القطرية) من المشاركة او الترشح في الانتخابات، وهو ما يتعارض مع الدستور نفسه الذي يساوي بين جميع القطريين.
كذلك لم يُعطَ المُترشحون أكثر من أسبوعين لأعمال الدعاية الانتخابية، وهو ما يحد من قدرة الناس على التعرف عليهم بشكل جيد وانتخاب أفضلهم للمجلس.
أخيراً، رغم أن للمجلس صلاحيات رقابية وسلطات على السلطة التنفيذية الا أنه لا يحق له ممارسة سلطاته على الهيئات التي تضع السياسات الأمنية والدفاعية والاستثمارية.
لكن للقانون الانتخابي أيضاً سماتٍ إيجابية لأنه قسّم قطر الى ثلاثين دائرة انتخابية وهو ما يعني أن كل دائرة يمكنها انتخاب ممثلها للبرلمان من مرشحين يعرفهم الناخبون عن قرب.
وهو إضافة لذلك لا يسمح لقبيلة واحدة بإيصال عدد كبير منها للمجلس النيابي، الا إذا كان لتلك القبيلة وجود في عدد كبير من الدوائر، وهذا مستبعد لأن تقسيم الدوائر الى ثلاثين هدفه الأساس الحد من هيمنة القبائل الكبيرة على البرلمان.
تجربة الانتخابات في دولة خليجية بالمشاركة السياسية تستحق الاهتمام لأنها قد تفتح الباب أمام مطالبات شعبية في دول أخرى لإجراء الانتخابات، لكن علينا أن ننتظر لنرى إن كان ذلك سيؤدي الى دور رقابي فاعل على الحكومة، وسيساهم في حماية حقوق القطريين.. ذلك في النهاية يعتمد على الدور الذي سيمارسه من سينجح في الانتخابات.