صحيح أنها مظاهرات محدودة، تلك التي شهدتها العاصمة التونسية، قبل أيام، إلا أنها رسالة بأن هناك «تململاً ما» من بطء المرحلة الانتقالية وعدم بناء مسار بديل لمسار الفشل الحالي الذي قادته حركة النهضة وحلفاؤها.
والمؤكد أن إجراءات الرئيس سعيّد بتجميد عمل البرلمان وإعفاء الحكومة نالت دعماً شعبياً واسعاً، ولا يزال حتى من ينتقدون الرئيس حالياً مستعدين أن يقبلوا أي بديل إلا العودة لبرلمان النهضة.
ومع ذلك فإنه يجب عدم الاستمرار في مرحلة يمسك فيها رئيس منتخب بكل أدوات السلطتين التنفيذية والتشريعية، وجانب من السلطة القضائية، في حين أن المطلوب طرح تصوراته حول تعديل الدستور لنقاش عام بين النخب السياسية والقانونية، بجانب النقابات، وعلى رأسها الاتحاد التونسي للشغل، تمهيداً لعرضها على الشعب في استفتاء عام، وإن التحول نحو النظام الرئاسي الديمقراطي يمثل أحد أهم شروط خروج تونس من أزمتها ودعم مسار الإصلاح السياسي.
إن الفصل 71 من الدستور التونسي نادر الوجود في كل دساتير العالم، فقد نص على أن «يمارس السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية وحكومة يرأسها رئيس الحكومة»، أي أنه وزع صلاحيات السلطة التنفيذية بين رئيسين، وهو خلط غير حميد في مجال النظم السياسية حين تختار من كل نظام زهرة وتُنشئ نظاماً خليطاً بين الرئاسي والبرلماني، كانت نتائجه كارثية في التطبيق العملي.
مظاهرات تونس الأخيرة تقول إن هناك قطاعاً يتزايد من الشعب غير راضٍ عن عدم وضوح بديل المسار السابق، وإن هناك فريقاً سياسياً تقوده حركة النهضة ينتظر تعثر إصلاحات الرئيس أو تأخرها حتى يُعبِّئ الشارع ضدها.
والمفارقة الصادمة أن حركة النهضة وحلفاءها ترفض هذا التحول نحو النظام الرئاسي، في حين أنها دعمت تحويل أردوغان النظام السياسي التركي من البرلماني إلى الرئاسي.
مطلوب فوراً تشكيل لجنة تضم كفاءات وخبراء قانون دستوري وقيادات نقابية وسياسية من أجل إجراء تعديلات على الدستور تعطى فيها لرئيس الجمهورية الصلاحيات المتعارف عليها في كل النظم الرئاسية الديمقراطية، ثم تُعرض هذه التعديلات على الشعب في استفتاء عام.
يقيناً أن موافقة الشعب على التعديلات الدستورية ستفتح الباب أمام بناء نظام سياسي قادر على الإنجاز والعمل، فيه رئيس منتخب مباشرة من الشعب يُعين حكومته التي يعطيها الثقة ويراقبها برلمان منتخب.
ما لم تُرتكب أخطاء فادحة في الأسابيع القادمة ويستمر تأخر الرئيس في بناء «المسار البديل»، فإن فرصة نجاحه في إجراء الإصلاحات المطلوبة على الدستور راجحة.
مظاهرات تونس على محدوديتها رسالة تحذير بأن الشعب الذي لا يزال مؤيداً في أغلبه لإجراءات الرئيس لن يبقى إلى ما لا نهاية أسير شعارات ونوايا طيبة، إنما يجب الانتقال إلى مرحلة البديل الملموس، وهو لن يتم إلا بتشكيل حكومة كفاءات ودعوة الشعب لاستفتاء على تعديل الدستور.