خطط أسرى أنصار الذين عددهم خمسة آلاف لعملية تحرير أنفسهم حيث كان المعتقلين خليط من الثوار العرب فلسطينين -لبنانين -سورين، حيث بدأ المناضل الفدائي عبد الكريم نجم التخطيط والتنفيذ وهذا يشهد له الجميع، وبعدها اشترك بالعمليات عشرات الأسرى.

سأتحدث هنا عن أحد أبطال هذه العملية المناضل عضو المجلس الثوري محمود ضمرة " ابو العوض" حيث يروي قصته مع زميله المناضل تركي سليمان شاتي، وهذا لا يقلل من اهمية قصص اخرى لمجموع الاسرى الذين نجحوا و حرروا انفسهم و وصل عددهم 76 اسيرا.

ابو العوض علم بعملية الحفر بعد حفر متر ونصف من النفق فقد تدخل بخبرته العسكرية وقال يجب ان نحفر على عمق مترين بسبب ان النفق سيمر تحت شارع تسير عليه جيبات اسرائيلية نصف مجنزرة ولكي لا يهبط وتُكشف العملية، يذكر ان الاسرى كانوا قد اشتبكوا مع السجانين وحرقوا الخيم وتحول السجن الى خيم بالبطانيات على طول الشيك.

بعد وصول الحفر لقبل المراحل النهائية لم يعد هناك اكسجين، فقد استعان الاسرى ببرابيش صوبات الغاز حيث احضروا (غلن) بلاستيكي وشبكوا البربيش داخله و وضعوا مقدمته في انف الاسير الذي يحفر وأسير آخر يضغط على (الغلن)، ووصف العملية صعوبة ذلك وصعوبة الحفر لا يمكن تغطيتها، رائحة التراب، الخوف، مداهمة الخيم من السجانين،  عملية اضاءة النفق والتي صممها ابو العوض عن طريق عدة مرايا عكست ضوء الشمس داخل النفق، وصل الحفر لـ ٢٦ مترا وفق تقدير الاسرى الدقيق والذي تم قياسه من خلال حبل تم عمله من خلال علبة ( دواء القحة) التي عليها قياس سنتمر لاخذ الدواء حيث تم صنع الحبل سنتمر سنتمر بطول ٣٠ مترا، وتم ربطه بحجر وقذفه لما بعد اخر الشيك، وتبين انه ٢٧ مترا، وهكذا تم الحفر على هذا الاساس، الحفر كان يتم باوتاد الخيم، الارض جميعها ترابية فكان من السهل فرش التراب تحت الخيم دون ملاحظة السجانين، اثناء حفر آخر متر هبط النفق قرب الشارع المحيط للسجن ولكن بحمد الله كان خارج السجن، باستثناء شيك واحد واجب قطعه، فقام ابو العوض بدهن بطانية بالتراب المبلول و مباشرة اغلق الفتحة لاخفاء الحفرة التي ظهرت، لكن هذا الخلل لا يمكن للاسرى الانتظار لحفر حاجتهم لثلاث امتار اخرى، فقرر ابو العوض الخروج فورا حيث بقي سياج ( شيك ) واحد الاسير وقال لتركي استمر فورا لا تتوقف سنخرج الليلة، فكان لديه اداة قطعت وفككت جزء من الشيك للهروب، حيث بعد الشيك مجاري السجن تتجمع اسفل الجبل الترابي نتيجة حفر مكان السجن، و عليك مرور ايضا شارع الجيبات التي تحرس السجن.

أبو العوض بلغ الاسرى بقرار الانطلاق للتحرير، خلال ساعة رتبوا الخطة حيث بدأوا بعمل دبكة واغاني مقابل الجيبات التي تتحرك والجنود باصوات عالية، لاشغالهم، وخلقوا حالة من ارباك السجانين.

اول اسير يخرج من النفق كان ابو العوض ضمرة، و معروف ان ابو العوض كان دوما في مقدمة جنوده الفدائيين عند اي هجوم او عملية عسكرية، وتبعه الاسير البطل تركي شاتي، تحرك احد الجنود باتجاه ابو العوض حيث غَمر ابو العوض نفسه بالمجاري وبقي فقط انفه حتى مر الجندي الاسرائيلي دون ان يراه. وتركي اختفى خلف جذع شجرة او عمود، هكذا بدأ الاسرى بالخروج اثنين اثنين، يرفع الفرشة ويخرج والاخر يعيدها مكانها، استمرت العملية بنجاح حتى الاسير رقم ٧٦، و الذين كان لديه مصنوعات داخل السجن قرر حملها بشنطة، وخرج بها واثناء قطعه للشارع تبين انه كان قد نسي الشنطة مفتوحة وتساقطت منه مسابح و اشياء اخرى تسببت باصوات لفتت انتباه الحارس، و الذي وقف متسمراً غير قادر على الحركة حتى وصله الجيب العسكري والذي لاحق الاسير واعتقله واعتقل المشرف على العملية والمخطط لها البطل الاسير عبد الكريم نجم والذي اتخذ قرارا انه سيكون آخر اسير يخرج، وبقي يقف على الفتحة يساعد الاسرى للخروج، ومن المُحزن انه خطط العملية ولم يتوفق في الهروب.

محيط فتحة الهروب برجين مراقبة جنود يسيروا مشياً على الاقدام، جيبات متحركة، وكشافات.

لو لم يحدث هذا الخلل لتمكن الف اسير من الهروب.

من تمكنوا من الهروب ٧٦، اعتقل منهم عدد، واستشهد ثلاثة منهم، المهم من وصلوا قواعدهم ونجحوا بتحرير انفسهم ٦٤ اسيرا.

بعد ساعة ونصف اكتشف الاحتلال الاسرائيلي عملية الهروب بسبب الخلل الذي حدث، كان معظم الاسرى اختاروا طريقهم، وبدأت عملية مطاردة لهم استمرت اشهر.

ابو العوض وتركي بقيوا معا وصلوا احدى القرى قرية انصار، لكن لم يدخلوها، وغطوا انفسهم بالاعشاب، المفاجأة في الصباح ان احد ختياريه القرية يركب حمارا وقف قربهم و حاول حمل الاعشاب واكتشف وجودهم، وصار يصرخ بهم ماذا تفعلون؟ قال له ابو العوض باللهجة اللبنانية انهم اختلفوا مع والدهم وهو يلاحقهم!! فقال لهم اخرجوا من هنا وتركوه المكان رغم انه كان يحمل ابريق ماء لم يطلبوا منه الشرب رغم عطشهم بسبب غضبه الشديد، حتى لا يكشف امرهم او يعرف معلومة!

تحركوا باتجاه قرية اخرى قرية انصارية وجميع هذه القرى بالجنوب تحت الاحتلال، ومنهم كانوا متعاونين، حيث ان حزب الله لم يكن قد تأسس بعد، والسيطرة هناك للاحتلال.

التقوا بمجموعة من الرجال من قرية تفحتة، فقالوا لهم واضح انتم من هربتم من سجن انصار؟ قال لهم تركي نعم، فقالوا اجلسوا هناك تحت الشجر ونحن سوف نُحضر لكم الطعام و نوصلكم لبر الامان، ابو العوض رجل معروف حسه العالي بالامن بعد ذهابهم قال ل اخيه تركي اتبعني، تردد تركي فصرخ به ابو العوض اسرع، وتركوا المكان، ومن تلة بعيدة لاحظوا ان عدد من الجيبات و الدبابات الاسرائيلية وصل المكان، وبدأ باطلاق رصاص عشوائي.

وصلوا لقرية ثالثة قرية العدوسية، وجدوا منزل زراعي، بلغتنا عريشه، دخلوا بها، وجدوا سكين ( موس صغير ) وقهوة وشاي، لم يشبوا واخذوا السكين وغادرا.

الى ان وصلوا الى حدود قرية اخرى وكانوا في وادي، حيث وجدوا نبع ماء شربوا، غسلوا، واثناء جلوسهم وصلت غنمة (نعجة)،ولم تهاب منهم و شربت، فقرروا ذبحها،وكلوا الكبد نيء، و كانوا يضعوه على حجارة لاعطائها ملوحة، وقال ابو العوض حملت معي كمية صغيرة، لكي نأكل لحما نيئا، علماً انه في تلك اللحظة مر على هروبهم خمسة ايام، ولم ياكلوا سوى تين وعنب.

اثناء تركهم المكان وصلت مكانهم ايضا دوريات احتلال، وبدات باطلاق النار عليهم عشوائيا، كانوا بقمة الجبل، والاحتلال لم يرهم، وكانت الساعة السابعة مساء، و ركضوا مسافات بالليل، في محيط قرية النجارية حيث وصلوا ارض سهلية، وجدوا انفسهم في ارض مزروعة بالبطيخ، واكلوا البطيخ، وهذا يشابه ما وجدوه اسرى سجن جلبوع في الهروب الاخير.

في احد الايام اثناء الهروب، وجدوا فلاحات لبنانيات ( يقلطوا )يقطفوا البامية مع اطفالهم، في قرية المروانية، من الجوع تحرك باتجاههم ابو العوض لانه شكله لبناني، لكن احدى السيدات مباشرة قالت له انت ممن هربوا من السجن؟؟، قال لها ابو العوض نعم، و شعر من وجوههم بحجم التقدير والفرح، تبرعوا بالمساعدة وجلب الطعام، حيث طلبوا من ابو العوض الانتظار، عندما عادوا للمكان لم يجدوا ابو العوض، فتشوا، نظروا، انتظروا طويلا، لكن ابو العوض يراقب من بعيد، فالخطأ الاول هو الخطأ الاخير  هكذا تعلم ابو العوض من مدرسة الثورة، تاكد من الامان، عاد لهم واخذ ( الزوادة)، فيها الرز واللحوم المطبوخة والبندورة والخيار، شكرهم ، واهداهم ابو العوض ما لديه قلادة ومسبحة، واسوارة كان يلبسها من صناعته في السجن وبالتاكيد لا  زالت معهم هذه الذكرى، وابو العوض لم يعرف حتى اللحظة من هم تلك الماجدات.

في اليوم العاشر، وصلوا قرية قرب مخيم المية مية يعرف تركي ( البطل عدنان ابو ظلام )  صديق له يسكن فيها، فقال لابو عوض سوف اذهب له لكي يساعدنا، راقب ابو عوض من بعيد،  حتى عاد تركي واخذه لصديقه الذي استضافهم يومين، وتابعوا الاخبار من بيته، وارسلوه لقيادة حركة فتح، والتي بدورها ارسلت جوازات سفر مزورة لهم، واستطاعوا بها تجاوز ثلاث حواجز اسرائيلية وحاجز للكتائب حيث كان القتل على الهوية، وحاجز سوري، الى ان وصلوا للاخ عضو المجلس الثوري السابق علاء حسني.

 هذه قصة اثنان من قصص ٧٦ اسيرا لم التقيهم، سمعتها منه مباشرة، هذه القصص تحتاج لتوثيقها بفلم وثائقي واجب على الجهات المسؤولة توثيقها.

هذه بطولة كما ابطال عملية التحرير من سجن جلبوع، الستة عمالقة، وهذه اكبر عملية هروب من سجن عسكري في العالم!!

تاريخنا مُشرف بقصص ابطال وجنود مجهولين، لكن لم يتم نشرها،  شعبنا شعب الجبارين، حتما سينتصر، تحية لكل الاحياء والشهداء من الاسرى ممن حرروا انفسهم في هذه العملية وكل اسرى الحرية لشعبنا والثوار الاصدقاء من لبنان وسوريا واليمن وكل دول العالم ممن ناصروا قضية الشعب الفلسطيني.