كان أولاده بصحبته في النادي الرياضي - الجيم منذ السادسة صباحاً، وإن لم يلعبوا فعلياً وجدياً لصغر أعمارهم، فقد أتى بهم باكراً، حتى يتعودوا على «الصحيان» والنشاط الصباحي وعدم التلكؤ ورفض الكسل.
راقني الاحتكاك بهم: رشيد وطلال وزيد، سألت عن أعمارهم؟ مدارسهم؟ صفوفهم؟ وأخيراً من أين أنتم؟ فقال ثلاثتهم: من حيفا، وخمنت أنهم حقاً من مدينة حيفا على الساحل الفلسطيني، وأنهم في زيارة للأردن، فكان ردهم: لا نحن أردنيون ولدنا هنا في عمان، ولكننا أصلاً من حيفا، بلد أبونا وجدنا وعائلتنا، ومددت نظري نحو والدهم المشغول بالتدريب والمنهمك لسماع وتنفيذ تعليمات المدرب، وكأنه أدرك أن لدي ما أقوله وأسأله، وأشار إلي أنه سيأتيني ويستجيب لإشارتي متوهماً أن ثمة مشكلة وقعت بيني وبين أولاده الثلاثة بسبب الدهشة التي قرأها على وجهي.
اقترب مني وقرأت ما هو مكتوب على قميصه الرياضي:
Run For Palestine Human Rights.
قال: أنا إيهاب خميس رجل أعمال متنقل بين عمان وقطر، أراك منهمكاً في الحوار مع الأولاد، وعطلوك عن الرياضة، نفيت له ذلك، وقلت: أدهشني أولادك قالوا عن أنفسهم إنهم من حيفا، قال: ولمَ الاستغراب لأنني حقاً من حيفا، قلت له: هل أنت مقيم في حيفا، قال: لا فقط زرتها مرات عديدة، وبيتنا يقع في حارة النسناس، هي حي مشهور في حيفا، ولكن أنا مقيم في عمان وولدت في قطر بسبب عمل الوالد، فقلت له: مفهوم والدك ولد في حيفا ولذلك أنتم تصرون على الانتماء لمسقط رأسه، فأدهشني بقوله: لا والدي ولد في إربد، جدي هو الذي ولد في حيفا، وخرج مع عائلته التي تم تهجيرها عنوة وتشردت مرغمة العام 1948 إلى الأردن، والدي ولد العام 1950 في إربد، وتزوج العام 1980، وولدت في قطر أواخر العام 1981، حيث كان والدي يعمل، وتزوجت العام 2003، وها هم أولادي ما بين 10 إلى 15 عاماً.
عائلة إيهاب خميس ثلاثة أجيال: الجد والأب والأحفاد ولدوا خارج فلسطين، ويصرون على وصف أنفسهم على أنهم من حيفا، والدهم وجدهم زارا حيفا، والأحفاد يتطلعون لزيارة حيفا بلدهم وأصلهم، أدهشني إصرارهم وفرحت لوعيهم وخيارهم.
يتباهون بأنهم أردنيون من حيفا، حيث لا يجد والدهم أي تعارض بين أردنيته التي يتباهى بها، وفلسطينيته التي يتمسك بها، كما قال «مقرقط فيها»، وأن فلسطينيته هي نقيض للهوية الإسرائيلية، وتمسكه بحيفا وفلسطين تعبير عن عدم قدرة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي على طمس وشطب الهوية الفلسطينية، وقال لي إن لديه من أبناء عمومته ما زالوا مقيمين صامدين في حيفا، وإن أحدهم عضو في مجلس بلدية حيفا المنتخب، وقال رغم أن الفلسطينيين حوالى 20 بالمائة فقط من سكان حيفا، ولكنهم يتمسكون بهويتهم الفلسطينية، وقوميتهم العربية، والمسلم بإسلامه، والمسيحي بمسيحيته، والدرزي بوحدانيته، ويظهر ذلك جلياً على الشوارع، وإطلاق أغاني أم كلثوم وفيروز وعبد الحليم في المطاعم والمقاهي العربية، وتتباهى أنها تُقدم الأكل العربي، والقهوة العربية السادة، والأعراس على الطريقة العربية، ويندهش الأجانب اليهود من إصرار هؤلاء على فلسطينيتهم وعروبتهم ورفضهم للعبرنة والأسرلة والتهويد وكل ما هو صهيوني سياسة وثقافة ومشروعاً.
شعب الجبارين كما قال أبو عمار في وصفه لشعبه، فمن ذا الذي يملك القدرة على هزيمة هذا الشعب وتغييبه؟