هناك حاجة ملحّة لاستعادة دور مصر، إقليمياً وعربياً ودولياً، خصوصاً بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، وتفاعلها الإيجابي مع قضايا المنطقة، لما لهذا الدور من أهمية كبيرة في استقرارها وأمنها، ولملء فراغ القوة الذي تسعى إليه الدول الإقليمية، خاصة إيران وتركيا وإسرائيل. من هذا المنظور فإن استعادة دور مصر الاستراتيجي هو البديل والخيار لمواجهة استهداف المنطقة. وهذا البديل ليس مجرد منحة، بل تجسيد لما تملكه مصر من كل عناصر القوة الشاملة، فمصر لديها أكبر وأقوى جيش في المنطقة، وهي تشكل نقطة ارتكاز استراتيجي للمنطقة، كما أشار هالفورد ماكيندر صاحب نظرية القلب الجغرافي بقوله: «إن موقع مصر في الشرق الأوسط هو بمثابة نقطة الارتكاز للمنطقه وتشكل منطقة القلب الاستراتيجي». وكما قال كيسنجر «لا حرب ولا سلام من دون مصر»، فدورها في الحرب والسلام كل لا يتجزأ. وهذا يفسر لنا هدف إسرائيل والولايات المتحدة لإخراج مصر من معادلة الصراع، حيث شاركت في كل الحروب التي شهدتها المنطقة.
والحقيقة أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، نجح في إقامة علاقات استراتيجية متنوعة مع كل الدول الكبرى، بدءاً بالولايات المتحدة وروسيا والصين والعلاقات المتميزة مع فرنسا وألمانيا واليونان. وهذا اعتراف بدور مصر وقوتها ومكانتها، ونجاح سياستها. لكن هناك قوى إقليمية لا يناسبها الدور المحوري المصري، وهذه القوى ليس من مصلحتها أن ترى مصر القوية قادرة على تقليص امتداد نفوذها في المنطقة، وأن تستطيع تحقيق الأهداف العربية في قيام تحالف عربي قوي يحول دون توسع هذه القوى.
الدور المصري توفرات له رؤية وطنية غير متسرعة من خلال العمل أولاً على بناء الدولة القوية في الداخل، بناء القوة الاقتصادية والعسكرية، إضافة إلى النجاح في إعادة بناء مصر الدولة والجمهورية الجديدة، باعتراف كل القوى والمنظمات الدولية، وبسبب هذا النجاح تتوجه الدول الكبرى نحو إقامة علاقات مع مصر. ولعل أبرز مظاهر هذه السياسة هو حضور مصر على مستوى المنطقة كلها، وحضورها القوي في كل القمم التي شهدتها المنطقة، وآخرها قمة بغداد التي كان هدفها إعادة ترتيب أولويات المنطقة، والعمل على وقف أي تمدد للدول الإقليمية، إضافة لسياستها النشطة في كل ملفات وقضايا المنطقة، ولعل من أبرز مظاهر حضور هذا الدور في الأزمة الخليجية وقمة العلا ومحاولة إنهاء هذه الأزمة التي لعبت فيها مصر دوراً مهماً ومحورياً، وذلك من خلال تبني سياسات موضوعية وعقلانية تقوم على احترام مصالح الدول مع الحفاظ على مصالح مصر العليا، وانتزاع اعتراف من قبل كل الدول بأن البديل العربي يكون من خلال إحياء دور مصر واستعادته استراتيجياً، واليوم نرى صور ومبادرات كثيرة لإحياء مقاربات لتكامل وتحالفات عربية.
وأما على صعيد القضية الفلسطينية، فدور مصر محوري واستراتيجي، في ما يتعلق بقطاع غزة والحفاظ على حالة التهدئة وإعادة إعمارها ورفع الحصار، وكانت مصر الدولة المبادرة الأولى التي ساهمت في إزالة الأنقاض التي تركتها الحرب المدمرة الأخيرة بدخول الآليات المصرية وتدفق السلع الإستراتيجية من مصر للقطاع، ثم دورها في محاولة إنهاء الانقسام والمساهمة بخمسمئة مليون دولار في عملية إعادة الإعمار، والجانب الآخر على مستوى القضية الفلسطينية ودعم السلطة الفلسطينية، والضغط في اتجاه إسرائيل للقبول بقيام الدولة وإنهاء الصراع.
من هذا المنظور الواسع، فإن هناك حاجة ماسة لاستعادة هذا الدور الاستراتيجي واستعادة قوة مصر التي ستعيد للمنطقة العربية مكانتها وهيبتها كقوة عربية يحسب حسابها من قبل القوى الإقليمية والدولية التي تستهدف المنطقة. ولا يتوقف هذا الدور عند هذه الحدود، بل أهمية هذا الدور في التصدي للإرهاب والقوى المتشددة.