صدى نيوز - لا يهم إذا كنت تبلغ من العمر 30 أو 70 عامًا، ففي مرحلة ما من حياتك، ستسأل نفسك “كيف يعقل أن أنسي مثل هذا الأمر؟” في الحقيقة لا يوجد تفسير يمكن الاستناد عليه، ولكن من المعروف أن ذاكرتنا تنسى بعض الأحداث بسهولة ونحتفظ بباقي الأحداث دون سبب علمي واضح.
يعود السبب ربما لتطور الذاكرة عبر تاريخ البشرية، حيث أنه عامل حيوي للسماح ببقاء الأحداث التي لن نفهمها إلا من خلال تجربة ملموسة أو مؤلمة، مثال ذلك، إذا اقتربنا من النار لأول مرة سنحرق أنفسنا لا محالة، ستسمح لنا الذاكرة بتذكر هذه اللحظة مدى الحياة حتى لا نكرر الأمر، وينطبق هذا على كل شيء تقريبا.
وفي الحقيقة، هذا له علاقة بأنواع الذاكرة الموجودة. هناك العديد من النظريات في هذا الصدد، ولكن أكثرها قبولا علميا هي تلك التي صاغها لاري سكوير، أستاذ الطب النفسي وعلوم الأعصاب في أمريكا، في نهاية القرن العشرين. ميز سكوير بين الذاكرة التقريرية والذاكرة غير التقريرية، كل منها يؤثر على جوانب مختلفة من الحياة ولها خصائص مختلفة. حسب تقرير نشره موقع ” elconfidencial.”.
أنواع الذاكرة
الذاكرة التقريرية (الصريحة) هي المسؤولة عن ذكريات السيرة الذاتية المتراكمة في حياتنا والمعرفة التي نكتَسبها، وتعتمد بالأساس على سلامة الفص الصدغي الإنسي، وهو الذي يعزِّز بشكل ملحوظ من أداء التعلُّم والذاكرة بنسبة تصل إلى 15 بالمئة.
كما تشتمل الذكريات الصريحة أو التقريرية، على جميع الذكريات المتوفرة في الوعي. يمكن تقسيم الذاكرة الواضحة إلى ذاكرة عرضية (أحداث محددة) وذاكرة دلالية (معرفة حول العالم).
من جانبها، تعتبر الذاكرة غير التقريرية (الضمنية)، مسؤولة عن تعلم المهارات الحركية، مثل القيادة أو ركوب الدراجة، والتي يتم اكتسابها من خلال التجربة. وتعتمد على هياكل الدماغ تحت القشرية.
الذاكرة والنسيان
والذكريات الضمنية أيضا، هي تلك التي غالبًا ما تكون غير واعية. يتضمن هذا النوع من الذاكرة ذاكرة إجرائية، تتضمن ذكريات حركة الجسم. إن كيفية قيادة السيارة أو استخدام الكمبيوتر هي أمثلة على الذكريات الإجرائية.
“مّيز لاري سكوير بين نوعين من الذاكرة: التقريرية وغير التقريرية”
نظرًا لمواجهة نوعين مختلفين من الذاكرة، هناك نتائج تتضاد عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع العمليات المتفاوتة التي تظهر في الحياة. وستكون استجابة أحد أنواع الذاكرة لحالة مرضية مثل الخرف أو لعملية غير مرضية مثل الشيخوخة مختلفة. وسَيتباين بالتالي السلوك وردود الأفعال.
خلاصة القول، إن الذاكرة التقريرية التي تشمل ذكريات السيرة الذاتية للشخص هي أكثر هشاشة من الذاكرة غير التقريرية. لذلك، يمكن لأي شخص يعاني من الخرف أن يتذكر كيف كان يعزف على البيانو عندما كان صغيرًا.. وفي الواقع، سيكون قادرًا على عزف أغنية، لكنه لن يكون قادرًا على تذكر ما تناوله على الإفطار في ذلك الصباح.
” الذاكرة التقريرية التي تشمل ذكريات السيرة الذاتية هي أكثر هشاشة”
ولكن بالإضافة إلى الاختلافات بين الذاكرة التقريرية والذاكرة غير التقريرية، هناك عوامل أخرى يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا فيما يتذكره الشخص وما ينساه. وأحد أهم العوامل هو المحتوى العاطفي للتجَارب الحيّة، فكلما زاد حماسك، أصبح من الأسهل تذكر ذلك.
كيف أتذكر وكيف أنسى؟
يتفق الخبراء الذين استشارتهم هيئة الإذاعة البريطانية، عند قولهم إن الذكريات ذات المحتوى العاطفي العالي تبقى في ذاكرتنا لفترة أطول. يوم زفافنا أو ولادة طفل أو اليوم، الذي دخلت فيه منزلك الجديد لأول مرة، هي مجرد أمثلة قليلة للذكرَيات العاطفية التي يصعب نسيانها.
يحدث هذا لأن نظامنا العاطفي ينقل إلى ذاكرتنا الأهمية، التي نوليها لتجربة معينة، سواء كانت إيجابية أو سلبية. هذا هو السبب في أنه من الممكن أيضًا أن نتذكر الكلمات الأخيرة لأحد الأحباء قبل وفاته أو الموقف المؤلم، الذي مررنا به في لحظة معينة من حياتنا. عامل آخر أكده الباحثون، له أهمية كبيرة بالنسبة لنا هو الاهتمام الذي نوليه لحدث معين.
على سبيل المثال، إذا لم نعثر على الهاتف في المنزل، فهذا ليس فقط بسبب ذاكرتنا السيئة، والتي يمكن أن تكون كذلك حقا، ولكن من الممكن أن يكون ذلك بسبب قلة الاهتمام الذي أولينَاه للمحمول عندما استخدمناه للمرة الأخيرة، ربما لأننا ركزنا على شيء آخر أثناء حمله على غرار، محادثة مع العائلة أو صديق أو خبر هام على التلفزيون، أو ارتداء الملابس استعدادا للعمل، وما إلى ذلك.
“يمكنك أن تتذكر كيف تعزف على البيانو، لكن لا يمكنك تذكر ما تناولته على الإفطار في ذات الوقت”.
ختاما، يشير الخبراء إلى أن الذكريات، التي تثير انتباه الشخص لا تنتهي، وبالتالي، لن نتمكن من تذكر جميع الأحداث في ذات الوقت. وكما يوجد أشخاص ينسون بسهولة، هناك أشخاص آخرين، قادرين على إدارة هذه الموارد المعرفية، وبالتالي، سيتذكرون بشكل أفضل المكان الذي تركوا فيه الهاتف آخر مرة أو ما تناولُوه على الإفطار هذا الصباح.