ما زال وزير الحرب الإسرائيلي مصراً على تشكيل لجنة تحقيق رسمية في قضية صفقة الغواصات الألمانية، والتي تدور حول شبهات بتورط مقربين من رئيس الحكومة السابق نتنياهو في الحصول على عمولات جراء عقدها. وكان غانتس شكل لجنة تحقيق للمرة الأولى أثناء توليه نفس المنصب في حكومة الشراكة السابقة، إلا أنها لم تستمر بسبب الخلاف حول صلاحياتها، أما اليوم إذ يعيد غانتس فتح هذا الملف فقد تزامن ذلك مع زيارة المستشارة الألمانية ميركل إلى إسرائيل قبل أسابيع من تخليها عن منصبها، إلا أن الجديد حول تطورات هذا الملف فتتعلق برغبة رئيس الحكومة بينيت في استكمال تمرير هذه الصفقة، إذ أشار أثناء تناوله العشاء مع ميركل إلى أن حكومته أعادت دراسة هذا الملف وتبين أن منظومة الأمن الإسرائيلية بحاجة ماسة إلى هذه الغواصات بصرف النظر عن كل ما أشيع حولها، وطالب ميركل بضرورة استكمال الصفقة بعدما توقفت إثر الحديث عن شبهات فساد، مع أن التحقيقات الألمانية لم تنوصل إلى شبهات جنائية حول الصفقة، الأمر الذي من شأنه استكمالها من دون أيّ ممانعة قانونية أو قضائية.

وكانت حكومتا إسرائيل وألمانيا وقعتا أواخر العام 2017 على مذكرة تفاهم حول صفقة الغواصات بعدما أصرت ألمانيا على بند يشير الى أنه لن يتم تزويد إسرائيل بالغواصات حتى انتهاء التحقيق بالقضية ودحض كل الاتهامات بالفساد، وينظر إلى معاودة غانتس فتح التحقيق مجدداً حول الصفقة على أنه يتماشى مع هذا البند، في حين أن بينيت من خلال حديثه عن ضرورة استكمالها نظراً لاحتياجات منظومة الأمن الإسرائيلي فإن هذا الأخير يضع نفسه في معارضة لرغبة وزير حربه حول التحقيق بشأنها. فبينيت يرى أنها تعتبر انجازاً هاماً لإسرائيل خاصة أن ألمانيا ستتكلف بثلث التكاليف، وهذا يشكل سبباً إضافياً لاستمرار استكمال الصفقة بعدما كانت عدة تحليلات أمنية إسرائيلية قد أشارت إلى أنه لم تكن هناك حاجة أمنية ضرورية إلى هذه الصفقة، وأن الداعين لها من المحيطين بنتنياهو والمقربين منه تعاملوا مع هذه الصفة في سياق العمولة التي تتحول إلى جيوبهم.

وبطبيعة الحال، فإن العودة مجدداً للحديث عن صفقة الغواصات، بصرف النظر عن الأسباب والدوافع بين لجنة تحقيق أو طلب استكمالها، فإن نتنياهو يعود إلى الأضواء من جديد في ظل إثارة هذه القضية مجدداً، وربما تخلت المستشارة ميركل عن البروتوكول، بعدم اجتماعها مع زعيم المعارضة نتنياهو خلافاً لكل زياراتها السابقة لإسرائيل عندما كانت تجتمع دائماً مع المعارضة، وكأنما هناك إدانة متوارية من قبلها لنتنياهو حول هذه الصفقة، على الرغم من أن التحقيقات الألمانية قد أغلقت هذا الملف من دون التوصل إلى إدانة لكنها بالمقابل لم تتوصل إلى براءة.

لأسباب عديدة، فإن إسرائيل تخشي من حقبة ما بعد المستشارة ميركل حتى مع قناعتها بأن خليفتها سيظل على نفس القدر من الالتزام بأمن إسرائيل اليهودية الديمقراطية، إلا أنها قلقة من أن هذا الخليفة لن يتحلى بنفس القدر الذي أبدته ميركل من دعم لإسرائيل على كافة المستويات، مع أن المرشح للخلافة هو أولاف شولتس زعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وهو من محبي إسرائيل وأعلن أكثر من مرة التزامه العلني بأمنها، لكنه بالمقابل وكما هو حال ميركل يدعو إلى العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، مصدر القلق لدى إسرائيل هو كيفية تشكيل التحالف الجديد وفق نتائج الانتخابات الألمانية الأخيرة، حيث أن هذا الإئتلاف يعتمد على بعض الأحزاب التي لا تدعم بالضرورة إسرائيل.

عندما شكل غانتس لجنة تحقيق حول صفقة الغواصات إبان حكومة الشراكة، فقد كان الداعي لها المزاحمة والمشاكسة مع نتنياهو، إلا أن دعوته الجديدة، والتي تتعارض مع رغبة بينيت في استكمال الصفقة، مزدوجة الرسائل، إذ أنها تذكير بمسلسل التحقيقات مع نتنياهو وإعادته إلى الأضواء كمتهم بعدما نسي الجمهور ذلك، كما أنها من زاوية أخرى ربما تشكل احدى المشاكسات المحتملة مع بينيت.