في العادة ينتقد رؤساء الدول والمسؤولون الدول المنافسة لهم، ينتقدونها في سياساتها الخارجية والداخلية، وقد يُشككون في مصداقيتها، وليس ممنوعاً أن تُنتقد الدول بانتهاك حقوق الإنسان، أو الفساد والمحسوبية، ولكن لأول مرة يعتدي رئيس دولة كبيرة على تاريخ شعب بأكمله، الشعب الجزائري، هذا ما فعله الرئيس الفرنسي، ماكرون!

أنكر ماكرون أن يكون هناك شعبٌ جزائري، قبل الغزو الفرنسي للجزائر، لأن التاريخ الجزائري في نظره تاريخ مُزيَّف!

ألم يقرأ، ماكرون اتفاقية جده الأول، دي ميشال مع الأمير عبد القادر الجزائري العام 1834، بعد أن أجبرته قوةُ الشعب الجزائري، أن يعترف بالأمير عبد القادر أميراً، بعد معارك طويلة، انتصر فيها الجزائريون؟!

اعتبر، ماكرون غزو فرنسا للجزائر هو تاريخ وجود شعب الجزائر، إذاً، ليس الاستعمارُ الفرنسي احتلالاً غاشماً حتى وإن كان ضحايا هذا الغزو، مليوناً ونصف المليون من الشهداء الجزائريين!

إليكم هذه القصة من أرشيف التاريخ الماضي: «اشتعلت الثورة الفرنسية العام 1789، فرض الأوروبيون على هذه الجمهورية المتمردة حصاراً، أصبحت فرنسا في أوروبا كالبعير الأجرب!

لجأت فرنسا إلى الجزائر، لتفكَّ حصارها، لم تبخل الجزائر، بواليها العثماني وشعبها العربي الجزائري، في تقديم الدعم لفرنسا المُحاصرة، زوَّد شعبُ الجزائر (المزيف)! شعبَ فرنسا المحاصر بأهم سلعة تحتاجها فرنسا، القمح، مدتْ شركتا الجزائريَّينِ اليهوديينِ، بوخريس، وبشناق، وهما جزءُ من الشعب الجزائري المتسامح الكريم يدَ المساعدة، بأطنان من القمح الجزائري، بتنسيق ودعم من الوالي العثماني، الداي حسين، لم تكن في خزينة فرنسا المبالغ المطلوبة لتسديد هذا الدَّين، البالغ 24 مليون فرنك!

بعد سنوات طالب الداي حسين فرنسا بتسديد ثمن هذه (المعونة) مرات عديدة، إلى أن حانت لحظة الانتقام من الجزائر بافتعال أزمة دبلوماسية، كان عرَّاب هذه الأزمة، هو قنصل فرنسا في الجزائر، بيير دوفال، حين حضر العام 1827 لتهنئة الداي بعيد الفطر، فقال له الداي: «لم تصلنا من قيادتكم الفرنسية ردودٌ على مطالبتنا بدين القمح، رد القنصل الفرنسي بوقاحة واستفزاز كان مقدمة للغزو: مَن أنت حتى يردَّ عليك مَلِكُ فرنسا؟!»

أمره الداي حسين بالخروج، ولوح بمروحة كان يمسكها بيده يهف بها على وجهه من الحر!

كانت هذه فرصة سانحة لغزو الجزائر بادعاء إهانة فرنسا، جهز القائدُ الفرنسي، كولي بوارجه الحربية لبدء الحرب، طالبوا الداي حسين بالشروط التعجيزية الآتية: أن يركب بسرعة سفينة جزائرية، ليقدم الاعتذار للسفير بيير دوفال في البحر، وأن تُرفع أعلام فرنسا في كل المواقع الرسمية، وأن تُطلق المدفعية الجزائرية مائة طلقة، اعتذارا وترحيبا بالسفير المطرود، وإلا ستبدأ الحرب!

وهكذا بدأت الحرب على الجزائر، يوم 16-6-1827 إلى أن تمكن الفرنسيون من احتلالها بالكامل العام 1830 وظلت محتلة حتى التحرير في العام 1962.

لم تكن الجزائر بلداً صغيراً، بل كانت بثروتها وجيشها أقوى من فرنسا!

كانت الجزائر تتقاضى ضريبة حماية على السفن الدولية التجارية، بلغت قوةُ أسطول (الجزائر) أن هددت سفنُه فرنسا العام 1802 حتى أن سفينة جزائرية حربية، رست بالقرب من ميناء، طولون، واستولى المحاربون الجزائريون على عتاد عسكري، ما أثار حقد القادة الفرنسيين!

لا غرابة إذاً أن تظلَّ الجزائرُ مستهدَفة بسبب مخزونها الشعبي والنضالي، وخيراتها، ومساحتها الجغرافية الكبيرة، فقد جرب المستعمرون كلَّ أشكال المؤامرات، أفسد المحتلون زراعتها، سخروا مزارعها الخصبة لزراعة محصول رئيس وهو العنب للنبيذ الفرنسي، ثم منحوها الاستقلال كُرها وهروبا من نضال الثائرين الجزائريين، أبناء وأحفاد عبد القادر الجزائري، جربوا أن يزرعوا في تربتها السمحة بذور الإرهاب، واستقدموا إليها الإرهابيين من كل مكان، ولكن الجزائريين أفشلوا هذا المخطط أيضاً.

لم تنتهِ المؤامراتُ على الجزائر، بل بدأت!