بعد أكثر من سبعين عاماً على القضية الفلسطينية ونكبة 1948، كيف تنظر إسرائيل لهذه للقضية؟ وهل تعترف بأن هناك قضية، وأن هناك شعباً قائماً ومتجذراً على الأرض، له حقوقه التاريخية على أرضه وكيف يمكن التعامل معه؟ ابتداء كيف ترى الحكومة الإسرائيلية القضية الفلسطينية؟ وكيف تتعامل معها وما هي آلياتها؟
نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي، وفي خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تجاهل كل هذا عن عمد وكأن القضية الفلسطينية غير موجودة، وهو بذلك يريد أن يوصل رسالة مفادها بأنه لا يعترف بالشرعية الدولية ولا بالقضية – وهو يعرف ماذا تعني الأمم المتحدة التي منحت إسرائيل الشرعية، ومن ثم سمحت بقيامها وفقاً للقرار الأممي رقم 181 الذي نص على قيام دولة عربية على مساحة 44 في المئة من أرض فلسطين، ويعرف أن هناك مئات القرارات الخاصة بفلسطين وتدعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ويعرف أن هناك دولة فلسطين كمراقب في الأمم المتحدة. أما وزير خارجية إسرائيل يائير لابيد، فقال أمام المؤتمر السنوي للاتحادات اليهودية إن إسرائيل «لا يمكن أن تتجاهل إلى الأبد القضية الفلسطينية التي يتعين علينا العمل عليها، وعلينا دائماً متابعة ما يأتي من غزة»، لكنه في الوقت ذاته لم يأت على ذكر الدولة الفلسطينية وحل الدولتين.
الأولوية الملحة إذاً هي ما يأتي من غزة وليس من فلسطين. هذه الرؤية تتفق مع رؤية حكومته بتقليص الصراع وليس حله. القضية هنا حقائق ووقائع على الأرض لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهلها. الحقيقة الأولى، كيف يمكن أن تتجاهل أن أكثر من عشرين في المئة من سكانها هم من عرب فلسطين، وهي لا يمكن لها أن تكرر نكبة 48 مرة ثانية وتقوم بتهجيرهم. والحقيقة الثانية، أن هناك في الضفة الغربية وغزة أكثر من خمسة ملايين نسمة وهذا العدد مع سكان الداخل يقارب عدد سكان إسرائيل. بل إن هذا العدد في المنظور القريب سيتفوق على سكان إسرائيل ذاتها. والحقيقة الثالثة أن هناك احتلالاً إسرائيلياً قائماً منذ 1967، أي منذ أكثر من نصف قرن، وتدرك إسرائيل وفق قانون التاريخ أن الاحتلال لا يدوم، ولا يمكن لشعب أن يقبل بالاحتلال إلى الأبد. وفي الحالة الفلسطينية المقاومة مستمرة ورفض الاحتلال مستمر. والحقيقة الأخرى، أن بقاء إسرائيل وأمنها مرتبط بأمن وبقاء الشعب الفلسطيني، وأن السلام حتى مع كل الدول العربية لن يكون بديلاً عن السلام مع فلسطين، لأن السلام الحقيقي يكون مع طرف الصراع الرئيسي وهو الشعب الفلسطيني، وتدرك إسرائيل في النهاية أن القضية الفلسطينية ستبقى قضية أمة عربية، وستبقى في الوجدان والضمير العربي. كما تدرك إسرائيل أنه لا بديل عن الدولة الفلسطينية وهذا هو الهدف النهائي لكل حركات التحرر وهو الحصول على الاستقلال الوطني وقيام الدولة. والدولة الفلسطينية تمثل الحد الأدنى للحقوق الوطنية الفلسطينية، والبديل لعدم قيام الدولة هو الذهاب طال الوقت أو قصر إلى الدولة الواحدة.
وهناك حقيقة الوجود الدولي لفلسطين في الأمم المتحدة كدولة مراقب، ودولة كاملة العضوية في العديد من المنظمات الدولية. وتدرك إسرائيل قبل غيرها قوة العقل الفلسطيني وحضوره في الداخل والخارج على مستوى كافة المؤسسات ومراكز البحث العلمي، وقوة العقل لا تقهر ولا تهزم. ولا يمكن لإسرائيل أن تغمض عيناها عن مخيمات اللاجئين الذين يعيشون على مقربة منها ويملكون مفاتيح منازلهم التي هجروا منها، ولا يمكن لإسرائيل أن تتجاهل حقائق الجغرافيا والأرض وهي حقائق ثابتة.
هذه الحقائق هي عكس ما يقوله بينيت من أن الإسرائيليين لا يريدون أن يستيقظوا كل صباح على الصراع. الواقع أنهم ينامون ويستيقظون وأمامهم صورة المواطن الفلسطيني الرافض للاحتلال. فإسرائيل تعيش حالة دائمة من الصراع. هذه الحقائق الثابتة تفرض على إسرائيل أن تفكر وأن لا تتجاهل حقيقة الصراع مع الشعب الفلسطيني وأنه لا بديل للصراع إلا التسوية السياسية بقيام الدولة وإنهاء الاحتلال، وليس كما يريد بينيت تقليص الصراع الذي عنى ديمومته. ولعل لبيد أكثر من غيره يدرك هذه الوقائع والحقائق، لكن المشكلة تبقى أننا أمام حكومة ضعيفة لا تستطيع أن تصنع السلام.