قرأت مقالة موسعة نشرتها صحيفة فورين بوليسي، بقلم السيد حسن سميك “رجل اعمال من أصل فلسطيني” يتحدث فيه بإسهاب عن مزايا حل القضية الفلسطينية من خلال وحدة اردنية فلسطينية، لأنها كما يرى الكاتب الأكثر عملية وواقعية بل وإمكانية.

كل المزايا التي ساقها الكاتب منطقية ومجربة، ولم تغب عن بال الفلسطينيين في كل مراحل كفاحهم الوطني.

بعد وحدة العام 1950 التي كانت الانجح والأطول عمرا في تجارب “الوحدات العربية” لم يجرؤ فلسطيني واحد ولا اردني واحد على مجرد التلميح بالانفصال، كان كل شيء موحدا الموالون والمعارضون القوميون والامميون والاسلاميون وكل مؤسسات الدولة وادواتها وقوانينها ومحاكمها وقضائها، وبرلمان واحد وحكومة واحدة.

كان الاختلاف بين قوى ومكونات واجتهادات مواطني هذه الدولية يتم تحت سقف الوحدة. الا ان التطورات العاصفة التي مرت على المنطقة وأكثرها تأثيرا حرب حزيران 1967، وانطلاق الثورة الفلسطينية، فرضت تأثيرها وآثارها على هذه الوحدة، وانتجت في وقتها مخاوف متبادلة ومستجدة بين قطبيها.

خاف فلسطينيون من الأردن على هدف إقامة دولتهم المستقلة، وخاف الأردنيون من الفلسطينيين على دولتهم القائمة فعلا، وانتشر لوقت طويل مصطلح القرار الوطني المستقل عند الفلسطينيين، كما انتشر مصطلح الوطن البديل عند الأردنيين، وبصرف النظر عن جدية وواقعية هذه المصطلحات، الا ان مجرد تداولها على نطاق واسع في الحياة الفلسطينية والاردنية، يكفي لاستحواذها قدرا كبيرا من الجدية والتأثير السلبي على الرأي العام لدى الشريكين .

ضُربت الوحدة الفلسطينية الأردنية سياسيا وبقوة حين قبل الطرفان فك الارتباط، غير ان المشترك بينهما ظل على حاله، ما جعل فك الارتباط رغم قوة تأثيره سياسيا اجراء قابلا للتعديل وربما وفق صيغة وحدوية جديدة تراعي المتغيرات العديدة والجوهرية التي حدثت على واقع الشريكين ومعادلاتهما السياسية وكيفية التعامل مع مصالحهما التي اختلفت النظرة اليها وطرق التعامل معها بعد فك الارتباط دون اغفال مساحة الاستقلالية السياسية للفلسطينيين زمن منظمة التحرير.

ولأنني لست بصدد عرض تاريخي لمحطات وتطورات ومؤثرات الشراكة الفلسطينية الأردنية فأكتفي بتحديد خلاصة لما كان مع اجتهاد فيما يجب ان يكون.

ما كان.. وحدة ناجحة تزعزعت وتراجعت سياسيا وبقيت بنيتها التحتية على حالها، وما يجب ان يكون هو إعادة الحديث عن الشراكة ولكن بصيغة جديدة، كانت منظمة التحرير قد طرحت خيار الاتحاد الكونفدرالي غير انه كان مجرد عنوان لم يخدم ببرنامج تفصيلي متفق عليه بين الجانبين يضمن تحققه فعلا في الوقت المناسب ويضمن كذلك شروط بقاءه واستمراره، وقرار منظمة التحرير بهذا الاتجاه وان كان دستوريا بمعنى صدوره عن هيئة برلمانية هي المجلس الوطني، الا انه انتج خصوما تلقائيين على الجانبين وفي حالة من هذا النوع فإن العناوين مهما كانت منطقية وجذابة الا انها لا تكفي، وفي هذا السياق لا يمكن القفز عن العامل الإسرائيلي، فدخل على الفكرة الإيجابية وحسنة النية تعقيد سلبي مؤثر من خلال الرؤية الإسرائيلية للعلاقة الفلسطينية الأردنية وما انبثق عنها من مواقف وسلوك.

بعد سنوات طويلة من وحدة نجحت وتراجعت او تجمدت او انفصلت، لابد من ان يطرح هذا الامر من جديد، ولكن بصيغة اكثر واقعية واتقانا، واذا كانت المصالح المتداخلة بين الجانبين تحتم ذلك الا ان حل القضية الفلسطينية بعد سلسلة الاستعصاءات التي حدثت وأفشلت كل المحاولات التي هدفت الى بلوغ هذا الحل وآخرها بالطبع ما نحن فيه الان بعد انهيار المشروع الدولي الذي كان اكثر جدية وهو مشروع أوسلو، وبعد ان تغيرت خرائط المواقف والقوى والعلاقات في الإقليم مما جعل مواصلة النسج على المنوال القديم ضربا من ضروب إضاعة الوقت واستهلاك الصيغ الفاشلة والمكررة.

هنالك أرضية مشتركة بين الفلسطينيين والاردنيين في امر العلاقة بينهما، هي عدم ممانعتهما لتجديد العلاقة الوحدوية بصيغة اكثر عملية وفاعلية، يعززها المناخ الإيجابي الذي يميز الفهم الشعبي المشترك لأساسية هذه العلاقة في حياتهما.

الامر صار بحاجة الى مراجعة تفصيلية وتفكير جديد، وحين يتفق الفلسطينيون والاردنيون يتسع هامش الايجاب وتوقع الأفضل وينحسر هامش السلب داخليا واسرائيليا وعلى كل الجهات التي لها حسابات أخرى.