كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن صفقة تبادل الأسرى، حتى خُيل للمرء، بأن تنفيذ العملية بات وشيكاً، فقبل يومين توجه النائب في البرلمان الأردني، خليل عطية برسالة إلى «حماس» طالبها فيها بأن تتضمن قائمتها بالأسرى الذين ستطالب بالإفراج عنهم مقابل الأسرى الإسرائيليين لديها، المعتقلين الأردنيين في السجون الإسرائيلية وعددهم 21 معتقلاً، فيما كانت الجامعة العربية، طالبت «حماس» بأن تتضمن قائمتها الأسرى العرب، وأيضاً كانت الحركة الأسيرة، تتقدم في الوقت نفسه، بمطالب خاصة بها، تطالب «حماس» بأن تتضمن القائمة عمداء الأسرى، وأسرى جلبوع، والقادة وما إلى ذلك، وكل ذلك أوحى لنا بأن إتمام الصفقة على بعد أيام أو أسابيع، على أبعد تقدير.
قد تكون هناك معلومات، لم يعلن عنها، بالخصوص، وقد يكون الأمر كله، ناجماً عما يشاع عمداً من أجواء، كل الهدف منها «تقليص النزاع» كما قال نفتالي بينيت رئيس الحكومة الإسرائيلية، أو بهدف الحفاظ على التهدئة، على جبهة غزة بالتحديد، كما طالبت الولايات المتحدة خلال وبعد المواجهة التي حدثت في  أيار الماضي، ذلك أنه بعد تلك المواجهة، لم تهدأ الأحوال، ولم تنتف أسباب التوتر، منها الهروب العظيم الذي وقع من سجن جلبوع الشهر الماضي، وما أشاعه من اهتمام شعبي عام، كذلك استمرار اعتداءات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين، خلال موسم قطف الزيتون، والأهم بالنسبة لـ «حماس» هو، استمرار تعثر دخول المنحة القطرية، المتوقفة منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية، ورغم حل مسألة وصول الأموال للعائلات الفقيرة، بمنحة المائة دولار لكل عائلة، إلا أن مسألة تحويل أو نقل رواتب موظفي سلطة «حماس»، لم تحل بعد.
مع ذلك لا شك بأن صفقة تبادل الأسرى هي قيد التداول، ولا شك بأن لقاء قادة «حماس» بشكل جماعي في القاهرة مع القيادة الأمنية المصرية، التي تتابع ملف غزة بالذات بكل تفاصيله، قد ناقش الملف، ولا شك أيضا وأيضا، بأن كل ما يطرح من الجانبين وما يعلن، يجري في إطار التفاوض على الصفقة، حيث أن كل طرف يسعى لأن تكون وفق شروطه، أو تحت سقف مطالبه، لكن هذا شيء وإتمام الصفقة شيء آخر، فأولاً تتم الصفقة حين يهبط كل طرف بشروطه، ليلتقيا عند نقطة مقبولة على كليهما، ولكن الأهم يبقى هو الظرف المحيط بكليهما، وهذا _برأينا_ هو ما يحدد قرب إتمام الصفقة من عدمه، فالظرف الإسرائيلي يقول بأن الحكومة لا يمكنها أن تقدم على اتخاذ خطوة مهمة أو حاسمة، من قبيل إطلاق التفاوض مع السلطة الفلسطينية، وقد رأينا هذا حين التقى بيني غانتس الرئيس محمود عباس، وحين التقى بعده وزراء ميرتس الرئيس عباس أيضاً.
كذلك يقول المراقبون بأن الأمر نفسه ينطبق على صفقة تبادل الأسرى، فما عجزت عن فعله حكومة بنيامين نتنياهو، لا يمكن لحكومة بينيت أن تفعله، وبينيت بالتحديد، لا يمكنه أن يظهر أنه أقل يمينية أو صقرية من نتنياهو، الذي ما زال ينافسه على زعامة اليمين، وبالتحديد على أصوات المستوطنين، لذا فقد ارتفعت مطالب إسرائيل في عهد بينيت، لتربط بين إدخال المنحة القطرية وإعادة الإعمار، بالتقدم في ملف صفقة الأسرى، وهذا أمر لو قبلت به «حماس»، لأظهرت رضوخها للضغط الإسرائيلي.
وحيث إن الجانبين الإسرائيلي والأميركي، قد بدآ عهداً جديداً أو مختلفاً خلال هذا العام، ليس على قدر الانسجام والتوافق الذي كانا عليه خلال الأربع سنوات التي سبقت هذا العام، لكنهما ورغم الاختلافات بينهما، في الملف الإيراني وحتى في الملف الفلسطيني، وأهمه ملف القنصلية الأميركية في القدس، قد اتفقا على منع وصول الخلاف إلى حد المواجهة، بل بإجراء الحوار ومن ثم التوافق على حل ما، فإذا كانت الحكومة الإسرائيلية مكونة من ثمانية أحزاب مختلفة، تتوافق على الإطار العام، وهو تجنب الخوض في حقول الاختلاف بحدة، فهذا الأمر نفسه ينطبق على العلاقة الإسرائيلية_الأميركية حالياً، وما يحكم الحكومة الإسرائيلية هو غريزة البقاء، وعدم السقوط، لذا فإن الأميركيين يتفهمون قوة وضعف الحكومة الإسرائيلية، والجميع يتفق أو يتوافق، إن كانت واشنطن أو الأحزاب الثمانية على الاستمرار في إغلاق الباب في وجه نتنياهو، وفي الحفاظ على حكومة بينيت، أطول فترة ممكنة.
كذلك لابد من القول، بأن التجربة الفلسطينية مع سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والتي تشبه في هذا الأمر بالتحديد، وربما فقط، الحكومات الديمقراطية الغربية وحتى الإدارة الأميركية، من حيث أن تداول السلطة عادة، ما يعني استكمال السير على تحقيق مصلحة الدولة، فبعد حكم يميني عادة ما يكون متشدداً، تأتي حكومة يسار أو وسط، تقوم بمهمة تهدئة الأمور حتى لا تحدث ثورة أو انفجار غضب.
والآن يمكن القول إن سياسة تقليص النزاع، أو الحفاظ على التهدئة، مع كل حزم التسهيلات بالجانب المعيشي، لمواطني الضفة الغربية وقطاع غزة، إن كان على صعيد عودة العمل بجمع الشمل، أو زيادة تصاريح العمل للتجار والعمال، أو تحويل أموال السلطة المحتجزة، بمسمى منح السلطة قرضاً مالياً، وكل ما هو في هذا السياق، بات بمثابة الجزرة، التي تسعى لإشاعة حالة من الهدوء، حتى تمر العاصفة، بعد كل هذا الصخب الذي اجتاح الشرق الأوسط لأكثر من عقد من السنين، وبعد أكثر من سبع سنوات من اتباع سياسة العصا الإسرائيلية الغليظة، تجاه الفلسطينيين، على كلا الجانبين في الضفة بالضغط المالي، والإجراءات الميدانية، وفي غزة بالمواجهات العسكرية.
هكذا تتواصل سياسة «دولة إسرائيل»، حتى يبقى الاحتلال على حاله، وفي انتظار أن تقبض الإدارة الأميركية بيد من حديد على كل مفاتيح الشرق الأوسط مجدداً، لذا فنحن إزاء فترة تهدئة، دون حدث دراماتيكي من نمط التوصل لحل حاسم أو حتى اتفاق سياسي مهم، الحدث الأهم بتقديرنا هو القنصلية الأميركية في القدس، التي ما زالت تنتظر إقرار الميزانية الإسرائيلية الشهر القادم، كما كان الطرفان قد اتفقا، بعد أن كانت واشنطن وعدت بفتحها في أيلول الماضي، وفي سبيل تجنب المواجهة بينهما اتفقا مؤخراً على تشكل طاقم مشترك لهذه الغاية، سيظل يؤجل على الأغلب إلى أن تحين الفرصة المناسبة لفتحها أو لإغلاق الملف، بكل بساطة، فبايدن نفسه، لا يمنّي النفس بولاية ثانية، حتى يكون متحمساً جداً للإيفاء بوعده الانتخابي.