ما دفعنا لتناول هذه القضية هو الأزمة الحالية التي عاشتها جامعة بيرزيت في الأسابيع السماضية المتعلقة بخصخصة مرافق الجامعة  والتي هي ليست بجديدة ، فكافة الكافتيريات – التي أصبحت عمليا  مطاعم وأشبه بمحال البقالة -  يتم تضمينها لمستثمرين من خارج الجامعة ،بعدما كانت حتى سنوات الثمانينات  في معظمها ملكا لإدارة الجامعة - ويعمل فيها عدد من العاملين  الموظفين والغالبية من الطلبة الذين يعملون في أوقات فراغهم- لدرجة أصبح فيها المستثمرون يتحكمون بقرار الجامعة ،التي اضطرت للتسويف عندما طالبت الحركة الطلابية ومجلس الطلبة،بان تضع (كشكا) خاصا بها للبيع للطلبة  بحيث يكون ريعه لمجلس الطلبة ،وذلك لان المستثمرين الخارجيين اعترضوا على ذلك. كما أنه يجري الحديث عن تضمين موقف سيارات الجامعة لإحدى الشركات أو المستثمرين، كل ذلك في إدارة ظهرها لاعتراضات الحركة الطلابية على هذه السياسة.
إن تراجع الدور النقابي للحركة الطلابية ليس خافيا على احد ، وهو تراجع بدأ مع إعادة فتح الجامعات الفلسطينية التي أغلقها الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الانتفاضة الكبرى التي اندلعت في كانون الأول من  العام 1987، هذا التراجع شمل كافة مناحي الحياة والبيئة الجامعية ومساهمة الحركة الطلابية في اتخاذ القرار، أن كان شأنا أكاديميا مهما كالتخصصات الأكاديمية حيث اضطلعت مجالس الطلبة في حينها بهذه المهمة من خلال لجنة التخصصات وهي إحدى لجان العديد من مجالس الطلبة في الجامعات ، أو شانا نقابيا كالملكية الجماعية للحركة الطلابية من خلال مجالس الطلبة لبعض المرافق كالكفتيريات  ، والمساهمة  في رسم  سياسة القبول الجامعي والمعارك النقابية ضد السياسة المستمرة  في رفع الرسوم والإقساط الجامعية ، وغيرها الكثير من الانجازات التي حققتها الحركة الطلابية بنضالها، وخاضت من اجلها العديد من التحركات منذ العام 1976 ،عندما خاضت الحركة الطلابية أول  إضراب لتأميم كافتيريا جامعة بيرزيت ونجحت في ذلك وأعقبتها مجموعة من التحركات النقابية  على مستوى الجامعات الفلسطينية في ظل الاحتلال الإسرائيلي المباشر، وبالطبع كانت الحركة الطلابية قادرة على الموازنة بين النضال النقابي وبين النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي يعتبر التناقض معه هو الرئيسي، وخاصة في مواجهة وإفشال  الأمر العسكري 854 الإسرائيلي  الذي يتيح للاحتلال التدخل في الشؤون المالية والإدارية والأكاديمية  للجامعات ،ومواجهة وثيقة الأساتذة الأجانب التي حاول الاحتلال فرض التوقيع عليها كشرط لقدومهم والتحاقهم بالهيئات التدريسية في الجامعات،ومواجهة إغلاق الجامعات من قبل الاحتلال الإسرائيلي ومواجهة وإفشال  مشروع الإدارة المدنية  وروابط القرى التي حاول الاحتلال من خلالها خلق بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني وغيرها من المشاريع التصفوية .
كما لم يعد للحركة الطلابية أي دور جدي في سياسة القبول أو في مواجهة الارتفاع المستمر في الإقساط أو السياسة الأكاديمية للجامعات ، فمثلا قامت العديد من الجامعات بتحويل مساق القضية الفلسطينية من مساق إجباري لكافة الطلبة إلى مساق اختياري ، وباختزال مساق الدراسات الثقافية من أربعة  مواد وفصول إلى مادتين وفصلين ، كما أن الحركة الطلابية لا تبدي حتى رأيها في التخصصات الجديدة التي تستحدثها إدارات الجامعات ، وكذلك في برامج الماجستير التي تتسابق الجامعات على استحداثها كبرنامج الصحة العامة والإدارة التربوية وأساليب التعليم ، ولا في تكرار التخصصات في مختلف الجامعات،  كتخصص الحقوق والهندسة والطب والصيدلة وغيرها من التوسعات الكبيرة في البرامج الجامعية الهادفة إلى مزيد من تحقيق الإيرادات المالية للجامعات ، والتي هي بالضرورة على حساب نوعية وجودة التعليم ومخرجاته.
صحيح أن المرحلة تختلف الآن عما كانت عليه في السبعينات والثمانينات من حيث تركيبة الحركة الطلابية ودورها الوطني الرائد في إطار الحركة الجماهيرية عموما ، إلا انه من الصحيح أيضا أن هذا التراجع الكبير وبهذا القدر ليس مبررا لأنه في جزء كبير منه متعلق بعوامل ذاتية كان يمكن التخفيف من تأثيرها .
إن انقضاض إدارات الجامعات على منجزات الحركة الطلابية متذرعة بالضائقة المالية ، لم يتحقق بالضربة القاضية، بل بالنقاط والتراكمات حيث استغلت إدارات الجامعات على مدار ثلاثة عقود ،حالة التراجع في دور الحركة الطلابية وتفسّخها  وانشغالها في المناكفات السياسية المتعلقة بما يدور خارج أسوار الجامعات على حساب مصلحة الطلبة ،(لدرجة تحولت معها بعض الكتل الطلابية إلى مجرد بوق سياسي  للأحزاب والفصائل الفلسطينية) إلى الانقضاض على انجازات الحركة الطلابية ، على حساب الحفاظ على الجامعات واستقلاليتها وديمقراطيتها وعلى حساب دور الحركة الطلابية ومشاركتها في صنع القرار الجامعي بكل مستوياته ومناحيه.
إن وقف هذا التراجع في دور الحركة الطلابية يتطلب من الحركة الطلابية الكثير من العمل والجهد المرتكز على المحاور التالية.
أولا: محور إعادة ترتيب الأولويات على صعيد الحركة الطلابية في كل جامعة، بما يعنيه ذلك من اتفاق الكتل الطلابية ومجلس الطلبة واتحادها واتفاقها على أهم القضايا التي تهم الجامعة ،حتى تبقى منابر للديمقراطية  كمواجهة تدخل الأجهزة الأمنية في شؤونها وحياتها اليومية، وعلى أهم القضايا المطلبية لجمهور الطلبة، وعلى وضع الخلافات السياسية في إطارها وحيزها المناسب وليس على حساب مجمل القضايا التي يوجد حولها اتفاق.

 

ثانيا:محور العمل وإعادة الوحدة على صعيد الحركة الطلابية على المستوى الوطني في مواجهة اتحاد إدارات الجامعات على المستوى الوطني ، الأمر الذي يتطلب عقد المؤتمر الطلابي الوطني الثاني ( الأول عقد عام 1982) والذي من المفترض أن تشارك فيه الكتل الطلابية ومجالس الطلبة  في الجامعات والمعاهد العليا في الوطن وأن ينبثق عنه لجنة التنسيق العليا للحركة الطلابية.

 

ثالثا:محور التنسيق  والتكامل مع نقابات العاملين في الجامعات والمعاهد وكسب تأيدها لمطالب ونضال الحركة الطلابية ومعالجة أي تعارض فيما بين مطالب ومصالح وحقوق الطلبة ومطالب العاملين وحقوقهم.

 

رابعا:إعادة تفعيل دور مجالس الطلبة المنتخبة وتجنيبها الانشغال بالخلافات والمناكفات السياسية ، وتصويب عملها وتركيز جهدها واهتمامها الأساسي على مصلحة الطلبة وحقوقهم وكذلك الجامعة بشكل عام، وترك الموضوع السياسي للأحزاب والفصائل وللكتل الطلابية مع أننا لا نفضل انشغال الكتل الطلابية بالشأن السياسي لدرجة يصبح هو المسيطر عليها.

 

إن العمل في هذه المحاور سيمهد الطريق ويشكل بداية لاستعادة الحركة الطلابية لدورها التاريخي المفتقد على الصعد النضالية من اجل ديمقراطية الجامعات واستقلاليتها وصون حقوق جماهير الطلبة النقابية والمطلبية.