فشل المرحلة الأولى من الجولة السابعة للمباحثات حول الاتفاق النووي الايراني، من شأنه أن يساعد اسرائيل على اقناع إدارة بايدن بالمزيد من الضغط على طهران، وهذا هو هدف توقيت زيارة كل من وزير الحرب غانتس ورئيس الموساد برنياع إلى واشنطن قبل استئناف المباحثات في فيينا، وذلك من خلال دفع واشنطن إلى تعزيز مساحة العقوبات المالية المفروضة على إيران، وفتح المجال أمام دعم الخيار العسكري من وجهة نظر القيادات الاسرائيلية بأنّه قد حان الوقت لمعاقبة إيران على استثمار الوقت لمواصلة تخصيبها لليورانيوم.
قبل مغادرته إلى واشنطن، أطلق رئيس الموساد تهديدات قاطعة بأنّ إيران لن تحصل مطلقاً على القنبلة النووية وأنه يتعهّد بذلك شخصياً، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة لدى أوساط عديدة في إسرائيل والخارج باعتبارها تهديدات فارغة ومتغطرسة وتسيء للعلاقات مع واشنطن، رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك دعا إلى الكف عن التصريحات الاعلامية الاستعراضية بينما تمضي إيران بتخصيب اليورانيوم وبحيث أصبحت على مسافة شهور من التحوّل لدولة نووية، بينما علّق ألون بن كاس القنصل الاسرائيلي السابق في بوسطن على الثرثرة الاسرائيلية بهذا الشأن بأنّ ذلك يدل على عدم وجود رؤية سياسية صائبة لدى القيادات الاسرائيلية وأنّ التحدث بشكل علني عن السياسة الأمنية في مواضيع حساسة يشير إلى العجز والتشوّش وثقة ليست في محلّها وان تصريحات برنياع رئيس الموساد تقترب من سياسة «خدمة الزبائن» تتناسب مع رئيس شركة وليس رئيس الموساد، ويشاركه في هذا الرأي رئيس مجلس الأمن القومي السابق الجنرال في الاحتياط غيورا آيلند داعياً برينياع إلى التحدث مع واشنطن عبر قنوات هادئة دون ثرثرة وتصريحات لا معنى لها.
من المعروف أنّ الملف النووي الايراني كان على طاولة كل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ قرابة ثلاثة عقود، في العام 2010 قرر رئيس الحكومة في ذلك الوقت نتنياهو ووزير حربه آنذاك إيهود باراك بأمر رؤساء الأمن بإعداد الجيش لمهاجمة المنشآت النووية الايرانية، إلاّ أنّ قادة الأمن الاسرائيليين بعد دراسة كل السيناريوهات وتقييم الأمر على مختلف جوانبه أقنعوا رئيس الحكومة ووزير حربه بوقف هذا الأمر، على أساس التشكيك في امكانية نجاح هذه الهجمات في إنهاء البرنامج النووي الايراني، مع الأخذ بالاعتبار أنه حتى لو تم بالفعل تدمير كل المفاعلات والمواقع النووية فإنّ ما تمتلكه إيران من امكانات بشرية وخبرات في هذا المجال إضافة إلى تحالفاتها مع قوى نووية دولية كبرى، سيمكنها من العودة إلى الخيار النووي مجدداً، أمّا الآن في هذه الأوقات بالضبط وبعد سلسلة هجمات قامت بها إسرائيل أدت إلى التدمير الجزئي لبعض المنشآت النووية وأضرت بها فإن إيران عادت ببنائها من جديد وتطويرها بأسرع مما توقعته كل من إسرائيل وأميركا، وبالمحصلة فإن هذه الهجمات أدت إلى آثار عكسية خلافاً لما استهدفته.
يتساءل جورجي كاميرون الباحث في معهد ريسبونسابيل ستيت كرافت الأميركي، ما هي مصلحة إسرائيل فيما يتعلّق ببرنامج إيران النووي ويجيب بنصيحة: توقفوا عن الحديث عن التهديد النووي الايراني، ليست هناك حاجة لتضخيمه كون ذلك يأتي بنتائج عكسية ويقوض أمن إسرائيل على المدى الطويل، وعلى اسرائيل أن تفهم أنّ الخطة المشتركة هي المسار الأكثر واقعية نحو ضمان تجميد البرنامج النووي الايراني، وخروج إدارة ترامب عن هذه الخطة نتيجة لضغوط اسرائيلية وخليجية أدى إلى استمرار البرنامج النووي الايراني. من نتائج الثرثرة المتواصلة من قبل معظم القيادات السياسية والأمنية الاسرائيلية حول العصا الغليظة والخيار العسكري ضد ايران، أن تُشكّل ضغطاً على طهران للعودة إلى الاتفاق النووي باعتبار ذلك الحل الواقعي الممكن لوقف برنامج إيران النووي، كما تعتقد هذه القيادات لأن إسرائيل تدرك أنّ الخيار العسكري من الناحية الواقعية غير ممكن لذلك فإن التهديد سيؤدي للوصول إلى الهدف دون تنفيذه بالضرورة على افتراض أنّ التهديد وحدة كافياً كي تستجيب إيران للضغوط من أجل التوصّل إلى العودة للاتفاق وفقاً للشروط الإسرائيلية الأميركية وفي ظل عدم واقعية الخيارات الأخرى رغم تكرار الثرثرة والضجيج المفتعل حولها، فواقع الأمر يشير أنّ لإسرائيل مصلحة أساسية في هذا الاتفاق، ولكن ضمن رؤيتها واشتراطاتها.