كتب رئيس التحرير: حياةُ الأسرى، منذ أول يوم لاعتقالهم تحفل بآلاف القصص والحبكات التي تصلح كل واحدٍ منها لأعظم مسلسل أو عمل درامي، البعد عن الأهل، البرد شتاء والموت عرقاً في الصيف، الاشتياق للأهل، الحنين للمس يدِ أمِّ أو أب أو ابنٍ أو زوجة، البوسطة، التحقيق، الزنازين، كل مرحلة يعيشها الأسير، بل كل شعور يختلجه هو رواية كاملة، تنتظر مُبدعاً عربياً كان أو أجنبياً لتصديرها وإخراجها من بين جدران السجون.
شهدت الأيام الماضية جدلاً واسعاً حول فيلم عربي، يُقال إنه مصري أردني فلسطيني، حمل اسم "أميرة" يتناول جزئية النطف المهربة، لكن بعقل ملوّث وفكرٍ مشوه، إما عن قصدٍ أو جهل، وفي الحالتين فإن النهاية أو المُخرَج سيكون ذاته، مشوهاً عقيماً يجرح الأسرى بل ويتهمهم في أعراضهم ونسب أبنائهم.
ارتفع الصوت الفلسطيني رفضاً وغضباً واستهجاناً، الأسرى وعائلاتهم، النشطاء على مواقع التواصل، الصحفيون، حتى الناس البسطاء، غضبوا للمَس بالأسرى وحُرُماتهم وعائلاتهم وأبنائهم، فحُشر الفيلم ومخرجه وكاتبه وممثلوه في الزاوية، وعلموا يقيناً أن ما أنتجوه كان إجراماً وإخلالاً بعروبتهم وضرباً لقضية فلسطين، بل لأيقونتها الناصعة وهم الأسرى.
الهيئة الملكية للأفلام في الأردن، والتي تعطي تراخيص بث الأفلام والتحفظ عليها ومنعها، قررت بعد الجدل والغضب أن تسحب فيلم "أميرة" من سباق جوائز الأوسكار 2022، وهو أمر عزز من موقف الرافضين لهذا العمل الدرامي "البشع"، وأعاد الأمور إلى نصابها.
بعد كل ما جرى، لن نضع الفيلم في ميزان الوطنية أو الدراما، لن نُحاكمه لأن ذلك مضيعة للوقت، فهو أقل من أن يُنظر إليه، بل ما نريد تسليط الضوء عليه هي أمور برزت مع حالة الغضب، أمر مُبشر، وروح جميلة، ظهرت مع كل كلمة غضب كتبت.
أعاد الجدل الدائر حول الفيلم والغضب الشعبي العارم (وليس الفيلم ذاته) حالة الاصطفاف حول قضية الأسرى، وأبرز معاناتهم في ممارسة أقل حقوقهم على هذه الأرض، وهو أن يكون لهم أسر وأبناء، الغضب الفلسطيني العربي هو من أبرز هذا الجانب، وليس كما يدعي مخرج الفيلم بأن عمله كان يريد إحداث وإثارة هذا الجانب.
صنعت حالة الغضب الشعبي وعياً جمعياً بمعنى ومشقة وخطوات وتأمين "النطف المهربة"، فهي ليست عملاً اعتباطياً أو ارتجالياً، بل عملية معقدة جداً ومؤمنة بأشد الاحتياطات. فبعد حوالي 9 سنوات من نجاح أول نطفة مهربة للخروج من بين الأسلاك الشائكة وجدران السجون، صار الفلسطيني والعربي يعرفون كل خطوة تخطوها تلك النطقة حتى تنغرس في رح زوجة الأسير.
أعاد الغضب العارم التأكيد على حُرمة الأسرى، فكانت جرس إنذار لكل من يريد التطرق إلى معاناتهمم بأن يكون أميناً مُخلصاً لقضيتهم، وأن يبتعد عن كل ما قد يمس "نسمة الهواء" التي تحيط بالأسرى وعائلاتهم، وأن أي عمل درامي يجب أن يخدم الأسير أولاً وأخيراً.
كشف الفيلم مرة أخرى عن غياب التنسيق بين المؤسسات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية فيما يخص الأسرى والحفاظ عليهم ودعمهم، فالفيلم (غير الجديد) لم يعرف عنه إلا بعد أن تقدم للأوسكار في الأردن! فلماذا لم يُشطب في مهده؟
وأكد العمل "الرديء" أن الأردن ظهرٌ يُسند عليه بملكه وناسه ومؤسساته، وأن الفلسطيني عندما يتكئ عليه فإنه لن يُخذل، فالفنانون في الأردن، والسياسيون والمواطنون والمؤسسات هناك كلها وقفت رافضة للعبث المُخزي، وهو ما أدى في نهاية الأمر إلى وقف الفيلم.
أخيراً، فإن الأسرى دوماً هم الفائزون، رغم محاولات التشويه التي تلبس أزياء مختلفة، تارة على شكل عمل درامي، وتارة أخرى على شكل رسائل إعلامية، أو خطابات، أو محاولات علنية للشيطنة بلسان عربي أو عبري.