ذات لقاء اقترحت على الرئيس محمود عباس، بوصفه القائد الأعلى لفتح، ان يجنب الانتخابات المحلية محظور التنافس بين القوى السياسية، خصوصا حين تقرر حركة حماس مقاطعتها، ولكي اسوّق اقتراحي أظهرت المحتوى الإيجابي له بأن يترك للمواطنين المستفيدين من خدمات المجالس المحلية حق الاختيار الحر لمن يوصلونه الى قيادة المجالس، وبالتأكيد فإن اعتماد صيغة كهذه ستكون نتائجها افضل بكثير من ما تفرزه الانتخابات الممهورة بأختام وشعارات الفصائل.
لم يؤخذ باقتراحي ليس كما قدر البعض انه مثالي، ولكن لأن حمى التنافس بين القوى السياسية “الفصائل” بلغ حد الإدمان، فصارت أي انتخابات على أي مستوى مجرد مناسبة لاظهار التفوق في النفوذ، فإن لم يكن حقيقيا فيمكن تكييفه وادعاءه بما يلائم مصالح المتنافسين.
جرى في هذه الآونة تكييف الانتخابات على مقاس التنافس على النفوذ، وكانت النتيجة ان حماس خسرت ليس في الصناديق، وانما في صدقية ما تسوقه من حرص على الديموقراطية الوطنية عبر مواصلة تبني الانتخابات العامة، فالمقاطعة عادة لا تترك اثرا طيبا في نفوس الناس الذين لا يحبون الانتخابات الانتقائية بمعني ” كما نريد والا فلا”.
اما فتح فقد خسرت في الصناديق حين فازت القوائم المستقلة بنسبة اعلى مما حصلت عليه الحركة الكبرى، المتهمة بأنها ما تبنت الانتخابات المحلية الا لتفادي الانتخابات العامة، وبتفصيل اكثر فان القوائم الكثيرة التي فازت بالتزكية وان كانت تضم عددا من مناصري فتح الا انها لا توفر للحركة صدقية تبني فوزها كانجاز لها، وهنا يظهر توافق سلبي بامتياز بين حماس وفتح على الانتخابات الانتقائية، لأن المقاطعة تخدم اجندة حماس فهي الأكثر انسجاما مع مصالحها وكذلك اجراء الانتخابات بالصورة التي حدثت هو شكل من اشكال الانتخابات الانتقائية التي اعتمدتها فتح منذ تأجيل الانتخابات العامة او الغائها او حتى برمجة مراحلها.
ما الذي افرزته الحالة التي شرّعتها الصناديق وأفقدها ايقاعها تجنب الانتخابات العامة؟؟؟
اول ضحايا ما حدث هي الوحدة الوطنية، الواقعة تحت وطأة الانقسام الذي وصل حدود الانفصال، والامر هنا لا يفسر او يبرر بمن هو على حق ومن هو على باطل وانما بالخلاصات، فلقد اضيف الى بنود ملف الانقسام بند قوي التأثير السلبي ولتأكيد ذلك فإن اعلان النتائج تزامن مع كارثة مخيم البرج الشمالي التي لا يختلف اثنان على انها شكل من اشكال الامتدادات الكارثية للانقسام المتكرس على ارض الوطن.
ان ما هو اخطر من الانقسام السياسي او الفصائلي هو المناخ الذي يخلقه، والذي يجسد مستنبتا لصراعات فلسطينية فلسطينية تسيل فيها دماء وهذا ما حدث اكثر من مرة في المخيمات البعيدة جغرافيا والاقرب الى حبل الوريد سياسيا ووجدانيا.
الحالة الفلسطينية العامة أصبحت اشبه برمال متحركة لا تصمد على ارضها اية صيغة من صيغ التنافس على النفوذ، ولا توفر حسما لمصلحة قوة تجاه القوة المنافسة وأكرر القول بأن حماس خسرت وفتح لم تكسب.
غير ان الانتخابات المحلية انتجت معطىً جديدا لم تقصده القوى السياسية المقاطعة او المنخرطة فيها وهي ان العشائرية زحفت بنفوذها على الحياة الفلسطينية من خلال الممرات الممهدة التي انتجها ضعف أداء السلطة واخفاقاتها خصوصا في مجال انهاء النزاعات الداخلية غير السياسية مع ضعف افدح في معالجة الملفات الأكثر تأثيرا في الحياة الوطنية مثل الانقسام السياسي والتراجع الكبير للوضع الاقتصادي والمالي دون ظهور بوادر علاج مقنع لهذه الملفات.
الخلاصة… اود القول ان الانتخابات المحلية كذلك لا تصلح في كل احوالها كمؤشر على حجم النفوذ السياسي، فلا القوى السياسية التي تضع اختامها وشعاراتها على قوائمها تخوض الانتخابات وفق برامج، ولا المواطنون الفلسطينيون الذين يصوتون يدلون بأصواتهم وفق خلفيات سياسية، لذا لو سمع القوم نصيحتي بترك الانتخابات المحلية للمواطنين المستفيدين منها، لكانت النتائج افضل، مع ان النتائج الحالية اقتربت مما اقترحت.
ان اكثر ما يجسد الحالة الفلسطينية المأساوية هو تكرس معادلة ان الممكن مستحيل، وان المستحيل هو المخرج، والمستحيل ما نحن فيه الان على كل الصعد.