دون طعونات أو شكاوى ذات قيمة انتهت المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية، التي جرت في الأغلبية الساحقة من القرى والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية.
لجنة الانتخابات المركزية أشادت بالنتائج وبشفافية العملية من أولها إلى آخرها، وبنسبة المشاركة الشعبية التي بلغت نحو 66% ممن يحق لهم الاقتراع. العملية الانتخابية نظيفة إذاً ولا يملك المرء إلا التعبير عن الاحترام والتقدير لهذه المرحلة من الانتخابات وأي عمليات انتخابية أخرى تجري في أي مؤسسة أو مرفق وطني في مختلف المناطق التي يتواجد فيها شعبنا الفلسطيني في الداخل أو في الخارج.
بعد ثلاثة أشهر تقريبا أي في السادس والعشرين من آذار المقبل ستجري الانتخابات للمرحلة الثانية التي ستشمل ستين هيئة محلية في الضفة وغزة، على افتراض أنها ستجري على نحو متوازٍ.
إذا كانت المرحلة الأولى قد شملت ثلاثمائة وستا وسبعين هيئة تشكل «بروفة» ومقدمة فإن الانتخابات المقبلة هي الأهم بالنظر لأنها تجري في المدن الرئيسة أساساً حيث الكثافة السكانية، ومن حيث طبيعة وحجم الدور والخدمات المترتبة على الهيئات المحلية في هذه المدن.
لا نعتقد بأن ثمة وجاهة في انتقاد هذه الانتخابات من حيث المبدأ أو مقاطعتها بدعوى أنها لا تشكل الأولوية في سلم اهتمامات المجتمع الفلسطيني.
صحيح أن الانتخابات التشريعية والرئاسية، وانتخابات المجلس الوطني تحظى بأهمية استثنائية بالنظر لكونها تنطوي على أبعاد سياسية، فضلاً عن أنها المدخل الأهم لبناء الشراكات، ولأنها تشكل المدخل الأساسي نحو إنهاء الانقسام وإتمام المصالحة الفلسطينية، وربما كان إجراؤها مؤشراً على تغيرات جذرية على مستوى السياسة العامة والنظام السياسي الفلسطيني.
ولكن هل يمكن تعطيل العملية الديمقراطية، التي تشكل جزءاً مهماً من معركة التصدي للاحتلال، ومؤشراً أساسياً على أهلية الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه.
ليس هذا وحسب بل إن المواظبة على إجراء الانتخابات عموما تنطوي على احترام للقانون الأساسي، واحترام لحق الشعب في المشاركة السياسية، ومن أجل نظام سياسي محترم ورشيد يفصل بين السلطات الثلاث، ويؤثر مؤسسات الرقابة على الأداء والمحاسبة على التجاوزات وبالتالي تصحيح المسارات.
غياب الانتخابات بصرف النظر عن الأسباب يعني تغييباً مقصوداً لحق الشعب في المشاركة السياسية، وبأن مصادرة هذا الحق، ستؤدي إلى احتكار السياسة من قبل الفصائل، والطبقة السياسية.
في الأصل والأساس فإن ثمة عواراً كبيراً وخطيراً فيما يتعلق بثبات ومصداقية الالتزام بدمقرطة المجتمع والنظام السياسي، ونحو احتكار السلطة، ودوام التشوهات في النظام السياسي. إذا كانت المعركة الديمقراطية مطروحة على الكل الفلسطيني الذي يرفض الادعاءات الإسرائيلية بأن إسرائيل هي واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، فإن ذلك يرتب على الفلسطينيين إثبات نجاحهم في هذه المعركة، والتأكيد على أن الديمقراطية ليست مقررة لشعب دون آخر.
ولكن مرة أخرى، هل إجراء الانتخابات السياسية والرئاسية والمحلية في حال إجرائها جميعاً، سيمنح النظام السياسي علامة مئة بالمئة في امتحان الديمقراطية.
إن بناء النظام الديمقراطي الحقيقي والعميق، ينبغي أن يشمل كافة الهيئات والمؤسسات التمثيلية للمجتمع الفلسطيني ليس فقط السياسية وإنما النقابية والجماهيرية والقطاعية وحتى الحزبية ومؤسسات المجتمع المدني. سيتذرع المعطلون وغير المقتنعين بحق الشعب بأن وجود الاحتلال والصراع معه، لا يستدعي إجراء الانتخابات، أو أنها يمكن أن تجري في مكان أو قطاع ولا تجري في آخر بدعوى السرية، وتجنب ملاحقات الاحتلال.
لو كانت هذه الذرائع مقبولة ومنطقية، فلماذا تشارك كافة القوى السياسية في السلطة والمعارضة، بمن في ذلك من يتعرضون لملاحقة الأجهزة الأمنية للاحتلال، لماذا تشارك في الانتخابات الطلابية في جامعات الضفة، وفي بعض النقابات، وحتى في انتخابات الهيئات المحلية، السابقة والتي جرت قبل أيام؟
ومرة أخرى لماذا تجري انتخابات وليس كل الانتخابات المستحقة في الضفة الغربية ولا تجري إلا على نحو محدود في قطاع غزة.
إلى ذلك فإن كافة الفصائل والقوى ذات النفوذ، وغيرها معنية تماماً بالدفع نحو إجراء الانتخابات، ودمقرطة المجتمع حتى لو بقي الانقسام قائماً وإلى حين إنهائه.
نتطلع إذاً إلى أن تجري الانتخابات المحلية في الضفة وغزة خلال المرحلة الثانية من الانتخابات حتى لو لم يكن ذلك بناء لتوافقات وطنية، ذلك أن هذه الانتخابات تأتي في إطار الاستحقاق وإعادة الحق لأصحابه. لا شك في أن الهيئات المحلية غير المنتخبة، من شأنها أن تفقد الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه من الدول المانحة والذي يساعدها على تحسين الخدمة وتوسيع هذه الخدمات التي يحتاجها الجمهور الفلسطيني.
لا نترك هذا الملف قبل أن نسجل بعض الملاحظات على المرحلة الأولى التي جرت. أول هذه الملاحظات، أن أقل من نصف الهيئات المحلية شهدت تنافسات بين قوائم انتخابية للفصائل، أو المستقلين أو العائلات.
ثاني هذه الملاحظات أن ستين هيئة محلية لم تتقدم فيها أي قوائم وبقيت للمعالجة من خلال الحكومة، هل يعني ذلك غياب الاهتمام الشعبي والفصائلي عن هذه الهيئات أم ماذا؟
ثالث هذه الملاحظات أن مئة واثنتين وستين هيئة نجحت فيها القوائم بالتزكية، أي في غياب المنافسة وهي أصلاً ليست قوائم ائتلافية. هل يعني ذلك تراجع الثقة بالفصائل، أو بما يمكن أن تقوم به هذه الهيئات من خدمات جيدة للمواطن؟