كان من بين “المعارك الداخلية” التي انشغلت بها الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة نفتالي بينت، على أعتاب مناسبة مرور نصف عام على تأليفها التي صادفت الأسبوع الفائت، الهجوم الذي تعرّض له وزير الأمن الداخلي عومر بار ليف، من حزب العمل، لمُجرّد أنه دان عنف المستوطنين الإسرائيليين في أراضي 1967 في اجتماع عقده مع مساعدة وزير الخارجية الأميركي.

ووقف على رأس المهاجمين رئيس الحكومة نفسه، الذي اعتبر المستوطنين بمثابة “سورٍ واقٍ لجميع السكان الإسرائيليين”!

ولا ينبغي أن يُستنتج من هذا الهجوم أن المفهوم الذي يتبنّاه الوزير العمّالي المذكور، ووقف وراء إدانته عنف المستوطنين، ينسجم مع مفاهيم العدل والقيم العالمية في ما يتعلّق بالاستيطان وضحاياه عمومًا، ولكنه يحاول أن يتعامل مع واقعٍ لم يعد بالإمكان غضّ النظر عنه.

في الوسع القول الآن إن الجدل، أو بالأحرى ردّات الفعل على هذه الحادثة، أثبتت مرّة أخرى أن ضم المستوطنات قائم فعلًا منذ زمن بعيد، وذلك كما أشار بعضهم من دون أي تصويت دراماتيكي في الكنيست، أو من غير إجراء استفتاءٍ عام، وحتى قبل أي عطايا من إدارة دونالد ترامب الغاربة. وأكثر ما يبرهن على ذلك وقوف معظم مركبات الحكومة والمعارضة في الوقت الحالي وبصورةٍ لا تقبل التأويل، إلى جانب المستوطنات والمستوطنين في الضفة الغربية.

للتذكير، عندما كانت مُركبات الحكومة الحالية في المعارضة، وكانت المعارضة الحالية جالسةً على مقاعد الحكومة الوثيرة، حدث أمرٌ مشابهٌ لدى نشر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في شباط/ فبراير 2020، قائمة سوداء تضم أسماء 112 شركة، 18 منها أجنبية، تنشط في المستوطنات في الأراضي المحتلة منذ 1967، سرعان ما جوبهت باستنكار إسرائيلي جارف شمل الحكومة والمعارضة. فمثلًا انتقد رئيس تحالف “أزرق أبيض” وزعيم المعارضة البرلمانية في ذلك الوقت بيني غانتس (وزير الدفاع الحالي)، خطوة مجلس حقوق الإنسان هذه، واتهمه بفقدان أي صلة له بالواقع.

ووصف رئيس حزب “يوجد مستقبل” يائير لبيد (رئيس الحكومة البديل ووزير الخارجية حاليًا)، مجلس حقوق الإنسان بأنه “مجلس حقوق الإرهاب”! ودعاه إلى إلقاء القائمة التي أصدرها في سلة المهملات، مؤكّدًا أن إسرائيل لن تقبل الإملاءات الصادرة عن هيئةٍ أثبتت مرارًا أنها منحازةٌ ومعاديةٌ للسامية. وهدّد لبيد بأنه عندما يؤلف حزبه الحكومة سيعمل ضد هذا المجلس بكل قوّة وبلا أي تردّد.

وقال رئيس حزب العمل عمير بيرتس، الذي كان وقتها رئيس قائمة التحالف بين حزبه وحزبي ميرتس و”غيشر”، إن قرار مجلس الأمم المتحدة زائدٌ ومثيرٌ للغضب، وأكد أن قائمته ستعمل في جميع الساحات من أجل إلغاء القرار و”الحفاظ على اقتصاد إسرائيلي قوي وعلى أماكن عمل للإسرائيليين”.

وما أزال أذكر أن محللين في إسرائيل اعتبروا هذا البيان بمثابة شهادة وفاة رسمية لليسار الصهيوني أمام ضم المستوطنات القائم فعلًا، بعد أن كان هذا اليسار نفسه في غيبوبة فترة طويلة.

يتّسق اتضاح صورة موقف الحكومة الحالية من الاستيطان والمستوطنين مع سياستها العامة إزاء الفلسطينيين، ولا سيما في أراضي 1967، والتي وصفتها المختصة بشؤون هذه الأراضي في صحيفة هآرتس عميرة هس بأنها قائمة على أساس خوض أكثر من ألف جبهة ضدهم بمشاركة رجال شرطة وجنود مسلحين، وموظفين دولانيين، ومراقبين، ومهندسين، ومنظماتٍ يمينية غير حكومية. أمّا رأس الحربة فتتمثل في النيابة الإسرائيلية العامة والحقوقيين والمحاكم والقضاة.

وعندما أعلن وزير الدفاع غانتس، أخيرا، تصنيف ست منظمات مجتمع مدني فلسطينية بأنها إرهابية، صار مفهوم “الإرهاب” بالنسبة لإسرائيل، كما يؤكد المختصون، إلى مزيد من الاتساع على نحوٍ بات يشمل تعريفاتٍ مختلقةً من قبيل “إرهاب دبلوماسي” و”إرهاب قضائي” و”إرهاب رياضي” و”إرهاب اقتصادي” و”إرهاب صوتيّ”، مع استثناء تعريفه الأكثر كلاسيكية: استخدام العنف والترهيب ضد السكان المدنيين من أجل تحقيق غاية سياسية، كونه ينطبق على المستوطنين الإسرائيليين تمامًا.