معروفة تماما ومعلنة دوافع ‏زيارة سوليفان لاسرائيل، ‏والمحادثات او المشاورات ‏التي تجري فيها اذ لا يوجد ‏على الطاولة الان سوى ‏الملف النووي الإيراني.‏

وبين جولة المحادثات التي ‏جرت والتي ستجري تشتعل ‏الحرب النفسية والإعلامية ‏وتتفرغ الديبلوماسية لترتيب ‏أوراق الضغط للتأثير على ‏مجريات المفاوضات ‏القادمة، وفي هذا السياق ‏ترتفع اسهم إسرائيل في ‏الشراكة الامريكية وتؤدى ‏عملية تنسيق الأدوار.‏

الجانب الأمريكي يصعد ‏تهديداته المنضبطة تحت ‏سقف جملة تكاد تكون ثابتة ‏في كل المراحل هي ” ان ‏الخيارات حال فشل ‏المفاوضات ستكون مفتوحة، ‏وأوضح ما يقال فيها عادة ‏هو استمرار العقوبات ‏وزيادتها”‏

اما اللغة العسكرية فما تزال ‏محالة الى إسرائيل التي ‏بلغت تهديداتها في هذا ‏المجال حد ترجيح احتمال ‏الحرب على أي احتمال ‏آخر، بل وذهب قادتها الى ‏ابعد من الترجيح أي ‏الاستعداد العملاني لهذه ‏الحرب كما تعلن.‏

إسرائيل تواصل التهديدات ‏العسكرية في الأساس وهي ‏تدرك ان ليس بمقدورها شن ‏حرب على ايران بمفردها، ‏اما العراب الأمريكي الذي لم ‏ييأس بعد من تحقيق هدفه ‏من خلال الضغط ‏والمفاوضات والعقوبات، ‏فهو الأكثر إدراكا لدور ‏إسرائيل في لعبته الكبرى ‏وحجم هذا الدور بين جولات ‏المحادثات والاتصالات ‏السرية والعلنية.‏

في هذه الأجواء تكثفت ‏الاتصالات العسكرية ‏والاستخبارية والزيارات بين ‏العراب و”الحليف الأداة” ‏وهذا هو الحال دائما بين ‏القائد الأعلى للعملية الكبرى ‏من كل جوانبها، وبين الأداة ‏الثانية الأكثر فاعلية ‏ووضوحا في مجال الضغط ‏العسكري المنسق مع ‏الضغوط الأخرى.‏

لقد أصبح تقليدا أمريكيا ان ‏تترافق الزيارات لإسرائيل ‏بدافع العمل المشترك مع ‏زيارات لنا بدافع انها بحد ‏ذاتها تجسد دعما للسلطة، ‏بينما في جوهر الامر هي ‏من اجل ان يقال أنتم في ‏البال.‏

السلطة في رام الله تعاني ‏كثيرا من تحول الجهد ‏الأمريكي عن مساراته ‏القديمة التي اعتمدت التوازن ‏ولو النسبي بين السياسة ‏والاقتصاد، الى منح السياسة ‏إجازة مفتوحة قد تطول وقد ‏تطول كثيرا.‏

السلطة لا تملك المساحة ‏والبدائل والقدرة التي ‏تحتاجها لتعديل الميزان ‏الأمريكي، لهذا هي في حالة ‏انتظار لرؤية فاعلية المسار ‏الاقتصادي في تخفيف ‏ازماتها المتفاقمة وهل ‏سيسفر هذا المسار عن ‏تحرك سياسي جديد.‏

اذا لا يتوقع ان يأتي السيد ‏سوليفان بجديد مختلف عما ‏كان يأتي به هادي عمرو، او ‏ما أتت به المحادثات الأمنية ‏والاقتصادية التي لم تنقطع، ‏ولكن من بديهيات الأمور ان ‏يؤكد السيد سوليفان على ‏المواقف الامريكية التقليدية ‏وعنوانها الأكثر تداولا هو ‏حل الدولتين، ومعارضة ‏المغالاة الإسرائيلية في ‏الأنشطة الاستيطانية مع ‏تفسير محدودية القدرة على ‏لجم التغول الإسرائيلي ‏المبالغ فيه ضد الفلسطينيين، ‏ذلك ان الاداراة الأمريكية بل ‏الإدارات جميعا تفسر موقفها ‏من كل ما يجري ميدانيا ‏بحق الفلسطينيين وفق مبدأ ‏من حق إسرائيل الدفاع عن ‏نفسها، حتى لو تمادت ‏بالتعسف في استخدام هذا ‏‏”الحق”.‏

السلطة في رام الله وبعد هذا ‏التحول في الدور الأمريكي، ‏لا تملك اكثر من محاولة ‏الاستفادة من هوامشه ‏الضيقة، والتي ضاقت اكثر ‏بفعل فتور الفاعلية الأوروبية ‏واستسلامها للتحول ‏الأمريكي، ويبدو ان أوروبا ‏ان لم تتخلى عن دورها ‏التقليدي فقد خفضته الى ‏ادنى المستويات، مع انها ‏كانت في اوج دعمها للعملية ‏السياسية تتولى تشحيم ‏المسننات حين تتوقف، ‏وحراسة المشروع حين كان ‏فيه بعض رمق، وتوفير ما ‏يلزم للفلسطينيين بما يبقيهم ‏على قيد الشراكة السياسية، ‏اما الان فيبدو اننا بحاجة الى ‏مجهر لرؤية الدور الأوربي ‏ولو ببعض قديمه، واذا كانت ‏السلطة في رام الله قد وصلت ‏حالة اليأس من عودة المسار ‏السياسي الذي تطالب به الى ‏العمل فهي فيما يبدو يائسة ‏كذلك من توفير الحد الأدنى ‏من متطلبات معالجة الوضع ‏الداخلي في بلادها، وهذا هو ‏بالضبط أساس ما تعاني وما ‏يعاني منه اشقاؤها ‏وحلفاؤها، وما يتذرع به كل ‏من لم يعد مستعدا لتحريك ‏المسار السياسي.‏