أدعو المؤسسات الفلسطينية الرسمية والاهلية، واتحاد الفنانين الفلسطينيين وكافة الكتّاب والمثقفين الى اعتماد لوحة الطفل الفلسطيني المعاق عدنان خضر أبو شقرة (10) سنوات، سكان قرية مراح رباح قضاء بيت لحم كأجمل لوحة فنية لعام 2021.
هذه اللوحة ليست الموناليزا ليوناردو دافنشي ولا لوحة ليلة النجوم لفينسنت جوخ ولا زنابق الماء لكلود مونيه ولا لوحة خلق آدم لمايكل انجلو ولا لوحة ولادة فينوس لساندرو بوتيتشيلي، أنها لوحة لطفل في الصف الثالث الابتدائي مصاب بمرض جلدي وضمور شامل في العضلات، لا يتحرك في يديه سوى اصبع واحد منضمر اخرجه من تحت جلده المنكمش ليتحول الى ريشة وقلم ويرسم أحلى لوحة احتلت المشهد خلال هذا العام.
الطفل المعاق عدنان خضر يرسم لوحة نفق الحرية للأسرى الستة الذين انتزعوا حريتهم من سجن جلبوع بتاريخ 6/9/2021 وعانقوا الأرض والسماء بعد ان حفروا نفقا تحت الاسمنت المسلح واسقطوا حصانة ثكنة عسكرية وامنية وادهشوا العالم بإرادة تستطيع ان تحطم الاسوار والفولاذ.
انها لوحة الخلاص الانساني والتحرر من قيود الاحتلال، هي الحدث الأبرز، هي صدمة المستعمرين وحراس ترساناتهم العسكرية، هي سؤال الكون عن معجزة فلسطينية ومقاومة لا تتوقف في سبيل الكرامة والحرية، لوحة نجد فيها كل الشعب الفلسطيني يحفر حياته بالصمود والصبر للخروج من نفق الاحتلال.
بتاريخ 6/9/2021 توقفت ساعة العالم، كل الأنظار الى فلسطين، حالة ذهول اصابت الفنانين والشعراء والمغنيين ومؤسسات حقوق الانسان، الاسرى الفلسطينيون يخرجون من القبور الإسرائيلية احياء، الاسرى يحطمون مؤبداتهم ويعودون الى بلادهم، يمشون على الأرض غير مقيدين بالسلاسل، يصافحون أشجار الصبار والرمان والحمام البري، يمشون على خطى سابقة حتى عتبات البيت.
الطفل عدنان خضر حفر جسده المنكمش، صارع مرضه، ازاح التراب واليأس وسطوة الجدار، يستطيع ان يرى النور في نهاية النفق، يستطيع ان يخرج من الدائرة المغلقة، أنفاسه ساخنة، دمه يتحرك، اضلاعه تنهض من نومها، ها هو يرسم لا ليفوز بجائزة بل ليرى الفجر بلا اسلاك شائكة.
لوحة الحرية للطفل الفلسطيني عدنان خضر هي تحية من أقاليم جسد مريض الى الاحبة الاسرى المنهمكين في التقاط حبات الحياة بعد سفر الخروج، طفل يدلهم على منعطفات الطريق، يرسم لهم شمسا تطل بعد حين ودربا واضحا للوصول، لوحة فيها كثافة الاغنية.
انظروا الى اللوحة، كل شيء ازرق، ماتت العتمة والأسود، اسرى يرقصون فرحا وبيدهم علما فلسطينيا ومعلقة، نافذة تطل على الجليل ومدينة الناصرة، تسقط نظرية الامن الإسرائيلي ويتلاشى برج المراقبة ويخيب ظن الاستخبارات وسلاح الهندسة.
يكتب الطفل اسفل اللوحة: حريتكم كرامتنا، لتنبت أصابع يديه من جديد، قوة الماء والملح في الجسد الضعيف، قوة الروح والعافية، اصبع واحد في يده يصير قلم تلوين، اصبع واحد يتحول الى مسدس يطلق النار على الخيال لينتصر الواقع على سياسة القمع والهيمنة.
ابتسم الطفل عدنان خضر عندما وزعنا الجوائز على أطفال المدارس المشاركين في مسابقة الرسم تحت اشراف وزارة التربية والتعليم ونادي الاسير في مدرسة بنات جورة الشمعة الثانوية، رأيت عينان جميلتان تطلان من بين القضبان، مشاعر طفل ينجو من المرض والتشويه ويهدي فلسطين لوحة الامل بالحرية والايمان بالشفاء من جرح التاريخ.
اجمل لوحة لعام 2021، تمتزج فيها الألوان برائحة الشمس والبحر والليمون، رائحة التراب والمدن والقرى والمخيمات، خريطة وطن، وجه طفل صغير يبتسم لنا من الشروق الى الغروب، من الجبال والسهول والوديان، وما فينا من قوة البحر وامواج الذاكرة.
لوحة فيها جاذبية سياسية واخلاقية وإنسانية، جاذبية تدفعك بقوة العاصفة الى الامام، قلبه هو الذي كان يرسم، أحلامه تطير، لوحة ليست محايدة، هي رؤيا تخرج من العدم، فكرة في لوحة جعلت من العام 2021 هو الزمن كله، لوحة تأخذك الى الغد ولا تنظر الى الوراء، لوحة تدل على ما قبلها وما بعدها، الألوان طليقة كأحلام الصغار.
ليس بوسع الوعي الصهيوني ان ينجو من قوة هذه اللوحة التي تمثل إرادة الأجيال، فهي ليست لوحة منفردة في متحف، انها في كل بيت ومدرسة، فالمعاق في الأسطورة الفلسطينية يشفى، والاسير يتحرر من الغياب، والكلمات تعتبر عصا نشق بها البحر، نهدم السياج والحاجز، نصل الى القدس لنقيم الصلاة في العاصمة ونقرأ الفاتحة على أرواح الشهداء.
اجمل لوحة لعام 2021، رسمها طفل معاق اسمه عدنان خضر، لوحة بسيطة لا تحتاج الى مدرس ليشرحها، ابداع فلسطيني سيطر على الادراك والانطباع والانتباه، ستة اسرى يعيدون خطاهم الى الحياة بعكس عقارب زمن السجن وسنواته القاتلة.
اقرأوا اللوحة جيدا، انها بيان سياسي وحقوقي يعلن ان الاحتلال الصهيوني نفذ اكثر من 7 الاف حالة اعتقال خلال عام 2021 واستهدف بشكل واسع أطفال القدس القاصرين وأبناء شعبنا في فلسطين المحتلة عام 1948، وسجل اكثر من 1300 حالة اعتقال اداري بلا تهمة وبلا محاكمة، اللوحة تصرخ في السجن وفي المحكمة وفي أروقة الأمم المتحدة.
اقرأوا اللوحة جيدا، انها تقول ان عام 2021 هو العام الأصعب على الشعب الفلسطيني بسبب تسارع وتيرة الاستيطان وتوسيع المستوطنات وزيادة عنف وإرهاب المستوطنين تحت حماية جيش الاحتلال، اللوحة تقول: اصعدوا الى جبل صبيح في قرية بيتا واذهبوا الى قرية برقة واوقدوا المشاعل واحرسوا أشجار الزيتون.
اقرأوا اللوحة جيدا، انها تقول ان هدم ومصادرة المنازل والمنشئات التي يقوم بها المحتلون ارتفعت بنسبة 21% خلال عام 2021، المشردون والمنكوبون بأوامر عسكرية، انها الفاشية الإسرائيلية، الإبادة المادية والثقافية، سطوة التهويد والعنصرية.
اقرأوا اللوحة جيدا، انها رواية اكثر من 250 شهيدا ارتقوا خلال عام 2021، القتل والذبح والاعدامات الميدانية التعسفية، أطنان القنابل فوق قطاع غزة، القناصون والطائرات وقنابل المدفعية.
الطفل المعاق عدنان خضر رسم اجمل لوحة لعام 2021، حفر نفقا في جسده المريض، حفر في الصخر، لوحة هي خطاب الشعب الفلسطيني، تحرير الهوية الوطنية من معسكر الاعتقال، الكرامة والاستقلال، الصمود والبقاء ومقاومة العزلة والفناء.
اجمل لوحة فلسطينية لعام 2021، رد الاعتبار للأرض وللصخر وللينابيع الدافقة، دماء وشهداء وجرحى واشتباكات ليلية، قمر الشهيد لا ينام، يضيء في لجة المذابح الفائضة، الكل يحمل فأسه وحجره ويفجر الأسئلة الغامضة.
لوحة طفل معاق يفتتح بها العام الجديد، كل عام وشعبنا بخير، اعزفوا نشيد فدائي، نشيد السيادة والدولة والكوفية، وادركوا ان من يحطم بابا في السجن يحطم منظومة قمع طويلة، اخرجوا من سجونكم الى البرية واتركوا السجان يموت قهرا بعد ان تمردت على شبحها الضحية.
اللوحة تكتمل مع جسد يلملم بقاياه فيرفع شارة النصر بأصبعين في وجه الدبابة، هي كل الحكاية، من يحفر بأظافره الحديد المسلح يملك ارض الرواية، لوحة تستعيد التاريخ من قبضة الخرافات الصهيونية لتزين الطبيعة بالتين والعنب وبأسمائنا الكنعانية، تمزق ثوب السجن لنرتدي ثوب الشجر، اسياد على وقتنا الذي مضى ووقتنا الذي نشتهيه في السنة القادمة.