(هناك من يشعل النيران في عجلات المطاط، ومن يبني بالحجارة حواجز في الشوارع، البعض يوزع بصلاً على المصابين بقنابل الغاز، طواقم إسعاف تنقل المصابين إلى سيارات الإسعاف وسيارات خاصة لمتطوعين، إعلاميون ونشطاء التواصل الاجتماعي يوثقون وينقلون التفاصيل أول بأول، البعض يكبر من فوق الأسطح ويدعو إلى نجدة برقة ..إنها انتفاضة برقة. التي سرعان ما تحولت إلى انتفاضة الشمال. جنين ومخيمها وعرابة وجبع ويعبد وسيلة الظهر وغيرها تلبي النداء وترسل شبانها لنجدة برقة. طولكرم ومخيمها ونور شمس وعنبتا ورامين وبلعا تنضم للمدافعين. نابلس ودير شرف وتل وصرة وغيرها لا تتوانى عن الالتحاق، هكذا تتحول برقة إلى فلسطين) وهي تتصدى للفاشية الاستيطانية. نص متداول على وسائط الاتصال. هكذا سطرت برقة والمدافعون عنها معركة الدفاع عن الأرض ومواطنيها، تماما كما سطرت بيتا والمدافعون معركة الدفاع عن الأرض، وكما فازت بيتا في جولاتها، فازت برقة في جولتها الأخيرة ولم تنته المعركة بعد.
 معركة برقة وبيتا ومسافر يطا في الخليل وفي عشرات مواقع التماس مع المستعمرين، لم تكن مع المجموعات الفاشية الاستيطانية وحدها، بل كانت مع جيش وأجهزة أمن الاحتلال، ومع الوزارات الإسرائيلية وأكثرية البرلمان والمحاكم وبخاصة محكمة «العدل» العليا وجلهم ينتمي للمشروع الاستعماري الواحد المدعوم من أكثرية المجتمع الإسرائيلي. المستوطنون رأس الحربة وما لا تستطيع الدولة المبادرة إليه لاعتبارات دولية يتولى المستوطنون القيام به بحراسة الدولة. يقول بيان حركة «السلام الآن» استناداً لتقرير منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية «بيتسيلم» إن «عنف المستوطنين في الأشهر الأخيرة، حطم الأرقام القياسية وتجاوز الخطوط الحمراء. واعتبر البيان أن عنف المستوطنين (وأحيانًا عنف عموم الإسرائيليّين) ضدّ الفلسطينيين بات جزءًا لا يتجزأ من روتين الاحتلال في الضفة الغربيّة الذي يتضمن إغلاق الطّرقات ورشق الحجارة على السيارات والمنازل، مرورًا بمداهمة القرى والأراضي وإحراق حقول الزيتون والمحاصيل وتدمير وإتلاف الممتلكات، وصولًا إلى الاعتداءات الجسدية، وأحياناً إلقاء الزجاجات الحارقة (المولوتوف) وإطلاق النار. ونوهت حركة السلام الآن، الى أن قوّات الاحتلال «تسمح للمستوطنين على نحوٍ روتينيّ بإلحاق الأذى بالفلسطينيّين، بل إنها ترافق المستوطنين لدى تنفيذ اعتداءاتهم وتدعمهم وتؤمّن لهم الحماية، وأحيانًا تنضمّ إلى صفوفهم كمعتدية». وتتولى أجهزة الأمن مهمة اعتقال المواطنين الذين يتصدون لاعتداءات المستوطنين بالاحتجاج السلمي. وخلصت «السلام الآن» و»بتسيلم» إلى أنّ أعمال العنف التي ينفذها المستوطنون ليست «استثناءات»، وإنّما هي جزء من نشاط استراتيجي تسمح به «إسرائيل» وتشارك فيه وتستفيد من تبعاته.
دولة الاحتلال شجعت إقامة 150 بؤرة استيطانية ورغم انها غير شرعية بحسب القانون الإسرائيلي، فضلاً عن كون البؤر ومعها كل المستوطنات الـ 292 في الضفة والقدس غير شرعية بحسب القانون الدولي. لأن البؤر صارت أداة التوسع والضم والتطهير العرقي الرئيسية في الأغوار والقدس والمناطق المصنفة ج - 60% من مساحة الضفة الغربية-. كما تؤكد المنظمات الحقوقية فإن التوسع الاستيطاني هو استراتيجية الدولة لتثبيت الاحتلال الاستعماري ولتكريس نظام أبارتهايد للسيطرة على شعب آخر والعمل على طرده بأساليب أخرى، الاستيطان كما هو معروف هو نتاج أيديولوجيا دينية يتبناها اليمين واليسار والوسط تزعم أن أرض فلسطين التاريخية بكاملها هي ملك إسرائيل. ورغم ان إسرائيل بهذا الموقف تضع نفسها في مواجهة القانون والشرعية الدوليين، فإنها تجيز لنفسها ارتكاب جرائم بحق شعب آخر وبحق الإنسانية جمعاء، ورغم ذلك تفلت من المساءلة وتحصيل حاصل تفلت من العقاب. واقع الأمر، ان المؤسسات الدولية تصدر تقارير من إعداد خبراء حقوقيين، تحدد الانتهاكات الإسرائيلية بدقة وتحظى بتعاطف الشعب الفلسطيني والرأي العام عموماً، لكن حكومات الدول النافذة (أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) لا تسمح باستيفاء الإجراءات حتى النهاية وتكتفي ببيانات إدانة ومطالبات غير مسنودة بأفعال، لتوجه بتقاعسها ضربة قاصمة للعدالة ولحقوق الإنسان ولحق الشعب الفلسطيني في أن يكون حراً.
أمام التقاعس الدولي وتحول الشكاوى والمطالبات الفلسطينية الرسمية إلى طقس بلا معنى وجالب للإحباط. تعلم المواطنون من تجاربهم، وأخذوا على عاتقهم الدفاع عن حقوقهم وأملاكهم وكرامتهم، استمر هذا الأسلوب وانتقل من بلعين وكفر قدوم والنبي موسى وباب الشمس والعراقيب والجدار الذي يفصل قطاع غزة عن دولة الاحتلال، الى الشيخ جراح وباب العمود وبيتا وبرقة وسبسطية وصرة وغيرها من المواقع. أصبح في حكم البديهي القول، إذا لم يدافع المواطنون عن ارضهم وزيتونهم وبيوتهم فإنها ستُبتلع من «شبيبة التلال» و»تدفيع الثمن» وحُماتهم من الجنود وأجهزة الأمن والوزراء وأعضاء الكنيست والمحكمة العليا.
هذا النوع من الفعل الفلسطيني الذي يتصدر المشهد الآن، غير مغطى سياسياً وقانونياً الا بالأقوال. ويطرح أسئلة في غاية الأهمية، مثلاً لماذا لا تبت المحكمة الجنائية الدولية حتى الآن في عملية الاستيطان باعتبارها جريمة حرب؟ من المنطقي ان يعرف المواطنون سبب التجاهل والتعطيل والصمت الذي شجع المستوطنين على مضاعفة نهبهم واعتداءاتهم؟ لماذا لا يتعامل المجتمع الدولي مع منظمات «تدفيع الثمن» و»شبيبة التلال» وجماعة كهانا وضباط وجنود ارتكبوا جرائم وشركات تعمل في المستوطنات كأطراف خارج القانون ينبغي إخضاعهم للمساءلة والمحاكمة. لماذا لا تبادر المنظمات الحقوقية الفلسطينية ومثيلاتها من منظمات عربية ودولية على طرح هذا الملف وممارسة الضغط على كل الأطراف المعطلة وتحويل الاحتلال والاستيطان الى قضية رأي عام مفتوحة على مبادرات تعزل المعتدين وتعاقبهم.
ولماذا لا يُطرح بشكل صريح دور اتفاقات «السلام» الراهنة والسابقة واللاحقة في إعلان الحرب على الشعب الفلسطيني وحقوقه، وفي فتح شهية المستعمرين على النهب والهيمنة وإفقار وإذلال الشعوب وهو عكس مفهوم السلام المقدم للشعوب؟ لماذا لا يتم الخروج الفلسطيني من مسار أوسلو احتجاجاً على مضاعفة الاستيطان وتثبيت الاحتلال وإذلال الشعب الفلسطيني؟ لماذا لا يبقى السؤال الأخلاقي مطروحاً على الشعوب العربية؟ سؤال مكافأة الاحتلال والمستوطنين ونظام الأبارتهايد ومعاقبة الضحايا بالحصار السياسي والاقتصادي، سؤال مبادرة «السلام» العربية التي جرى العمل بنقيضها والتمسك بها في الوقت ذاته. ولجنة القدس المنبثقة عن المؤتمر الإسلامي الباقية على الدوام شاهد زور على ضم المدينة وممارسة التطهير العرقي لمواطنيها المقدسين. على الأقل مطلوب احترام العقل بالتراجع عن مبادرة السلام العربية وبحل لجنة القدس وبشطب عبارات التأييد والدعم للحقوق الفلسطينية في بيانات قمة مجلس التعاون الخليجي، والجامعة العربية.