بعد لقائه الرئيس محمود عباس بساعات قليلة، وافق وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس على جملة مما أسمتها القناة العبرية السابعة «امتيازات» خاصة بالفلسطينيين، شملت تحديث بيانات ستة آلاف مواطن من الضفة الغربية، إضافة الى ثلاثة آلاف وخمسمائة مواطن من قطاع غزة، بما يعني جمع شمل عائلات أو نقل إقامة من غزة الى الضفة، وذلك إضافة الى إصدار ستمائة تصريح عمل لرجال الأعمال الفلسطينيين، وخمسمائة تصريح لدخول إسرائيل بالسيارة، مع عشرات بطاقات «في آي بي» لكبار المسؤولين بالسلطة، والأهم من كل هذا تقديم مدفوعات ضريبية بقيمة مائة مليون شيكل، ولم يقتصر الأمر عند حدود هذه القرارات التي اتخذت فوراً، بل هناك حديث عن جملة إجراءات اقتصادية تشمل تخفيض الرسوم المفروضة على الوقود، وإجراء تحسينات على جسر اللنبي، وإنشاء منصات رقمية تسهل عمليات دفع العمال الفلسطينيين، ودفع قيمة الضريبة المضافة، بما يعني ضخ مئات ملايين الشواكل سنوياً لميزانية السلطة.  
ربما لأجل هذا توقع بعض المراقبين أن يتم تجاوز الأزمة المالية للسلطة التي اضطرتها الى دفع رواتب موظفيها عن الشهر الماضي منقوصة بمقدار الربع، وذلك اعتباراً من مطلع شهر آذار المقبل، وهذا يعني بأن أزمة السلطة المالية ما هي إلا أمر اسرائيلي مفتعل، لإجبار السلطة على قبول ما لا تقبله من مواقف سياسية، أو على الأقل لشل حركتها وتقليل قدرتها على الكفاح السياسي، بما يمنع او حتى يعرقل إجراءات اليمين الإسرائيلي الذي ما زال حاكماً في اسرائيل، تلك الإجراءات العدائية جداً، والتي انطلقت من عقالها خلال الأشهر الأخيرة، بالهجوم على الوجود الفلسطيني الرسمي والشعبي في القدس، وعلى الحقول والبيوت الفلسطينية في طول مدن وبلدات الضفة الغربية وعرضها، كذلك عدم متابعة تقدم السلطة في مطاردة قادة الاحتلال في القضاء والمحاكم الدولية.  
وحقيقة الأمر، إن مدن وقرى الضفة الغربية بما في ذلك أحياء القدس، قدمت نماذج في الكفاح والتصدي، تؤكد على أن مخزون الشعب الفلسطيني لم ينضب بعد، وقد تنوع ما يبتكره المقاومون الشعبيون من بيتا الى برقة، مروراً بالشيخ جراح وسلوان، وبعد ان دعت حركة فتح الى اشعال الميادين في مواجهة المستوطنين، تهيأت الأجواء لمواجهة حامية الوطيس داخل الضفة الغربية، بما يعني بأنه لن يكون بمقدور إسرائيل «التفرغ» لمقارعة ايران حول البرنامج النووي.  
لهذا فقد سارع بيني غانتس الذي كان بالأمس القريب يقول بأنه لن يلتقي الرئيس عباس، بعد أن التقاه قبل عدة أشهر، ومن ثم تنكر لذلك اللقاء، ها هو يضطر الى لقاء الرئيس الفلسطيني صاغراً، بما يعني بأنه ليس المسؤولون الأميركيون فقط هم من يلتقون الرئيس عباس وسلطته، بل أن رفض رئيس الحكومة الإسرائيلي لقاء رئيس دولة فلسطين، لا معنى له، ولن يصمد طويلاً، فما ان تنتهي واشنطن من مفاوضات فيينا حتى تتفرغ للملف الفلسطيني/الإسرائيلي.
ما يثير الاهتمام هو أن من يبادر للقاء الرئيس عباس هو وزير الجيش غانتس وليس وزير الخارجية يائير لابيد، وربما كان من الجانب الإسرائيلي ذلك يعني محاولة القول بأن تلك اللقاءات انما تأتي للبحث في الجانب الأمني وليس السياسي، لكنها تعني بأن غانتس أكثر جرأة، فيما يبدو حرص لابيد على عدم فرط عقد الائتلاف اكثر من غانتس، وذلك في محاولة منه لإقناع نفسه باحتمال ان يفي نفتالي بينيت بما اتفقا عليه من تداول للسلطة بعد انتهاء النصف الأول لعمر الحكومة الحالية، فيما هذا الأمر لا يهم غانتس الذي لديه الطموح هو ايضا بأن يعتلي مقعد رئيس الحكومة، لذا فهو يظهر بلقائه الرئيس عباس، على انه الرجل القوي في الحكومة، القادر على اتخاذ القرار الذي لا يرضي رئيسه بينيت، وبما يجعل منه رجل واشنطن المفضل .  
الحقيقة أيضا هي أن دوافع غانتس جاءت استجابة للتقارير الأمنية التي تشير الى أن أرض الضفة الغربية تغلي، وهذا ما أكده الأخ حسين الشيخ من أن لقاء عباس_غانيتس كان الفرصة الأخيرة قبل الانفجار والدخول في الطريق المسدود.  
يمكن القول إذاً بأن مبادرة غانتس للقاء الرئيس عباس، جاءت بهدف تهدئة الأجواء المشتعلة في الضفة الغربية المحتلة، حيث ما زالت اسرائيل تعتقد بأن حزمة التسهيلات المعيشية والمالية، يمكن أن تمنع الانفجار أو توقف المقاومة المتعددة الأشكال، لكن الحقيقة تقول بأنه اذا كان من شأن مثل تلك الإجراءات أن تخفف من حدة التوتر قليلاً، فإنها لا تطفئ النار، كما أن الأمر لا يمكن معالجته من جانب واحد، فكما أنه يمكن لجملة الإجراءات الخدمية أن تسهل على الفلسطينيين قليلا المصاعب المعيشية، فإنه يتوجب على غانتس أن يقاتل على الجبهة الأخرى وهي لجم المستوطنين، ووضع حد لاعتداءاتهم المتواصلة على أرواح وممتلكات الفلسطينيين، وتهيئة الأجواء فعلا لإطلاق مفاوضات سياسية تؤدي الى حل لا بد منه مهما طال الزمان أو قصر.  
يلاحظ هنا أن غانتس الذي يسارع الى تقديم حزمة الخدمات المعيشية في الضفة الغربية، هو من يرفع أو على الأقل يهدد باستخدام العصا الغليظة في وجه «حماس» وأخواتها في قطاع غزة، في حين أن من يقول بمعادلة «الاقتصاد مقابل الأمن» على جبهة غزة هو يائير لابيد، وكأن أركان الحكومة الإسرائيلية يتبادلون الأدوار فيما بينهم، وإن كان الأمر لا يخلو من دلالات سياسية، ومن إشارات لصراع مثلث القيادة بين كل من بينيت الرافض حتى للحديث مع السلطة الفلسطينية، ولابيد الذي يراهن على الحل مع غزة، وغانتس الذي يبدو أنه أكثر حنكة من زميليه، نظرا الى خلفيته الأمنية التي تجعل منه رجلاً قوياً من جهة، ونظراً لأنه قاد المعسكر المناوئ لبنيامين نتنياهو أكثر من بينيت ولابيد، ولأنه خبر دهاليز السياسة الإسرائيلية أكثر منهما.
ما لا بد من لحظه أخيراً هو رد فعل فصائل غزة، التي سارعت الى التنديد بلقاء الرئيس عباس الوزير الإسرائيلي، وأول ما يلاحظ في ذلك الأمر هو أن من دعا للاجتماع كان «الجهاد الإسلامي»، الحليف الأقرب لإيران، بما يوضح ما سبق أن قلناه عالياً من أن إسرائيل تسعى لتهدئة الضفة حتى تتفرغ للملف الإيراني، في حين تسعى «الجهاد» لزج الضفة والقطاع في حرب تخفف الضغط عن ايران، ثانياً أن ذلك التنديد يجري رغم أن مفاوضات حماس مع إسرائيل من أجل إجراءات اقتصادية ومالية لغزة تجري كل الوقت، كذلك المفاوضات عبر الوسيط المصري من أجل صفقة الأسرى أيضاً، وكأنه مسموح لحماس وحدها أن تجري الاتصالات والحوارات مع اسرائيل بالوساطة، التي تعني تقديم الثمن لأكثر من جهة، فيما اللقاءات التي تقر من حيث الجوهر والمعنى بوجود طرف رسمي فلسطيني ممنوعة على السلطة؟!