مع نهاية العام 2021، الذي طغى عليه هو أيضا بعد العام الذي سبقه، انشغال العالم بمتحورات «كورونا»، انشغل المنجمون الفلكيون باستقراء ما سيحمله العالم 2022 من أحداث للشرائح البشرية التي يقسمونها عادة على اثني عشر برجاً، لكن بعضهم يتجرأ على حقل السياسة، فيتوقع أن تحدث خلال العام الجديد أحداث معينة، وإن كانوا لا يقومون بتحديدها تماماً، إنما يتحدثون عنها بضبابية، وذلك على طريقة «جحا»، لا يهتمون بما يقولونه من هذر، ذلك أن أحداً لن يحاسبهم على عدم تحقق ما توقعوه عند نهاية العام.
في السياسة وفي مجمل حياة الناس الواقعية، الأمر مختلف، فالتوقع مبني على معطيات تستند إلى معادلة أن «الأسباب تؤدي إلى نتائج»، وهكذا يمكن القول، إنه استناداً إلى انشغال أهم دول العالم، ونقصد بالطبع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى ألمانيا، والتي يطلق عليها مجموعة 5+1 في مفاوضات فيينا بمحاولة العودة للعمل بالاتفاق المبرم العام 2015 مع إيران، فإنه من المتوقع أن تشهد الأشهر الأولى من العام الحالي نهاية لهذه المفاوضات، إما باتفاق وهذا هو المرجح، أو بعدمه، وفي الحالتين وبناء على نتيجة التفاوض، سيتحدد شكل الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط.
ولأن المرجح هو أن يتم التوصل لاتفاق، حتى أن إسرائيل عبر وزير خارجيتها يائير لابيد تتوقع التوصل لاتفاق، حيث صرح قبل أيام بأن بلاده لا تعارض التوصل لاتفاق، ولكنها تريد اتفاقاً جيداً، أي «اتفاق +» بمعنى عدم العودة للاتفاق السابق، بل أن تضاف إليه مراقبة مصادر القوة العسكرية الإيرانية ممثلة بالصواريخ البالستية، والتدخل الإيراني الإقليمي، أي أن إسرائيل تكذب حين تقول إنها تحاول منع إيران من امتلاك القنبلة النووية وحسب، بل هي تريد إخراج إيران من دائرة التأثير الإقليمي حتى تنفرد هي بالنفوذ والسيطرة على كل الشرق الأوسط وشمال وشرق ووسط إفريقيا.
المهم أنه اتضح تماماً خلال العام الماضي صحة ما قلناه عبر تحليلاتنا هنا في «الأيام» من أن واشنطن قد تفرغت لإنجاز الملف الإيراني خلال العام الماضي، ولم تهتم بالملف الفلسطيني، سوى من بعيد أي عبر تشجيع مصر، وعبر إرسال مسؤوليها من مستوى السفراء إلى عواصم المنطقة لتهدئة الملف وعدم تفجيره في توقيت لا تريده، ومن ضمن ذلك ما رأيناه من موقف أميركي من المواجهة العسكرية التي وقعت في أيار الماضي، ثم من تلكؤ في فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، رغم الإعلان الرسمي عن ذلك والذي كان يشير إلى أيلول من العام الماضي.
على الأغلب أن الفصل الحالي، أو الربع الأول من العام 2022 لن يشهد حدثاً مدوياً، أو دراماتيكياً، إلا إذا تم التوصل للاتفاق بين المتفاوضين في فيينا، لذا فإن القيادة الفلسطينية مهتمة جداً هذه الأيام بترتيب الأوضاع الداخلية لتكون بكامل اللياقة السياسية، لمواجهة نشاطات واستحقاقات العام الجاري الذي بدأ لتوه، وهي بعد أن نجحت في تنفيذ المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية في الضفة الغربية، تواصل الإعداد للمرحلة الثانية، حيث كان يؤمل أن تشارك حركة حماس ليس فقط من خلال إضفاء الحيوية على انتخابات ما تبقى من مجالس محلية في الضفة الغربية عبر التنافس مع قوائم فتح، ولكن وهذا هو الأهم السماح بإجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة، لكن رد حماس على زيارة الدكتور حنا ناصر رئيس اللجنة المركزية للانتخابات كان مخيباً، بما يؤكد أنها حركة استبدادية، لا تقيم وزناً للرأي العام الشعبي، إلا بقدر ما يظهره من تسليم واستكانة، وحيث إن واقعة ما أطلقت عليه إسرائيل سياسة «البرق» قد وقعت قبل أيام، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن الترتيب الأهم عند حماس هو مراكمة القوة العسكرية في قطاع غزة، ولا شيء آخر.
هذا ما يؤكده قاده حماس، وليس ما نقدره نحن، لكن مع ملاحظة أن قرار حماس لم يعد أمراً يتم التجاذب فيه داخل الحركة، أي بين جناحيها العسكري والسياسي، بل يمكن القول بكل بساطة إن الجهاد الإسلامي بات شريكاً أساسياً في قرار الحرب، وفي تحديد وجهة ومكانة وموقع غزة من الخارطة السياسية الإقليمية، فرغم أن تبرير حماس بأن حادثة إطلاق الصاروخين قرب تل أبيب كان نتيجة الأحوال الجوية، إلا أن الرد الإسرائيلي كان «تهويشاً» بقصف لم ينجم عنه أي خسائر بشرية أو حتى مدنية، بما يعني أن حماس وإسرائيل ليستا في وارد الدخول في مجابهة عسكرية، لكن الجديد هذه المرة، هو أن الإسرائيليين حمّلوا حماس مسؤولية إطلاق الصاروخين، كونها تدير قطاع غزة، في إشارة إلى أن مطلقي الصاروخين ليسوا من كتائب القسام، بل هم على الأغلب من سرايا القدس.
من الواضح كما - أشرنا في مقال سابق - أن إيران تريد أن تشغل إسرائيل داخلياً، لتقليل مستوى تدخلها في مفاوضات فيينا، لذا فإن الجهاد الإسلامي وهو اليد الضاربة لإيران في فلسطين، لا تتوقف عن التهديد ليل نهار بالدخول في مجابهة عسكرية مع إسرائيل، وقد يحدث هذا خلال الساعات القليلة القادمة، ارتباطاً بحياة الأسير هشام أبو هواش.
المهم أن حماس لا تسير وفق سياسة تراكم النفوذ الشعبي، ولا تفعل ذلك حتى في الضفة الغربية، فهي لم تنخرط في المقاومة الشعبية، بل تفضل العمليات الفردية، التي يتم استثمارها في صناديق الاقتراع لاقتناص السلطة في لحظة، ثم يتم إغلاق الباب أو تحطيم سلم الوصول إلى السلطة.
أما القيادة الفلسطينية وقيادة حركة فتح، فهي وفي الوقت الذي تواجه فيه حرب المستوطنين المستعرة ميدانياً وليس عبر الأقوال أو الادعاءات، وبالتزامن مع إجراء المرحلة الثانية من الانتخابات المحلية، ها هي تحضّر لعقد جلسة للمجلس المركزي الفلسطيني، في الفترة ما بين 20 - 23 من كانون الثاني الحالي، لاتخاذ قرارات تحاول من خلالها إجبار إسرائيل على الدخول في حقل التفاوض السياسي، لوضع حد لاحتلالها أرض دولة فلسطين خلال هذا العام، الذي يعتبر حيوياً جداً، بالنظر إلى توقع أن تنتهي واشنطن من الانشغال بالملف الإيراني، وبالنظر إلى أن إدارة جو بايدن، لن تكون مشغولة بانتخابات رئاسية قريبة، كذلك فإن فتح تحضر لانعقاد مؤتمرها الثامن في الحادي والعشرين من آذار القادم، فيما ملف إنهاء الانقسام ما زال جاثماً على صدر القضية الفلسطينية يقض مضاجع الوطنيين الفلسطينيين، دون أي بارقة أمل في وضع حد قريب له.