مع انقضاء العام الحالي 2021، لا بد من مراجعة سريعة ما حصل خلال هذا العام فيما يخص القضية ‏الفلسطينية، وبخاصة أن هذا العام شهد العديد من الاحداث التي أثرت في مسار القضية الفلسطينية، واعتقد ‏أن أهم حدث لا زال مستمرا منذ منتصف العام 2007، هو استمرار ملف العار المسمى الانقسام ‏الفلسطيني.‏
لا أريد مع نهاية هذا العام أن أقوم بجلد الذات، أو أن أشخص الاحداث بقدر رغبتي في وضع الحلول أو ‏الاقتراحات التي يمكن لها أن تخرجنا من هذا النفق المظلم، أو بالأحرى أن تساهم في وقف الانهيار ‏الحاصل في الساحة الفلسطينية على كافة المستويات، لأن استمرار هذا الانهيار سيقود الجميع نحو ‏الهاوية، ولن يستثني أحداً، فنحن جميعاً على مفترق طرق إما أن نذهب نحو عامٍ جديد بكل ما تحمل هذه ‏الكلمة من معنى، أو أن نستمر في السقوط المفضي إلى ضياع المشروع الوطني وهذا ما لا أريده، فخلال ‏تسعة عقود من حياتي عايشت القضية بكافة تفاصيلها ولم أرى في حياتي أسوأ من هذه المرحلة.‏
كانت البدايات الأولى لنكبة الشعب الفلسطيني هو إعلان بلفور الصادر عن حكومة بريطانيا في الثاني من ‏تشرين الثاني/نوفمبر 1917، حيث شكل هذا الإعلان شهادة ميلاد دولة الاحتلال بعد أن اقر المؤتمر ‏الأول للحركة الصهيونية المنعقد عام 1897 في بازل بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. لذلك ‏فإن إبطال هذا الإعلان هو خطوة رئيسية لخلخلة الأساس التي قامت عليه “دولة إسرائيل” عام 1948، ‏وخلخلة أساس دولة الاحتلال يبدأ من اعتذار بريطانيا عن إعلان بلفور بحكم أنه غير أخلاقي وغير ‏قانوني، وهذا ما نعمل عليه من خلال المحاكم الوطنية والدولية، فقد حصلنا على قرار قضائي من المحاكم ‏الوطنية بإدانة إعلان بلفور، والآن نعمل على رفع قضية أمام المحاكم البريطانية، ومن المنتظر أن ترفع ‏بشكل رسمي مع بداية العام 2022. ‏
المطلوب هو ليس فقط الغاء واعتذار من حكومة بريطانيا عن إعلان بلفور، بل أيضا المطالبة بإنشاء ‏صندوق لتعويض الشعب الفلسطيني عما لحق به جراء هذا الإعلان، والمسؤولية عن الأضرار التي لحقت ‏بالشعب الفلسطيني يتحملها ليس فقط بريطانيا، وإنما أيضا الدول التي ساعدت وساندت ما تمخض عن هذا ‏الوعد من أضرار ما زالت مستمرة بحق الشعب الفلسطيني، وكلي أمل وثقة بأن هذا الهدف سيتحقق طالما ‏نحن نعمل بكل قوى من أجل ذلك. ‏
على صعيد آخر لا بد من توفير مجموعة من العناصر الداخلية من أجل استعادة الوحدة الوطنية وتمتين ‏الوضع الفلسطيني لمواجهة ما يحاك تاريخيا ضد الشعب الفلسطيني ضمن خطة يراد بها محو وجود الشعب ‏الفلسطيني وإقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين التاريخية كجزء من دولة يهودية من النيل إلى الفرات، ‏وهذا ما يضعنا أمام مسؤوليات جسام لمواجهة هذا المشروع الصهيوني الاحلالي عِبر خطة فلسطينية ‏واضحة المعالم وقابلة للتطبيق العملي يساهم في وضعها خيرة العقول الفلسطينية في السياسة والاقتصاد ‏والاجتماع والثقافة وغيرها، وهي قائمة أيضا على أن القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة هي وحدة ‏سياسية وجغرافية وسكانية واحدة، وهي بمكوناتها جزء من الشعب الفلسطيني الذي بمجموعه يفوق الـــ (15) ‏مليون نسمة، وأن حق الشعب الفلسطيني في العودة والتعويض هو حق ثابت لا يمكن التنازل عنه، ولا أحد ‏يملك الحق في التنازل عنه، فهو حق فردي وجماعي.‏
إن عنوان المرحلة الحالية أوضاع عربية وإقليمية سيئة تلقي بظلالها السلبية على مكانة القضية ‏الفلسطينية، يرافقها وضع فلسطيني غاية في التعقيد والسوء سياسيا واقتصاديا، وانعدام وجود رؤية للخروج ‏من هذا الوضع، أضف إلى كل ذلك الدعم الأمريكي اللامحدود لدولة الاحتلال، وفي ظل كل هذا تعمل ‏دولة الاحتلال على تنفيذ سياساتها الاحتلالية الاحلالية، والتوجه نحو مزيد من التطرف والعنصرية التي ‏بدأتها بسن قانون القومية، وتصعيد الاستيطان بشكل جنوني، واستمرار حصار قطاع غزة، عدا عن ‏عمليات القتل اليومي سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، وتطبيق سياساتها الفعلية الهادفة إلى ‏ضم الاغوار ومنطقة شمال البحر الميت والتي تشكل في مجملها قرابة 30% من مساحة الضفة الغربية.‏
لقد جاء اتفاق أوسلو المرحلي، والذي كان يجب أن ينتهي في شهر أيلول من العام 1999، لتعزيز الثقة ‏من طرفي الصراع، وصولاً إلى تطبيق حل الدولتين على الأرض، إلا أن الاحتلال اتخذ من هذا الاتفاق ‏جسراً لمرر سياساته الاحلالية، وأنكر وقضى على هذا الاتفاق بشكل فعلي مع عملية السور الواقي الذي ‏نفذها في شهر نيسان من العام 2002، وانتهت بحصار القائد الرمز ياسر عرفات في مقر المقاطعة في ‏رام الله وصولاً إلى استشهاده في تشرين الأول من العام 2004.‏
أعتقد أنه ومع استشهاد القائد الرمز الرئيس ياسر عرفات، انطوت مرحلة أوسلو، وكان لا بد لنا أن ‏نعترف بهذه الحقيقة، فما فعلته دولة الاحتلال على الأرض كان كفيلاً أن يفهم الجميع بأنها لا تريد سلام ‏ولا استقرار، بل هدفها النهائي القضاء على المشروع الوطني الفلسطيني مادياً ومعنوياً، لقد أراد الشهيد ‏ياسر عرفات أن يكون أوسلو ممراً نحو الدولة كاملة السيادة، كما أراد أن يكون مسماراً في نعش الحلم ‏الصهيوني في إقامة الدولة اليهودية من النيل إلى الفرات، ومدماكاً أساسياً في بناء السلام في المنطقة ‏والاقليم، ولكن العقلية الصهيونية العنصرية أفشلت كل ذلك.‏
مقابل هذا الواقع الذي يهدد الوجود الفلسطيني، علينا أخذ زمام المبادرة من جديد والعمل على تمتين ‏الوضع الداخلي الفلسطيني سياسياً، والذي يبدأ اولا بإنهاء الانقسام، الذي يوازي وعد بلفور من حيث ‏الكوارث التي لا زال يلحقها بالشعب الفلسطيني وقضيته، وهذا الأمر يتطلب فقط إرادة سياسية من طرفي ‏الانقسام، لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين ابتداءً باتفاق مكة الذي كان قبل الانقسام في شباط ‏‏2007، مروراً بكل الاتفاقيات التي اعقبته مثل الورقة المصرية 2009، واتفاق القاهرة 2011، واتفاق ‏الدوحة 2012، واتفاق الشاطئ 2014، واتفاق القاهرة 2017، وحوارات القاهرة 2021. هذه الاتفاقيات ‏الأساسية التي طرحتها هيئة النوايا الحسنة لإنهاء الانقسام في وثيقتها التي قدمتها لحركتي فتح وحماس ‏وكافة الفصائل والفعاليات الفلسطينية لإنهاء الانقسام، مع التأكيد أن إنهاء الانقسام يبدأ أساساً من رغبة ‏الأطراف الفلسطينية بإنهاءه، ولا يمكن أن ننتظر أحداً لكي يرشدنا كيف ننهيه، فمصلحة الشعب ‏الفلسطيني أولاً، ومن الممنوع جعل هذا الملف ورقة في يد أي من الأطراف الخارجية لكل تلعب بها بما ‏يخدم مصالحها الذاتية أولا.‏
كذلك لا بد من تمتين الوضع الداخلي الفلسطيني اقتصادياً: لا أحد ينكر أن الأوضاع الاقتصادية والمالية ‏في الأرض المحتلة عام 1967، تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ولا يمكن تبرئة الاحتلال من هذا الامر، لأنه ‏ببساطة شديدة يسيطر بشكل شبه كامل على كل مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني ويدفع نحو زيادة الفقر ‏والعوز، ولكن وفي ذات الوقت على السلطة الفلسطينية أن تعمل على إعادة صياغة السياسات ‏الاقتصادية والمالية، وترشيد النفقات الحكومية، ووضع خطة تقشف تخدم تخفيف العجز في الموازنة، ‏وفي ذات الوقت تعمل على سداد ما عليها من ديون متراكمة للقطاع الخاص، لأن هذا الأمر يحفظ الامن ‏الداخلي، ويبقي على العجلة الاقتصادية تدور في حدها الأدنى حتى نصل إلى حل سياسي مقبول ‏للشعب الفلسطيني، يأخذ بعين الاعتبار أننا جزء من محيط علينا أن نبنيه لأجل الأجيال القادمة، ‏ومستقبل خالي من النزاعات والحروب.‏
كما أن هناك أهمية لبناء الاقتصاديات المحلية وتعزيزها ودعمها، فمن شأن ذلك أن يساعد في الانفكاك ‏عن اقتصاد دولة الاحتلال، وكذلك العمل على دعم حركة المقاطعة (‏BDS‏). إن الاقتصاد ركيزة أساسية ‏في تثبيت المواطن فوق أرضه، ومسؤولية بناء اقتصاد يساعد في توفير العيش الكريم للمواطن وفي ذات ‏الوقت يقلل من اعتماده على اقتصاد دولة الاحتلال هي مسؤولية مشتركة ما بين القطاعين العام ‏والخاص، حيث آن الأوان لوضع الأسس لاقتصاد يعتمد أساسا على ذاته، أساسه الإنتاج وليس اقتصاد ‏خدماتي أو استهلاكي، وهذا متطلب أساسي يهيئ الأرضية لفحص إمكانية تنفيذ القرارات المتعلقة ‏بالعلاقات الاقتصادية مع دولة الاحتلال على أرض الواقع، وإن أي انجاز تحققه منظمة التحرير ‏الفلسطينية في الملف السياسي والحقوقي سيعكس نفسه ايجاباً على المصلحة الاقتصادية للشعب ‏الفلسطيني، فالصراع هو صراع سياسي حقوقي وليس اقتصادي ولن يكون.‏
وأيضا من الواجب العمل على إعادة الدور الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، فهي الإطار الجامع ‏للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وهي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي بحاجة إلى ‏دمقرطة حياتها الداخلية وتقوية مؤسساتها، وانضمام جميع الفصائل اليها، لأن إبقاء المنظمة على هذا ‏الحال لا يخدم أحدا بل يساهم في تهميشها، فالمطلوب الآن هو الاتفاق على آـلية تعيد الاعتبار لها، ‏والانتخابات هي أساس دمقرطة مؤسساتها، وهناك اتفاق العام 2005، وكذلك قرارات المجلس المركزي ‏‏2015 و2018، كفيلة بإعادة الاعتبار للمنظمة كهوية جامعة للشعب الفلسطيني.‏
كذلك هناك أهمية كبيرة لإعادة صياغة العلاقة ما بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية من ‏حيث إعادة تعريف وظائفها وتحديدها بكونها ذراع المنظمة لإدارة شؤون الفلسطينيين في الأرض المحتلة ‏عام 1967، فاستمرار الوضع الحالي في طبيعة العلاقة التي تحكم المنظمة مع السلطة يؤشر إلى ذوبان ‏المنظمة في هياكل السلطة، وهذا الأمر له تبعات سياسية سيئة جدا على وحدة الشعب الفلسطيني وعلى ‏المشروع الوطني بشكل عام.‏
من المهم أيضا العمل على تعزيز وإعادة الاعتبار للشراكة السياسية، فهناك حاجة إلى إعادة مفهوم ‏الشراكة السياسية الكاملة وعدم الاستفراد بالقرارات، وهذا يبدأ من إصلاح وتطوير وتفعيل مؤسسات منظمة ‏التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية أساسها الانتخابات، وإن البدء بدمقرطة مؤسسات منظمة ‏التحرير الفلسطينية يشكل أساسا لإعادة الحياة بقوة إلى المجلس الوطني، والمجلس المركزي، والنقابات ‏والاتحادات، وحتى الأحزاب التي فقدت دورها الفاعل في أوساط الشعب الفلسطيني، وتشجيع تأسيس ‏تجمعات وحركات واحزاب جديدة وتمكينها وتسهيل دمجها في النظام السياسي وفي هياكل منظمة التحرير ‏الفلسطينية، التي هي هياكل تمثيلية تأخذ شرعيتها من صندوق الاقتراع، ووجودها ضرورة لحماية المجتمع ‏وتحصين وتقوية وضعه الداخلي، لتمكين وتعزيز صموده وزيادة وتوسيع مشاركته في المقاومة بجميع ‏أشكالها.‏
وهذا يقود إلى أهمية وضرورة تجديد الشرعيات من خلال إجراء الانتخابات العامة، وهي نقطة ارتكاز ‏أساسية لإعادة الاعتبار للمشروع الوطني داخلياً وخارجياً، ومخرج ديمقراطي لإعادة تجديد الشرعيات في ‏جميع الهياكل التمثيلية لمؤسسات الشعب الفلسطيني وعلى رأسها المجلس الوطني الفلسطيني، الذي هو ‏الهيئة التشريعية العليا لكل الشعب الفلسطيني، في الوطن والشتات وليس السلطة الفلسطينية وهياكلها، ‏الذي يجب إعادة تعريف مهمتها الوظيفية، وحصرها في إدارة الشأن العام للفلسطينيين في الأرض المحتلة ‏عام 1967.‏
يتبع ذلك تشكيل مجلس تأسيسي لدولة فلسطين تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، يقوم بمقام ‏البرلمان المؤقت لدولة فلسطين، ويفوض بمهام الرقابة على أداء الحكومة في الأرض المحتلة عام ‏‏1967، -والتي مرجعيتها المجلس الوطني الفلسطيني المنتخب-، وفي هذا رسالة بأن منظمة التحرير ‏الفلسطينية هي صاحبة القرار، وبدأت بخطوات عملية في إطار تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني، ‏المتمثل بإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية بما ينسجم مع اعتراف الجمعية العامة للأمم ‏المتحدة بدولة فلسطين بموجب القرار ١٩/٧٦ لعام 2012. وهذا يعني عدم العودة للمفاوضات تحت ‏سقف اتفاقية أوسلو التي لا تلبي طموحات الشعب الفلسطيني في العودة وإقامة الدولة وتبقيه رهينة ‏لسياسية الامر الواقع المتمثلة باستمرار الاحتلال وزيادة الاستيطان والضم الفعلي لكل الضفة الغربية.‏
إن تمتين الوضع الداخلي الفلسطيني سيسمح لنا أن ننطلق إلى الفضاء الخارجي، عربياً وعالمياً، موحدين ‏أقوياء، وهذا سيضع الشعوب العربية أمام مسؤولياتها ليس فقط تجاه القضية الفلسطينية، وإنما أيضاً أمام ‏مسؤولياتها في وقف الزحف الصهيوني الاستعماري نحوها عبر علاقات التطبيع مع الأنظمة العربية ‏الرسمية.‏
تحاول إسرائيل من ورائها الحركة الصهيونية القضاء على أي فرصة لإحلال السلام العادل، فهي تعمل ‏على تقويض حل الدولتين من خلال جملة من السياسات الهادفة إلى السيطرة على الأرض وتهجير ‏السكان الفلسطينيين، فعدا عن قوانينها العنصرية وأوامرها العسكرية الهادفة إلى ضم كل الضفة الغربية ‏إليها، وهي فعليا وعملياً ضمتها دون إعلان رسمي عن ذلك، فهي تسعى إلى اختراق الدول العربية ‏وتطبيع علاقاتها معها، من منطلق أنها تسعى إلى حمايتها من إيران التي لها أطماع سياسية واقتصادية ‏وجغرافية في المنطقة العربية، وتحاول أن تسوق نفسها على أنها “الحامي” الفعلي والقادر على لجم ‏سياسات إيران في المنطقة، وحرف أنظار العرب عن حقيقة نوايا الحركة الصهيونية في السيطرة على ‏المنطقة العربية اقتصادياً وأمنياً وسياسياً لتحقيق حلمها في “الدولة اليهودية” من النيل إلى الفرات.‏
ومن هنا لا بد من أخذ زمام المبادرة من طرف شخصيات عربية لها مصداقية عالمية عالية، وعلاقات ‏قوية، وخبرة سياسية ودبلوماسية من أجل إعادة الأمور إلى نصابها في وقف سياسات التطبيع المجاني ‏مع دولة إسرائيل، وتبيان مخاطر التطبيع المنفرد في ظل بقاء الصراع، وكيف يمكن لإسرائيل أن تستفيد ‏منه في السيطرة على مقدرات الشعوب العربية.‏
كذلك ترتيب أوضاعنا الداخلية سيضع الأمم المتحدة أمام مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية في فرض رؤيتها ‏المبنية على أساس العيش المشترك والأمن والسلام للجميع، وفي هذا الإطار لا بد من العودة إلى قرارات ‏هيئات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وقد تكون مبادرة السلام العربية للعام 2002 التي ‏أقرتها القمة العربية في بيروت، وتبناها المؤتمر الإسلامي في قمته المنعقدة في إيران عام 2004، أحد ‏أسس حل الصراع العربي الإسرائيلي، دون التنازل عن حق العودة والتعويض.‏
لا بد من إنهاء الصراع في المنطقة خدمة للإنسانية وللسلام والأمن في، من منطلق أنه لا يمكن أن ‏تستمر إسرائيل في احتلالها وتوسعها وإنكار حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وأن مبادرة السلام ‏العربية قد تكون أساس عادل للجميع من أجل ليس فقط تحقيق حل الدولتين على أرض الواقع، بل أيضا ‏لفرض الأمن والسلام في المنطقة والعالم، والبدء باستيعاب إسرائيل كدولة جارة ومكون من مكونات الشرق ‏الأوسط الجديد تعيش بسلام وأمن ورخاء مع جميع جيرانها، مع التأكيد على أن المنطقة العربية وإسرائيل ‏هي مكون أساسي من مكونات الشرق الأوسط الجديد الذي يجب أيضاً أن تكون فيه إيران مكون ولاعب ‏كغيرها من الدول في تحقيق الأمن والسلام والرخاء، من منطلق أن إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، ‏والتزام إسرائيل بالقانون الدولي والعلاقات الدولية القائمة على السلام هو مقدمة لحلحلة كافة الخلافات ‏الإقليمية على قاعدة أن يخرج الجميع رابحاً وضامناً لأمنه وسلامة حدوده. ‏
إن رفض “إسرائيل” لكافة الحلول السلمية التي تقود إلى إنهاء الصراع يدفعنا للعمل على المطالبة بحل ‏الدولة الديمقراطية الواحدة على كامل التراب الفلسطيني، مع ضمان حق الشعب الفلسطيني بالعودة ‏والتعويض، فلا يمكن للعالم أن يقبل من ناحية أخلاقية وقانونية أن تستمر إسرائيل بهيمنتها الإستعمارية ‏التوسعية في المنطقة، فالشعب الفلسطيني يريد العيش بسلام مع المحيط، وعلى المجتمع الدولي أن يجبر ‏إسرائيل على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة لإنها أساس أحلال السلام في المنطقة، وقبول إسرائيل فيها ‏وتطبيقها يؤسس لشرق اوسط جديد قائم على السلام والعيش المشترك.‏
إن حجم الأموال التي تصرف، من قبل الدول، في الشرق الأوسط من أجل الحفاظ على توازن الرعب، أو ‏من أجل تأجيج الصراعات، أو من أجل الحفاظ على أمن دول المنطقة، كفيل بأن يحول الشرق الأوسط ‏إلى جنة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وهذا يمكن أن يكون إذا ما استأصلنا الحروب والصراعات ‏ووجدنا لها حلول عادلة، ومن أهمها الصراع العربي الإسرائيلي، فإذا ما استثمرنا ونجحنا في كل ما تقدم ‏الحديث عنه أعلاه، وهو ممكن تحقيقه من خلال العمل الجاد والصادق، سنخلق شرق أوسط جديد يتسع ‏للجميع، وجاذب للاستثمارات بكل أنواعها، وأيضا جالب للسياحة بكل أشكالها، فالشرق الأوسط عدا عن ‏كونه منطقة غنية بالمصادر والثروات الطبيعية فهو متحف قائم بذاته تاريخي وديني، وفيه تنوع مناخي ‏وجغرافي لا مثيل له، ونحن سنعمل من أجل الوصول إلى شرق أوسط جديد برؤية عالمية أساسها ‏الإنسانية والعدل والمساواة، لأن هذا سيمكننا جميعاً للتفرغ لمحاربة الأوبئة التي هي أشد فتكاً من الأسلحة ‏التي يتم تخزينها واستخدامها في الشرق الأوسط، وأيضا سيمكننا من الحفاظ على البيئة الطبيعية لهذه ‏المنطقة الفريدة بتنوعها في كافة المجالات.‏
هذا التصور في ترتيب أوضاعنا الداخلية، يضع الجميع في خندق واحد من منطلق الاعتماد على الذات، ‏ويشكل مدخلاً مهماً وأساسياً للانطلاق إلى الفضاء الخارجي عربياً واقليمياً ودولياً لمواجهة المشروع ‏الصهيوني، فبدون استعادة الوحدة الوطنية، ودمقرطة الحياة العامة تجديد الشرعيات، وإعادة ثقة ‏الفلسطينيين بالقائمين على المشروع الوطني، وتعزيز المشاركة والشراكة السياسية، وعدم الاستفراد في ‏القرارات، واحترام الأنظمة والقوانين التي وضعتها منظمة التحرير الفلسطينية كأساس للعمل الجمعي ‏المشترك لن تقوم لنا قائمة، وسنبقى في حالة سقوط يقضي في نهايته على كل ما هو فلسطيني، كما ‏يأتي هذا التصور من شخص لا يريد أي مردود مادي أو معنوي شخصي، وعمل ولا يزال يعمل من أجل ‏فلسطين حرة ديمقراطية، ومن أجل بناء مجتمع منفتح وديمقراطي يسوده العدل والتسامح، وشرق أوسط ‏يسوده السلم والأمن، وعالم يبني علاقاته على أساس الشراكة وخدمة الإنسانية.‏