تميزت فترة ما سمي بالصحوة الإسلامية من بعد السبعينات بنمو و تصاعد التيار الديني في مشرقنا العربي و عالمنا الإسلامي و ظهر بشكل واضح  الإنجراف المتسارع نحو إحياء الشعائر و الرمزيات مثل الحجاب ، و إزدياد عدد الجوامع ، و عدد المصلين ، والصائمين والحجاج ، وكان التركيز على شعائر الإيمان ، و أعادت جمعيات و مجموعات و تيارات نشاطها الدعوي ، و ما لبثت أن تطورت تلك الجمعيات و التيارات و أصبحت أحزاباً و تنظيمات و جماعات تركز نشاطها على النواحي الإقتصادية الإجتماعية ، و الثقافية الإجتماعية تمهيداً و تسوية لفلاحة الأرض الخصبة ، لزراعة ونشر ما سمي بالوعي الديني و الثقافة الشرعية  ولكنها كانت في أغلبها تدعو إلى  الإلتزام بالرموزو الطقوس و الشعائر من الناحية الدينية ( و ليس الإسلام بمضمونه و حقيقته كما رأينا فيما بعد ) ، وبث الأفكار السياسية المغلفة بغلاف ديني مقدس!
 و لأننا نحن الشعوب العربية و الإسلامية إنشغلنا في تلك لفترة بالبحث عن ( قيمة ) ، نتيجة لهزيمة 67 ، وكان دافعنا ذلك الخوف على  ضياع هويتنا حيث أن الهزيمة كانت ضربة هزت كياننا و زاغ بسببها بصرنا و افقدتنا التوازن و الإتزان وقد لا أبالغ في التقدير إذا قلت أن هذا الشعور لم يعترِ أمتنا العربية  وحدها ، بل و الإسلامية أيضاً . 
 كل هذا سبب قفزة في الهواء، وردة فعل عشوائية متخبطة و غاضبة أو حتى مرتعبة من فكرة ضياع ( الهوية ) ، و في ظل  تصور أن الهزيمة العسكرية  و إحتلال الأرض العربية و على رأسها القدس الشريف من قبل إسرائيل و بمساندة الولايات المتحدة الأمريكية و الغرب ترتب على ذلك أننا نأينا بأنفسنا عن لوم أنفسنا و استسهلنا إتهام التجربة  الإشتراكية ، و القومية الناصرية ، وفي ظل ثورة عصر المعلومات ، و التطور التكنولوجي ، و التغريب وإزدياد الهجرة و الإفتتان بالغرب كنمط حياة يضمن الرفاهية  و العدالة الإجتماعية و الحرية  السياسية و التقدم و التمدن ، و بفعل آلات الوسوسة الإعلامية الغربية أو المتغربة  بدأ الناس بشكل عفوي يتهمون ناصر و القومية و كل المبادئ الثورية بالقصور و الفشل  ولم يكن لديهم بفعل الصدمة من ناحية و بفعل من استغل الصدمة سيسيا وفق أجندة خاصة ، لم يكن لدى الشعوب العربية و الإسلامية وقت للتحليل السليم ، ولم تتواجد للاسف بينهم قدرة تثقيفية ضابطة و موجهة تحاول أن تتصدى بالشرح و التحليل و تنافح عن المبادئ و القيم الثورية السائدة حينها ، فلم يجد الناس أمامهم بداً سوى البحث عن خيار صراع البقاء ، و قد كان الغرب يراقب و يدرس هذا التحول بشكل مكثف و بإهتمام بالغ خاصة أن الفكر السائد قبل الهزيمة الداعي إلى بعث الروح و الثقافة القومية ، و بناء مجتمع الكفاية و العدل و الإشتراكية العربية ، كانت في حقيقتها ركائز و دعائم قيام المجتمع الذي نسميه ( المصطفوي ) و الذي يشبه إلى حد كبير مجتمع فجر الإسلام ، بكل ما فيه من عدالة إجتماعية و حكم مدني وطني لا يفرق بين الملل و الألوان ، ذابت فيه كل الأجناس و العقائد اللاهوتيه و الفلسفية في بوتقة واحدة ودولة واحدة .. 
إلا أن ( ردة الفعل ) الرمزية الشعائرية تلك ، لم تقلق الغرب المستعمر ، بل أنها لاقت دعماً فيما بعد سواء لأنظمة تبنت هذا التوجه أو تنظيمات و جماعات معينة ، لسبب بسيط جداً ، وهو معرفة الغرب بأن التمسك بالتقاليد و الشعائر و المظاهر ، هو أبعد ما يكون عن  جوهر الدين الصحيح الذي كان يمكن أن يبني دولة على الأسس التي بدأت في العهد الناصري و البعث القومي للأمة . 
بالتالي أصبحت مجتمعاتنا في حالة لا محيص من وصفها بأنها حالة يشوبها التأزم و التقزم و الهزيمة ، تحركت بعض التيارات و الجماعات بنية صادقة ربما ، و أخرى بتشجيع مسيس ، ولكن الحصيلة أن الجميع  بدأ البحث عن قيمة تنافسية ، نمتكلها و لا يمتكلها الغرب و المتغربون ، فلم نجد إلا بعض ( المظاهر الشعائرية ) لنتمثل بأنها ( قيم ) نملكها و لا يملكها الغرب .
و للأسف فقد ثبت لنا ، الآن ، بعد أكثر من خمسة عقود من اللهاث خلف الشعائر و الرموز ، و الحجاب و اللحية و الجلباب و إختلافات التأويل و المذاهب و إرضاع الكبير و زواج القاصر و عذاب القبر و غيرها من البدع و التمسك بالقشور و المروثات البائدة ، بأنها لا تبني دولة و لا توحد أمة ، بل أكثر من هذا ، فقد ثبت أنها فايروس لا يسبب إلا التشرذم و التمذهب و التحزب و الخلاف ، وصل إلى حد التكفير و التخوين ليس فقط للمجتمعات و الأفراد ، بل و بين بعضها البعض ، فكم جماعة إنشقت عن جماعة و كم من مهدي منتظر ظهر ، و كم من جماعة إدعت أنها الجماعة الناجية و الصالحة و السائرة على الصراط المستقيم و غيرها خارج عن الدين و الملة و الأصول و القيم و الأخلاق و الوطنية جميعـــا ! 
من العاقل جداً أن نعترف بالمرض ، حتى نستطيع أن نشخصه و نحدد علاجه ، و من الطبيعي جداً أن نعترف أن هزيمة 1967 كانت ضربة مزلزلة أفقدت الأمة العربية ، بل و الشرق و أفريقيا و العالم الإسلامي الصواب .. و بنفس القدر من الموضوعية علينا أن نعترف بأن الوصفة العلاجية ، بردة الفعل الشعائرية الرمزية ، حسنة النية ، أو تلك المسيسة ، لم تكن إلا مزيداً من السم و مزيداً من الهزائم ألحقناها بأنفسنا بأيدينا ، و أنها بشكل مباشر أو غير مباشر تمكين للغرب المستعمر من رقابنا و أحلامنا و أوطاننا 
و بالتالي فإنه من المحتم علينا أن نفكر ، بأننا إذا اردنا مجتمعاً قوياً ، و تحرراً حقيقياً ، فالتمسك بالأصول و القيم لا يعني أبداً التمسك بمظاهر القيم ، أو شعائر الدين فقط ، بل بجوهرة ، فمكارم الأخلاق , وحقوق الإنسان ذكراً و أنثى و طفلاً و عجوزاً ، سليماً معافى أم معاقاً باي شكل ، والديمقراطية و العدالة الإجتماعية من أسس الدين ، و الحرية سنام الدين و العلم  أساس الدين ، و"إقرأ"  هي أول أمر في أول آية نزلت على الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام لتكون منهاج الأمة فيما بعد ، و التعلم بالقلم ( يعني بالمباحث المختلفة ، بتقليم و تبويب العلم و التخصصات ) ، بهذا يمكن أن تحافظ الأمة على قيمها ، و أصولها ، و تبني الأوطان الني يقرر فيها المجتمع حين يأمر ( يحكم ) بالعرف ( ما تعارف عليه المجتمع من قوانين ضابطة )، ماهية الحجاب و أشكال الأزياء ، و معاني الإحتشام و مظاهره ، و حينها يمكن أن ينصرف إلى ترف و أريحية المفاضلة بين المسواك و فرشاة الأسنان !