بالرغم من أن قرارات مهمة كان قد اتخذها هذا المجلس بالذات، وبالرغم من تأكيدات سابقة أن المؤسسات الشرعية، بما في ذلك اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية كان يفترض فيها، وليس غيرها أن تضع تلك القرارات موضع التطبيق، فإنها لم تفعل، ولم تقل لنا لماذا لم تفعل، ولم تقل لنا إن كانت قد حاولت، ولكنها فشلت أو حتى لم تحاول بالقطع لأن ذلك التطبيق كان "صعباً"، أو لم تتوفر ظروفه!
أما إذا كانت اللجنة التنفيذية للمنظمة قد ارتأت في حينه أن قرارات المجلس المركزي كانت متسرّعة أو أن الظروف لم تكن "ناضجة" لتطبيقها، أو أن ضغوطاً ما قد حالت دون قدرة اللجنة التنفيذية على ذلك التطبيق، فإن مجموع أعضاء المجلس المركزي لا يعرفون شيئاً (رسمياً) عن ذلك كله، ناهيكم طبعاً أننا نحن "الأهالي" لا نعرف شيئاً، شأننا في ذلك شأن أعضاء المجلس المركزي.
ومنذ صدور تلك القرارات ونحن كلنا نواصل التساؤل دون إجابة، وتحول غياب الإجابة عن هذه التساؤلات إلى سبب للمزيد من الخلافات في الحالة الوطنية، أو إلى المزيد من المبررات للذين كانوا ينتظرون، على أحرّ الشوق، غياب هذه المبررات بالذات من أجل "المقاطعة" لكل فعل جاد في إطار المؤسسات الشرعية بهدف الهروب والتهرّب من مسؤولية الصراع من داخلها، بدلاً من "الارتماء" في أحضان خصوم ومنافسي هذه المؤسسات، أو بالأحرى التستر خلفها للتنصل من خوض هذا الصراع.
وعلى افتراض أننا قد تجاوزنا ذلك كله الآن، وأن "زمان أوّل قد حوّل"، وأننا ربما نعيش في ظروف جديدة، وأمام مستجدات كبيرة، ولحظات حاسمة، ومرحلة جديدة فإن اجتماع المجلس المركزي القادم يأتي في ظل هذه المرحلة بالذات، فإن هذا الاجتماع يكون فعلاً وليس قولاً على الإطلاق هو الأخطر في تاريخه.
لماذا ؟
أولاً، لأن كل "الإقليم"، وربما من "خلفه" بعض الدول الكبرى مشغول بما يمكن أن يحدث في فلسطين، سواء تعلق الأمر هنا بالمواقف الرسمية، وخصوصاً في إطار هذا الاجتماع بالذات أو في أطر لاحقة لهذا الاجتماع، أو تعلق بالاستعدادات "القائمة على قدمٍ وساق لموجات غير مسبوقة من الهبّات الشعبية في مواجهة الاستيطان وقطعانه أو مواجهة الاحتلال بكل الأشكال الممكنة والمتاحة.
ولأن "الإقليم" ومن خلفه بعض المراكز الكبرى يستند في "مخاوفه" إلى معطيات ملموسة أكثر بكثير من استناده إلى انطباعات وشكوك ومخاوف، فإن ثمة ما يشي هنا أن اجتماع المجلس المركزي سيكون "حاسماً" باتجاهات قد يصبح "ضبطها" عند حدود معينة أمراً متعذّراً أو متأخّراً، أو حتى مستحيلاً، إضافة إلى ذلك فإن هناك ما يكفي من المؤشرات "الرسمية" الفلسطينية بأن موعد اجتماع المجلس المركزي لن يكون كأي موعد وأن ما سيصدر عنه لن يكون مصيره هو نفس المصير الذي انتهت إليه نتائج الاجتماع السابق.
كون أن "الإقليم" يسابق الزمن قبيل الموعد هو استشعار خاص بأن "الخطر" يقترب أكثر من أي وقت مضى، وأن ذلك الاجتماع القادم "لن يتمكن" من اتخاذ قرارات تقليدية، أو لن "يغامر" بأن تكون تقليدية أو معتادة.
ثانياً، هذا الاجتماع لم يعد ممكناً تأجيله لأكثر من عدة أيام، أو عدة أسابيع تحت أي أعذار أو أسباب أو مبررات، لأن مثل هذا الأمر سيعني بالنسبة لنا نحن الأهالي، بل وبالنسبة لأعضاء المجلس المركزي نفسه أن ثمة تراجعا كبيرا وخطيرا عن كل ما قيل حول خطورة المسألة، وحول دقة الظروف التي وصلنا إليها، وحول رفضنا المطلق لبقاء الأحوال على ما هي عليه، وحول أن صبر الشعب الفلسطيني قد نفد (وهو قد نفد فعلاً)، وحول كل ما بتنا نتحدث عنه من التمرد على كل هذا الواقع.
كما أن تأجيل هذا الاستحقاق (وهو أمر مستبعد للغاية) سيعطي لكل المتربصين بالمؤسسات الشرعية المبررات "الأخيرة" لانزياحات وخيارات سياسية، وتموضعات ستكون هي الأخطر على دور ومكانة هذه المؤسسات، وعلى كامل مستقبل التمثيل المستقل والشرعي، وعلى تماسك كل هياكلها دون استثناء.
ثالثاً، هذا الاجتماع سيكون الأخطر لأن "الأوراق" التي سيتم استخدامها فيه هي "الأوراق الاستراتيجية"، وليس الأوراق التكتيكية التي يمكن أن تستعمل "للتهديد" أو "الوعيد"، أو يمكن أن يفهم من طرحها وكأنها كذلك، والسبب هو أن هذه المسائل أو الاستخدامات والاستعمالات قد تجاوزها الزمن، وقد دخلنا الآن في عوالم جديدة، ومرحلة جديدة لا تحتمل، ولم تعد تحتمل هذه المراوغات.
إذا لم يعد ممكناً التأجيل، ولم يعد ممكناً التلويح، لأن المرحلة نفسها قد تجاوزت كل ذلك الآن.
رابعاً، وبالعربي الفصيح فإن ورقة "الاعتراف المتبادل" مطروحة على جدول الأعمال، وورقة المحكمة الجنائية الدولية موجودة في صلب أعمال المجلس، وورقة ربط ورقة "الاعتراف المتبادل" بالاعتراف بكون منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني قد انتهت الآن، ولم يعد لها أي قيمة تذكر، والشيء الوحيد الذي يمكنه "إنقاذ" هذا "الاعتراف المتبادل" هو الاعتراف بحق إقامة الدولة الفلسطينية من قبل الأطراف المقررة في المجتمع الدولي لكي يصار بعد ذلك إلى فرض نفس هذا الاعتراف على إسرائيل.
قد يبدو مستحيلاً الآن على أطراف المجتمع الدولي مثل هذا الاعتراف، وهذا صحيح فعلاً، ولكن قرارات المجلس المركزي إن كانت دقيقة الصياغة القانونية ومفهومة وواضحة فإنها هي التي ستشق طريق هذا الاعتراف، وأي تردد هنا لن يخدم مصالحنا الوطنية في هذه المرحلة الفاصلة.
خامساً وأخيراً، فإن هذا الاجتماع والذي يسبق التحضيرات لعقد مؤتمر حركة فتح، والقرارات التي ستصدر عنه (عن اجتماع المجلس المركزي) ستؤثر بصورة جوهرية على ذلك المؤتمر، وسيكون لها أبعد الأثر على شق طريق جديد للوحدة الوطنية وعلى قطع الطريق نهائياً على كل من يعترض هذا الطريق.
بكل المعاني التي ذُكرت فإن اجتماع "المركزي" هو الأخطر على الإطلاق، وهو الأهم في هذه المرحلة. فإما أن نبدأ المرحلة الجديدة مسلّحين بقراراته، أو ندخل مرحلة التيه السياسي بكل ما تعنيه من أخطار التصفية والتبديد والإلحاق والوصاية بعد أكثر من نصف قرن من الكفاح، وبعد مئات آلاف من الشهداء والجرحى والأسرى، وبعد تاريخ كامل من عطاء شعبنا وتضحياته.