لا تغادرني وجوه الأمهات المُتعبة تحلم برؤية أبنائها، متابعة ملف الأسرى يولد مشاعر وأفكارا كثيرة تبدأ من الفخر بهؤلاء الأبطال، إلى الضعف الذي نعيشه إلى الألم المرسوم في وجوه من ينتظرهم.

وحتى بعد الانتصارات الفردية بفك الإضراب، تُمسي فلسطين حزينة، فـ 5000 من أبنائها ما زالوا يقبعون خلف قضبان الاحتلال، و500 من هؤلاء معتقلون اداريون، أي لم تجرِ محاكمتهم ويتم تمديد أسرهم كل 6 شهور بشكل اوتوماتيكي، مخالفة لأبسط قوانين الأسر ومنها المحاكمة. يحدد نظام أسرى الحرب ثلاث اتفاقيات هي:

نظام لاهاي الملحق بالاتفاقية الرابعة لعام 1907م الفصل الثاني (المادة 4 – 20).
اتفاقية جنيف لعام 1929م المتعلقة بتحسين حالة أسرى الحرب.
اتفاقية جنيف لعام 1949م المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب.

بخصوص الأسرى الفلسطينين، المادة (20) من لائحة الحرب البرية فيها نص صريح يدعو الى إعادة أسرى الحرب الى أوطانهم بمجرد عقد معاهدة صلح بين الطرفين المتنازعين، وهذا يذكرنا بالاتفاق الفلسطيني– الاسرائيلي في واشنطن في 13 سبتمبر 1993 واتفاقية القاهرة الموقعة في 4 / مايو 1994 التي تلزم الجانب الاسرائيلي بإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وعليه إطلاق سراح الأسرى من قبل اتفاقية اوسلو هو التزام على اسرائيل انطلاقاً من روح ونص الاتفاق الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل. ما تقوم به اسرائيل من تعنت ومماطلة هو خرق للاتفاق ومخالفة صريحة لاتفاقيات جنيڤ.
إن ما يعانيه أسرانا حالياً هو عقاب جماعي يرتقي لجريمة حرب ضد الإنسانية. تواصل قوات الاحتلال الاسرائيلي ممارسة الاعتقال التعسفي والعشوائي لآلاف الفلسطينيين وإخضاعهم للتعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية، وذلك خلافاً لاحكام المواد 83 – 96 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949م. وتمارس اسرائيل التعذيب الجسدي والنفسي والضرب المبرح والعزل والحرمان من أبسط الحقوق كالكنتينة، وتركيب أجهزة التشويش المسرطنة والإهمال الطبي وحرمان الأسرى من الزيارات، تنتهج اسرائيل التعذيب كوسيلة رسمية تحظى بالدعم السياسي والقانوني منذ عام 1996 بعد ان منحت المحكمة العليا جهاز الشاباك الحق في استخدام التعذيب وأساليب الضغط الجسدي والمعنوي ضد المعتقلين.

ما زالت منظمة التحرير تخوض معركة دولية، وخاصة مع امريكا باسم الأسرى والشهداء بعد أن واجهت انتقادات وضغوطات شتى لدعمها، وخاصة المادي الذي تقدمه كرواتب للأسرى وعائلاتهم اعتقاداً من المجتمع الدولي أن رواتب الأسرى هي بمثابة تغذية وتحريض لثقافة العنف. واستطاعت الولايات المتحدة وإسرائيل ان تقنعا العالم بضرورة الضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير من خلال تبرير اقتطاع اسرائيل للمبلغ الذي تقدمه المنظمة للأسرى وعائلاتهم من عوائد ضرائب الفلسطينيين التي تجبيها اسرائيل باسم فلسطين.
هنا محاولة جديدة من اسرائيل وبدعم امريكي للتركيز على المايكرو وتشتيتنا في تفاصيل القضية، ولكن سرعان ما يعود ملف الأسرى بفعل أيديهم إلى أعلى سُلم الأولويات، وهنا ضروري ان نحافظ على هذا الزخم وألا نضيع ما تم البناء عليه من حشد تضامن وجذب لملف الأسرى. لا بد من دعم الأسرى، لا تنتظروا يوم السابع عشر من نيسان/أبريل، يوم الأسير الفلسطيني، لنصرتهم ومساندتهم ودعم حقوقهم بالحرية، ولتكريمهم وللوقوف بجانبهم وبجانب ذويهم وعائلاتهم.
علينا جميعاً بداية، بقيادة منظمة التحرير ووفاءً للأسرى وذويهم، تعزير هذا الملف والضغط باتجاه المحكمة الجنائية الدولية ومتابعة إحالة الملفات المتعلقة بالجرائم التي يرتكبها الضباط الاسرائيليون ضد الأسرى الفلسطينيين في إطار الجرائم ضد الإنسانية. منذ خروج بن سودا واستلام خان كمدعٍ عام جديد لم نسمع أي جديد من الجهات الرسمية المسؤولة. لا بد من متابعة الإحالات في المحكمة وتعزيز هذا الملف الهام. لا بد من مخاطبة اسرائيل وامريكا والمجتمع الدولي بمستوى شمولي حول هذا الملف، المطلب الفلسطيني يجب ان يكون واضحا بالضغط بكل الاتجاهات لاطلاق سراح جميع الاسرى ما قبل اوسلو، هذا أبسط إجراء لاعادة بناء الثقة بين الطرفين.
بالأمس، فرحنا بالإعلان عن فك الإضراب، إلى أن يتحقق الإفراج عن الأسرى، لنعمل من أجل حرية هؤلاء الأبطال ولتكن أنشطتنا ذات معنى ومغزى، علينا البناء على زخم هذه القضية بالحديث والكتابة والعمل باسم الأسرى، لا بد من وضع ملف الأسرى في أعلى سلم أولوياتنا الوطنية، مبارك هذا النصر للأسرى، ليس بعد الليل إلا فجر مجدٍ يتسامى.