هذا الرأي سأعتبره مجرد استراحة من كتابة المقال السياسي والذهاب الى حقل من خارج نطاق المألوف او المعتاد، او حتى من خارج نطاق الاختصاص إذا جاز التعبير، وهو «الكورونا» وتحوراتها.
فقط من أجل التعريج... حيث كنت أنوي الكتابة في مقال اليوم عن «سر» التوافق والاتفاق، بل والتطابق التام بين المعارضة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو وأقطاب اليمين المتطرف في الائتلاف  الحكومي حول تصرفات المستوطنين (والبعض يرى ان من الخطأ تسميتهم إلا بالمستعمرين) وخصوصاً بعد التصريحات التي أدلى بها نائب الوزير غولاني، والتي وصف بها هؤلاء المستوطنين بأنهم «أقل من البشر» او دون مستوى البشر، علماً بأنه قد تراجع عنها بعد ذلك، وعلماً ان ما قاله في وصفهم لا يمت بصلة الى مصطلحات النازية، واذا كان لقوله صلة ما بطروحات او مصطلحات فهي مع أطروحات وأفكار قادمة من قلب التوراة، او من قلب التفاسير المعروفة للشريعة اليهودية.
وقد وردت هذه المصطلحات بصيغة لا تقبل اللبس او التأويل على لسان بعض غلاة هؤلاء المفسرين، ومنهم بعض الحاخامات الذين يعرفهم القاصي والداني، ويعرف أدق فتاويهم كل المتابعين.
 الذي غيّر هذه «الخطة» هو الإعلانات المتتالية عن وزارة الصحة الإسرائيلية، والتي تفيد بأن أعداد المصابين في إسرائيل (صباح امس الأربعاء) وصلت الى ما يقارب الـ (43000) بعد أن كانت قد تجاوزت الـ (32000) في اليوم الذي سبقه. بكثير من الافتراضات العلمية يمكن الاستنتاج هنا ان الأعداد الحقيقية للإصابات قد لا تقل عن 100000 إصابة، وذلك لأن هذا العدد المهول لا يتضمن شرائح واسعة أخرى من المصابين غير المعروفة إصاباتهم، وكذلك بعض المصابين الذين لا ترد إصاباتهم في السجلات الرسمية، إما لأنهم لا يذهبون للمراكز الصحية، او لأنهم يقومون بمعالجة أنفسهم بصورة ذاتية.
وهكذا اذا تكررت الإصابات بالمعدلات الحقيقية والتي تفوق حاجز الـ 100000 إصابة يومياً فإن إصابة ثلاثة ملايين إسرائيلي خلال سبعة او ثمانية أسابيع من تاريخه كمعدل تصبح من الحقائق الواقعية حتى وإن كانت توقعية.
وهكذا يصبح الكلام عن هكذا أرقام ومعطيات هو كلام فعلي وواقعي وليس افتراضات إحصائية نظرية.
عندما نقارن هذه الأرقام وهذه المعطيات بالأرقام التي يتم الإعلان عنها عندنا، في القطاع وفي الضفة، وفي محيطنا العربي وحتى الإقليمي، فإننا في واقع الأمر نكون أمام عدة «احتمالات» كل واحد منها يبعث على الدهشة والاستغراب أكثر من الآخر.
فكيف تكون الإصابات في إسرائيل بهذه الأعداد مع وجود النسبة التي نعرفها عن الاختلاط بين المجتمعين، وتكون الهوة في الأرقام والمعطيات بهذا الاتساع؟؟
الواضح هنا هو ان الأرقام التي نعلنها ليست سوى الأرقام التي تراجع المراكز الصحية عند اشتداد الأعراض، او من تظهر نتائجهم إيجابية من المسافرين الذين لا يمكنهم السفر بدون إجراء الفحوصات.
ثم لماذا نعود فوراً الى التعليم الوجاهي ـ وهو المجال الأكبر لنقل العدوى وانتشار المرض ـ قبل ان نخضع الأعداد المعلنة لدينا عن الإصابات وقبل التأكد من أنها قد تكون خادعة ومضللة؟؟؟
ثم كيف سيكون وقع الأرقام في حال ان أصبحت بعشرات الآلاف على المجتمع من ناحية، وعلى البنية الصحية من ناحية أخرى؟؟
وفي ظل التأكيدات العالمية حول سرعة الانتشار المهولة للمتحور الجديد، أفليس أننا أمام أسبوع أو أسبوعين لكي نكون أمام مثل هذه الأرقام؟؟
هل كان علينا ان نواصل التصرف وكأن أرقام الإصابات التي نعلنها هي الأرقام الحقيقية؟ او الأقرب الى الحقيقية، في حين ان كل التوقعات الإحصائية المؤسسة على افتراضات علمية رصينة هي ما كان يجب ان نتصرف في ضوئه وليس في ضوء غيره؟؟؟
تكاد نفس هذه الأجواء، ونفس هذه التصرفات تكون موجودة في دول المحيط العربي، وخصوصاً في الأردن وسورية ولبنان ومصر والعراق والخليج وإيران وتركيا وبلدان أخرى كثيرة.
عندما تعلن منظمة الصحة العالمية ان اكثر من نصف الشعوب الأوروبية سيصاب بالمتحور الجديد اذا بقيت معدلات الإصابة حول الأرقام الحالية، فان ذلك يعني ببساطة، ان المسافة التي تفصلنا عن تلك الأرقام والمعدلات هي فقط المسافة التي تفصلنا عن تحول المتحور الجديد الى الفيروس السائد، وحينما تصل نسبة الإصابة به اكثر من 70-80 % من الإصابات، وخصوصا وان هذه النسبة قد وصلت الى ما يزيد على 90% في بعض البلدان الأوروبية.
وعندما تصل الإصابات في بلد كالولايات المتحدة الى اكثر من مليون وربع المليون، فإن العالم كله على ما يبدو يواجه اجتياحاً صحياً من هذا الفيروس لكامل اشهر الشتاء على اقل تقدير، ومهما كانت درجة خطورة التبعات الصحية لهذا التحور – أوميكرون – اقل من المتحورات السابقة، الا ان الاعداد الكبيرة من المصابين ستثقل عبء البنية الصحية، او ان عدد الوفيات سيزداد ارتباطاً بالاعداد المرتفعة جداً من الإصابات.
الأهم ربما هنا ان تجاهل كل هذه الحقائق لا يخدم المجتمع، ولا يخدم تماسك البنى الصحية، ولا يخدم الحقائق التي يجب على الحكومة الفلسطينية التحري عنها والتحقق الكامل منها قبل اتخاذ أي قرارات من شأنها ان تفاقم من حدة الأزمة التي باتت على الأبواب، هذا اذا لم تكن قد دخلت من الأبواب دون استئذان من احد.
صحيح ان بعض العلماء المختصين يتحدثون ان من شأن «تسيّد» المتحور الجديد ان يحول الجائحة الى أحد أشكال الفيروسات المتوطنة على شاكلة الإنفلونزا، وصحيح أن هذا التفاؤل يزداد يوماً بعد يوم، باعتبار ان ذلك سيعني من الناحية العملية إنهاء الجائحة وتحولها الى حالة يمكن التعايش معها مثل فيروسات أخرى... إلا ان هذا الأمر ليس محسوماً بعد، على الأقل من ناحية صعوبة توقع تحوّرات جديدة من هذا الفيروس.
باختصار، لا يجوز لنا ان نتصرف وكأن الأرقام المعلنة عندنا هي قاعدة التفكير، وقاعدة التخطيط، وقاعدة التصرف أيضاً.